تظهر الثلاثاء المقبل الدفعة الأولى من بيانات التضخم في منطقة اليورو هذا الشهر، والتي تقع على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية بالنسبة لحركة السعر في أسواق المال. وقد تكون هذه البيانات من أهم العوامل التي تحدد ملامح مسار العملة الأوروبية الموحدة والأسهم الأوروبية في الجلسة المقبلة.
ويتوقع على نطاق واسع أن يتراجع التضخم في منطقة اليورو في الفترة المقبلة وسط تعافي ملحوظ في أداء الاقتصاد الأوروبي في الفترة الأخير، والذي اعتمد على تحسن في أداء عدد من القطاعات الهامة وتراجع مخاوف الاضطرابات التي من شأنها تهديد الملاحة عبر البحر الأحمر، مما كان من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من ارتفاع النفط.
يٌضاف إلى ذلك أن الكثير من دول أوروبا لا تزال تعاني من مشكلات مثل ضعف الإنتاجية، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع أعمار السكان في المنطقة، وتآكل القوى العاملة علاوة على انخفاض عدد ساعات العمل.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم في منطقة اليورو بشكل أسرع مما كان متوقعًا في السابق هذا العام، حيث ثبت أن تأثير اضطراب التجارة في البحر الأحمر أكثر اعتدالًا من المتوقع، وفقًا لأحدث تقديرات الاتحاد الأوروبي.
توقعات رسمية
توقعت المفوضية الأوروبية الأربعاء الماضي أن التضخم السنوي في منطقة العملة الموحدة قد ينخفض إلى 2.5 في المائة هذا العام، قبل أن يصل إلى هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2.00% في النصف الثاني من عام 2025.
بذلك خفضت المفوضية تقديرات التضخم الأوروبي مقارنة بالتقديرات السابقة – الصادرة في فبراير الماضي – التي أشارت إلى إمكانية تراجع التضخم إلى 2.7% في 2024 و2.2% في 2025.
لكن تقديرات النمو الرسمية في المنطقة لا تزال دون تغيير عند 0.8% هذا العام. رغم ذلك، أشارت تقديرات المفوضية إلى إمكانية أن يحقق اقتصاد منطقة اليورو نموًا بـ1.00% في 2024، مما يشير إلى زيادة في تقديرات النمو بواقع 0.1%.
وفيما يتعلق بتقديرات التضخم في الربع الثاني من العام الجاري، أشارت التقديرات الرسمية إلى إمكانية أن يشهد التضخم المزيد من الهبوط في الفترة المقبلة – حتى نهاية يونيو المقبل – نظرا لتراجع أسعار السلع بسبب ما وصفته بأنه أثر سلبي “أقل خطرًا مما كان متوقعًا” للاضطرابات التي شهدها الطريق التجاري عبر البحر الأحمر.
النمو الأوروبي
أظهر الاقتصاد الأوروبي إشارات تعافي قوية في الربع الأول من 2024 عندما سجل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا بـ.0.3% مقارنة بالربع السابق، الأخير من 2023.
وأشارت تقديرات النمو الصادرة عن المفوضية الأوروبية الأربعاء الماضي إلى أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي حقق معدلات نمو أقل مما كان التوقعات في 2023، مرجحةً أن التضخم قد يؤدي إلى الإسراع من وتيرة تراجع النمو هذا العام. وفي 2024، من المتوقع الآن أن يصل النمو إلى 0.9% في الاتحاد الأوروبي و0.8% مقابل 1.2% في منطقة اليورو هذا العام. كما ألقت تقديرات التضخم الضوء على إمكانية أن ينخفض معدل التضخم في الاتحاد الأوروبي من 6.3% في عام 2023 إلى 3.0% في 2024 ثم إلى 2.5% في 2025.
وانخفض التضخم العام الماضي بوتيرة أسرع من المتوقع مدفوعًا إلى حدٍ كبيرٍ بانخفاض أسعار الطاقة. ومع ذلك، فإن تدابير دعم الطاقة عبر الدول الأعضاء ستنتهي قريبًا. وقد تؤدي التوترات الجيوسياسية الحالية، ولا سيما في الشرق الأوسط، إلى حدوث اضطرابات تجارية. ولا يزال من الممكن أن يساهم هذان العنصران في رفع الأسعار. ولكن من المرجح أن يستمر التضخم في التراجع، الأمر الذي من شأنه أن يكبح ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقا للمفوضية الأوروبية.
ومن المقرر ان يتوالى ظهور مؤشرات التضخم الأوروبية الخاصة بمنطقة اليورو وألمانيا، أكبر اقتصادات المنطقة، على مستوى أسعار المستهلكين والمنتجين في المنطقة، وهي الدفعات التي تبدأ بأسعار المنتجين في ألمانيا الثلاثاء المقبل.
وتشير التوقعات السائدة في الأسواق إلى أن أسعار في ألمانيا قد ترتفع بـ0.2%، مما يلقي الضوء على إمكانية أن تشهد القراءة الشهرية للمؤشر في إبريل الماضي أي تغيير.
أما القراءة السنوية، فمن المتوقع أن تتراجع أكثر بـ3.2-% في إبريل الماضي مقابل الهبوط بـ2.9-% الذي سجلته قراءة الشهر السابق، مما يجعلها في المنطقة السالبة دون أي تقدم.
ويشهد اليوم الأخير من مايو الجاري ظهور قراءات أسعار المستهلك في منطقة اليورو التي تأتي وسط توقعات بتراجع في التضخم، وهو ما يتوافق مع توقعات المفوضية الأوروبية التي ألقت الضوء على أهم أسباب التراجع المحتمل في الأسعار.
ومن دون شك، ترتبط هذه الدفعات المنتظرة من بيانات التضخم الأوروبية بعلاقة قوية بالسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي. فاستقرار الأسعار هو إحدى مهمتين رئيسيتين للبنك المركزي، وحال تحقق التوقعات بتراجع التضخم – سواء التوقعات الرسمية أو توقعات الأسواق – فمن المرجح أن تقرب صناع السياسة النقدية من البدء في خفض الفائدة.