وذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، أن المخاوف من فيروس كورونا أدت إلى انخفاض معنويات الأعمال التجارية في الاستطلاع الذي أجرته “أكسفورد إيكونوميكس” هذا الشهر بشكل أكثر من البيانات الدقيقة المبررة.
وقال الخبير الاقتصادي البارز في قيادة استطلاع “أكسفورد إيكونوميكس”، جيمي تومسون: “يشير تحليلنا إلى أن المخاوف المتعلقة بالأزمة المالية تستحوذ على مستوى كبير من الكآبة”.
ويجب أن تثير تلك المخاوف قلق المستثمرين، رغم عدم احتمالية اندلاع أزمة مالية في الوقت الراهن، على الأقل ليس بنفس النمط الذي احتل عناوين الأخبار الرئيسية لعام 2008، وثمة عاملان على الأقل يخففان من هذا الخطر.
العامل الأول يتمثل في إيضاح “الاحتياطي الفيدرالي” والبنوك المركزية الأخرى إمكانية فعل كل ما يتطلبه الأمر- على حد تعبير رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي في عام 2012- للحفاظ على أداء الأسواق خلال فترة تفشي الوباء، فكل ما حدث في مارس الماضي كان مثالاً على ذلك، إذ لجأ “الفيدرالي” لضخ السيولة بشكل غير عادي عند تجمد سوق سندات الخزانة الأمريكية.
أما العامل الثانى فيدور حول، أن البنوك ليست مصدر الصدمة الاقتصادية هذا العام، ويعتبر وضعها المالي أفضل بكثير في الولايات المتحدة ومعظم أوروبا، مقارنة بما كانت عليه عام 2008.
وفي هذا الصدد، أوضح راندال كوارلز، وهو مسئول كبير في الاحتياطي الفيدرالي، أن البنوك الأمريكية الكبيرة دخلت الأزمة الأخيرة وهي في وضع قوي.
كما أن الفيدرالي اتخذ عددا من الخطوات المهمة للمساعدة في تعزيز مرونة البنوك، أو كما قالت مجموعة البيانات المالية “مورنينج ستار”، إن مخاطر الإفلاس والأزمة الرأسمالية بالنسبة للنظام المالي الأمريكي بدت أقل بكثير هذه المرة.
ومع ذلك، ثمة مشكلة.. فالأزمات المالية لا تحدث دائما بنفس الطريقة التي حدثت بها أثناء انهيار بنك “ليمان براذرز”، أحياناً ما يظهر الضغط المالي بطريقة أكثر خداعاً.
وربما يثار جدال حول ما إذا كان هذا السيناريو يستحق وصف الأزمة، لكن النقطة الأساسية تدور حول أن الضغوطات المزمنة يمكن أن تكون منهكة للغاية من الناحية الاقتصادية، كما يعلم المشاركون في استطلاع “أكسفورد إيكونوميكس” بالتأكيد.
وذكرت كارمن راينهارت، كبيرة خبراء الاقتصاد في البنك الدولي، أن أحد المشكلات التي تواجه التمويل تدور حول الارتفاع الشديد لمقدار الديون في العديد من المؤسسات حتى قبل “كوفيد-19”.
وتحدثت راينهارت، خلال ندوة عبر شبكات الإنترنت قائلة: “إذا نظرت إلى نقاط الضعف في القطاع المالي، فمن الصعب ألا يكون الأمر قاتماً للغاية على المدى الطويل”.
بالإضافة إلى ذلك، لايزال من المستحيل حساب حجم الخسائر الائتمانية المحتملة الناتجة عن تفشي “كوفيد-19″، في حين يستمر الوباء في الانتشار، خصوصاً أن سياسة تحمل الائتمان واسعة النطاق تخفي الكثير من الضرر.
ويتوقع كبير الاقتصاديين في بنك التسويات الدولية، هيون سونج شين، ألا تظل البنوك بمنأى عن الضرر، رغم أنها لم تكن أصل الأزمة، مشيراً إلى أن مرحلة السيولة الفورية للأزمة تفسح المجال الآن أمام مرحلة الملاءة المالية، كما أن البنوك ستتحمل بلا شك العبء الأكبر.
يذكر أن البنوك الأمريكية الكبرى رفعت احتياطياتها للتعامل مع هذا الأمر، لكن راينهارت، الاقتصادية في البنك الدولي، تخشى أن تكون تلك البنوك المتواجدة في دول مثل الهند وإيطاليا أقل استعداداً، كما أن أسعار الفائدة المنخفضة للغاية تؤدي إلى تراجع ربحية البنوك.
وثمة مشكلة أخرى وهي صعوبة تحديد نموذج للمخاطر المستقبلية، نظراً لعدم وجود سابقة تاريخية، عادة ما تحدث الأزمات بسبب دورات الازدهار والكساد، والمستثمرون يدركون جيداً كيف يبدو ذلك، لكن الأمر هذه المرة مختلف، إذ يمكن أن تندلع مفاجآت سيئة بكل سهولة في ظل تدفق المزيد من الأنشطة المالية عبر القطاع غير المصرفي وأسواق رأس المال.
وكان الدافع وراء تجميد سندات الخزانة في مارس، على سبيل المثال، يكمن في صناديق التحوط، وهو قطاع يعرفه المنظمون بشكل أقل من البنوك، حيث يمكن أن تظهر المزيد من الصدمات إذا ارتفعت أسعار الفائدة.
وكما قال “دويتشه بنك” للعملاء هذا الأسبوع: “نعتقد إمكانية ارتفاع مخاطر حدوث اضطرابات مالية في المستقبل، نتيجة المبالغة المتزايدة في تقييم الأصول وتفاقم مستويات الديون”.
وبالطبع، ربما لا يستحق مثل هذا الاضطراب تصدر عناوين الصحف، لكن يجب على المستثمرين تذكر أنه حال اتخاذ المقرضين ردود فعل على الارتفاع الخفي في حالات التعثر في السداد، والأهم من ذلك الخوف من الضغوط المستقبلية، فربما يؤدى ذلك إلى تشديد شروط الائتمان رغم سياسات البنوك المركزية.
ولاحظ الاقتصادي في بنك التسويات الدولية، هيون سونج شين، أن الدراسات الاستقصائية تظهر بالفعل تشديداً كبيراً فى معايير الإقراض، أو كما لاحظت راينهارت، من البنك الدولي.
ولا عجب في أن “أكسفورد إيكونوميكس” وجدت أن المخاوف المتعلقة بالتمويل كانت تؤثر على الثقة، أو أن فرصة الانتعاش الاقتصادي على شكل حرف” V ” تبدو منخفضة بشكل متزايد.