ما الذي يهدد ارتفاع عائدات السندات الأمريكية؟

كان انعدام اليقين يغلف المشهد على مستوى السياسة النقدية للبنوك المركزية الرئيسية على مستوى العالم في مقدمتها الفيدرالي الذي بدأ رحلة رفع الفائدة في مارس الماضي مع توقعات بأنه لا يزال أمامه بعض الوقت حتى يصل إلى الوجهة المقصودة.

لكن مع بداية الربع الثالث من العام الجاري، لم تعج نوايا الفيدرالي تخفى على أحد على مستوى العالم، والتي تشير إلى أن البنك المركزي ماضي في طريقه دون توقف في اتجاه رفع الفائدة حتى يخضع التضخم للسيطرة.

وتأكد هذا المعنى الذي تشير إليه أغلب توقعات السوق في الاجتماعات القليلة الماضية للجنة السوق الفيدرالية المفتوحة وفي كل مرة ظهر فيها جيروم باول، رئيس الفيدرالي، في مؤتمر صحفي بعد إعلان رفع الفائدة.

كما أكد باول على نفس الهدف، وهو السيطرة على الأسعار، والاستمرار في رفع الفائدة حتى يتحقق ذلك الهدف، وعلى أن البنك المركزي سوف يواصل رفع الفائدة في منتدى جاكسون هول الاقتصادي الذي انعقد في الولايات المتحدة الشهر الماضي.

وكان كل تأكيد على خطة الفيدرالي للاستمرار في رفع الفائدة، يزداد ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية التي من الطبيعي أن تستفيد من تصاعد توقعات المزيد من رفع الفائدة.

المصدر: بلومبرج

البيانات وتقارير الأرباح

كان السبب الثاني من أسباب ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية هو التحسن في البيانات الأمريكية في الفترة الأخيرة، الأشهر الثلاثة الماضية. وألقت تلك البيانات الضوء على تحسن عام في أداء الاقتصاد الأمريكي، إذ أشارت الدفعة الأحدث من البيانات الاقتصادية الأمريكية إلى تحسن كبير في أداء القطاع الخدمي في الولايات المتحدة .

وسجل مؤشر مديري المشتريات الخدمي الأمريكي تحسنا إلى 56.9 نقطة في أغسطس الماضي مقابل  القراءة السابقة التي سجلت 56.7 نقطة، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى 55.1 نقطة.

كما ظهرت قراءات إيجابية عديدة في الفترة الأخيرة لترجح أن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة جيدة، أبرزها مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي الصادر عن كونفرنسبورد الذي أظهر ارتفاعا إلى 103.2 نقطة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 95.3 نقطة في أغسطس، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى 98.00 نقطة، وفقا للأرقام الصادرة في أغسطس الماضي.

وكان مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بقيمته الأساسية، قد جاء أقل من التوقعات عند 0.1٪ في الشهر، مما أضاف إلى بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأخيرة التي أشارت إلى تباطؤ حاد في التضخ، وذلك عن أداء يوليو الماضي.

وتقلص نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 0.6٪ سنويًا على أساس ربع سنوي في الربع الثاني من عام 2022، أي أقل من انخفاض بنسبة 0.9٪ في التقديرات المسبقة، بسبب التعديلات التصاعدية في إنفاق المستهلكين والمخزونات. 

مع ذلك، دخل الاقتصاد الأمريكي من الناحية الفنية في حالة ركود، بعد انخفاضه بنسبة 1.6٪ في الربع الأول من العام الجاري 2022.

وشهدت قراءات طلبات السلع المعمرة في الولايات المتحدة تحسنا محدودا علاوة على تراجع أقل من توقعات الأسواق في مبيعات المنازل المعلقة في الولايات المتحدة.

المصدر: بلومبرج

ارتفع مؤشر النشاط الوطني لبنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو إلى 0.27 في يوليو من عام 2022، مما يشير إلى انتعاش النمو الاقتصادي الوطني. انتعشت القراءة من -0.25 المعدلة بالأسفل في يونيو.

وألقت أغلب تقارير أرباح الشركات الكبرى المدرجة في مؤشرات بورصة نيويورك الضوء على تحسن في الأداء المالي للشركات، مما أثار حالة من التفاؤل أدت إلى المزيد من ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية.

ورغم التقدم الذي أحرزته عائدات سندات الخزانة الأمريكية في الأشهر الثلاثة الماضية – بدفعة من تصاعد توقعات رفع الفائدة بسرعة أكبر في الفترة المقبلة وتحسن البيانات الأمريكية وتقارير أرباح الشركات – يظل النمو الاقتصادي الأمريكي من أكبر مصادر التهديد التي تواجه العائدات.

وسجل الاقتصاد الأمريكي انكماشا في النصف الأول من العام الجاري، وهو الوضع الذي قد يتفاقم في الفترة المقبلة بسبب السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يستهدف رفع الفائدة إلى مستويات مقيدة للنمو وإحداث تباطؤ في أداء سوق العمل الأمريكي.

وحال تحقق ما يريده الفيدرالي على أرض الواقع، قد تتحول توقعات رفع الفائدة من أحد العوامل الداعمة لارتفاع عائدات السندات الأمريكية إلى عامل سلبي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع تلك العائدات.