تضاربت توقعات محافظو البنوك المركزية العالمية حول آفاق النمو الاقتصادي خلال العام الجاري والذي يواجه تحديات عديدة ليست على الصعيد الاقتصادي فحسب بل السياسي أيضا.
ويسيطر التشاؤم على السيناريوهات المقترحة لرحلة النمو الاقتصادي العالمي، حيث جاء إعلان المانيا عن تراجع معدل النمو الاقتصادي بأبطأ وتيرة في غضون 5 سنوات رسالة واضحة لتأثر أكبر الدول الصناعية بالحرب التجارية الضروس التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصين بعد أن فرضت ضرائب قيمتها 200 مليار دولار على المنتجات السنوية.
وعلى الرغم من المحادثات الثنائية بين البلدين إلا أن النتائج النهائية لم تعلن بشكل واضح من قبل البلدين.
ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي أبلغ المشرعين بأن التطورات الاقتصادية بمنطقة اليورو جاءت أضعف من التوقعات في الآونة الأخيرة وأن الضبابية، وبالتحديد ذات الصلة بالعوامل الدولية، ما زالت سائدة.
وقال دراجي للبرلمان الأوروبي في ستراسبورج ”ما زالت هناك حاجة لقدر كبير من حوافز السياسة النقدية لدعم بناء ضغوط الأسعار المحلية، وتطورات التضخم الأساسي في الأجل المتوسط“.
وجاء بيان دراجي بمثابة رسالة واضحة من المخاوف قد تطرأ على كبريات الدول الاقتصادية بمنطقة اليورو، وهيمنة الركود التضخمي على دول القارة العجوز لاسيما بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي .
وأكد دراجي على أن التغيير في السياسة النقدية أمر حتمي ولا مجال للتراجع عنه .
من جانبها قالت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في “كانساس سيتي” “إستير جورج”: إنه ربما حان الوقت لوقف البنك المركزي وتيرة الرفع التدريجي لمعدل الفائدة مؤقتاً.
وأضافت جورج في خطاب للهيئة المركزية لأسعار الصرف في “كانساس سيتي” أنها غير متأكدة من اقتراب الفيدرالي من معدل الفائدة المحايد من عدمه، وهو السعر الذي لا يدعم النمو الاقتصادي ولا يضره.
وحذرت جورج مما يحدث في الأسواق المالية في ظل إشارات واردة من سوق الأسهم والاقتصاد الصيني، وبالتالي، يجب تبني سياسة الصبر.
وتعكس تصريحات إستير جورج حالة من عدم اليقين حول ما ستؤل إليه الأوضاع الاقتصادية الفترة المقبل، في ظل غياب الشفافية وعدم وجود رؤية واضحة للأزمات العديدة التي يشهدها الاقتصاد الأمريكي سواء المتعلقة بالإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية وما سيعكسه من آثار سلبية على الناتج المحلي الأمريكي خلال نتائج أعمال الربع المقبل وسط توقعات بتراجع الناتج المحلي الأمريكي بنسبة 0.5%.
الآثار السلبية مستمرة حيث تلوح في الأفق آثارا للركود التضخمي المسيطر على الأسواق الأمريكية، وهو ما جاء بعد أن كشفت بيانات رسمية عن انخفاض معدل التضخم لأسعار الجملة بنهاية ديسمبر الماضي، جراء انخفاض أسعار البنزين التي أدت إلى تراجع التكلفة التشغيلية للمنتجات وانخفاض أسعارها.
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في “مينابولس” “نيل كاشكاري” يرى أن الاقتصاد الأمريكي جيد ولا توجد مخاوف مرتقبة على معدل النمو في القريب العاجل مستشهدا ببيانات الوظائف أو الأجور أو التضخم الأمريكية، مؤكدا أن تلك النتائج تؤكد على عدم الحاجة إلى مزيد من الرفع في أسعار الفائدة في الوقت الراهن.
وأضاف أنه لا يرى دليلاً على ضغوط من شأنها أن تبرر رفع أسعار الفائدة أكثر من ذلك، مشيراً إلى نمو الأجور بمستويات معتدلة، كما أن التضخم عند مستوى لا يستلزم اتخاذ إجراءات لكبحه.
ويعد كاشكاري معارضا لرفع أسعار الفائدة قبل عامان وهو ما ظهر خلال تصويته ضد جميع الزيادات الثلاثة في أسعار الفائدة عام 2017، قائلاً: إنه لا يرى أي ضرورة لتلك الزيادات.
أما رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول فيؤكد أن الاقتصاد الأمريكي جيد ومعدلات النمو المتواضعة في أوروبا غير مقلقة، وهو ما أعلنه في تصريحات له الأسبوع الماضي، مشيرا إلى أن الإغلاق الجزئي للحكومة الفيدرالية وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشد تأثيرا على الاقتصاد العالمي من عدم وضوح الرؤية تجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو الوصول إلى اتفاق واضح بين بلاده وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وحقيقة الأمر أن تضارب التصريحات بين رؤساء البنوك المركزية حول العالم تؤكد أن حالة من عدم اليقين تجاه الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري وغياب الشفافية في التصريحات ستكون أشد تأثيرا.