تعتبر بيانات التوظيف الأمريكية من أهم العوامل التي تسهم في رسم ملامح حركة السعر في الأسواق، وهي البيانات التي يمكن أن نتوقع ما قد تشير إليه في الجمعة الأولى من كل شهر من خلال إلقاء نظرة على مجموعة من مؤشرات التوظيف الأولية.
تصدر في وقت لاحق اليوم الجمعة بيانات التوظيف الأمريكية الأهم على مدار الشهر وسط توقعات بزيادة في نمو كبير في نمو الوظائف في الولايات المتحدة وارتفاع شهري وثبات سنوي في معدل نمو الأجور ومعدل البطالة في الولايات المتحدة.
وتكمن أهمية بيانات التوظيف الأمريكية أيضا في أنها ليست فقط البيانات التي تحدد مدى قوة أداء الاقتصاد الأمريكي، لكنها أيضا البيانات التي تلقي الضوء على واحدة من مهمتين أساسيتين ينطوي عليهما التكليف الرسمي المنوط ببنك الاحتياطي الفيدرالي القيام به بنجاح من أجل تعزيز أداء الاقتصاد الأمريكي؛ هما استقرار الأسعار وتحقيق الحد الأقصى للتوظيف في البلاد.
الفيدرالي وسوق العمل
قالت نتائج اجتماع الفيدرالي الصادرة الأربعاء إن “المسؤولين في الفيدرالي يضعون في حساباتهم التغيرات المحتملة على صعيد السياسات التجارية وسياسات الهجرة، وذلك أثناء مشاركتهم في إعداد التقديرات الاقتصادية”.
وحذر بعضهم، في اجتماع ديسمبر الماضي، من أن “السياسات التجارية للرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تجعل من الصعب التعامل مع قراءات التضخم في الفترة المقبلة”. كما رأى صناع السياسة النقدية في الفيدرالي أن هناك ضرورة لاتباع منهج حذر في ربع السنة المقبل.
وتوقع صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حدٍ ما مع ارتفاع معدل البطالة قليلًا عن التوقعات الأساسية السابقة بعد النظر إلى دفعات البيانات الصادرة في الفترة الأخيرة علاوة على احتمالات التغييرات السياسية المحتملة من الإدارة القادمة للولايات المتحدة.
وأضافت النتائج: “أشارت المعلومات المتاحة وقت الاجتماع إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي استمر في الزيادة بوتيرة قوية في 2024. كما تحسنت أوضاع سوق العمل منذ أوائل العام الماضي، لكن معدل البطالة ظل منخفضًا. وكان معدل التضخم في أسعار المستهلك أقل من مستوياته قبل عام لكنه لا يزال مرتفعًا إلى حد ما”.
ولم تركز النتائج على أوضاع سوق العمل، لكان وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين فعلت ذلك، قائلة في تصريحات أدلت بها الأربعاء الماضي: “تراجعت أوضاع سوق العمل إلى حدٍ ما، لكنه لا يزال في حالة جيدة”، مرجحة أن العامل الأساسي في ارتفاع التضخم كان العجز في العمالة.
وأضافت: “ربما يكون الإنفاق من أجل الجهود التي بُذلت لمكافحة كوفيد من أسباب ارتفاع التضخم”، قائلة: “يبدو أن أقساط منتجات الدخل الثابت – التي شهدت زيادة كبيرة – بدأت في العودة إلى مستوياتها الطبيعية في الفترة الأخيرة”.
وتابعت: “تحتاج السياسة المالية إلى أن توضع على المسار الصحيح بصفة مستدامة”، مؤكدةً أن البيانات الاقتصادية التي ظهرت في الفترة الأخيرة ترجح أن معدلات الفائدة قد تكون أعلى مما تتوقع الأسواق في الفترة المقبلة.
سيناريوهات بيانات التوظيف
نتوقع اثنين من السيناريوهات لبيانات التوظيف الأمريكية؛ أحدهما إيجابي بينما يشير الآخر إلى احتمالات سلبية البيانات الأمريكية الأهم على مدار الشهر.
وتستند تلك السيناريوهات إلى عدد من مؤشرات التوظيف الأولية التي من خلالها نستطيع رسم صورة واضحة لما قد تكون عليه بيانات التوظيف الأمريكية.
السيناريو الإيجابي
يدعم سيناريو تحسن بيانات التوظيف الأمريكية بعض المؤشرات الأولية التي نشير إليها فيما يلي
تراجع مؤشر تشالنجر لإلغاء الوظائف في الولايات المتحدة إلى 11.4% في ديسمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 26.8%.
وتراجع مؤشر فرص العمل JOLTS إلى 8.184 مليون فرصة عمل في يونيو الماضي مقارنة بالقراءة السابقة التي سجلت 8.230 مليون فرصة عمل، وهو – رغم الانخفاض – ما جاء أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 8.030 مليون فرصة عمل.
وسجل مؤشر فرص العمل الأمريكية ارتفاعًا إلى 8.098 مليون وظيفة في ديسمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 7.839 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة، وهو ما فاق توقعات الأسواق التي أشارت إلى 7.700 مليون فرصة عمل.
ارتفع مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الأمريكي الصادر عن معهد دراسات الإمدادات إلى 48.1 نقطة في نوفمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 44.4 نقطة.
وتفادت قراءة مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميتشيجان الأمريكية الهبوط بعد مراجعتها إلى 74.00 نقطة في ديسمبر الماضي مقابل قراءة الشهر السابق التي سجلت نفس الرقم.
وتراجعت مطالبات إعانات البطالة الأسبوعية الأمريكية 201000 مطالبة في الأسبوع المنتهي في الثالث من يناير الجاري مقابل قراءة الأسبوع السابق التي سجلت 211000 مطالبة، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 218000 مطالبة.
وارتفع مؤشر إجمالي عدد المستفيدين من إعانات البطالة الأمريكية إلى 1.867 مليون مستفيدًا مقابل القراءة السابقة التي سجلت 1.834 مليون مستفيدًا. وجاء الارتفاع أدنى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 1.870 مليون مستفيدًا.
السيناريو السلبي
حقق مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة الصادر عن إدارة المعالجة البريطانية للبيانات 122000 وظيفة في ديسمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 146000 وظيفة، وهو الارتفاع الذي جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 140000 وظيفة.
تراجع مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات الخدمي الأمريكي الصادر عن معهد دراسات الإمدادات إلى 51.4 نقطة في ديسمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 51.5 نقطة.
وبسيطرة السيناريو الإيجابي على المشهد، قد يؤدي الارتفاع في بيانات التوظيف الأمريكية الذي تشير إليه التوقعات إلى أن يرى الفيدرالي أنه نجح إلى حدٍ كبيرٍ في إحراز تقدم على صعيد المعركة ضد التضخم، مما قد يثير التفاؤل في الأسواق ويعمل لصالح أصول المخاطرة لدفع بالبنك المركزي في اتجاه المزيد من خفض الفائدة هذا العام. وفي هذه الحالة قد نرى دفعة للدولار الأمريكي أيضًا في الاتجاه الصاعد.