بدأ النصف الثاني من العام الجاري دون حدوث أي تحسن في أداس الاقتصاد العالمي ، وهو لايزال مثقلاً بعمق بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، مع استبعاد الانتعاش الكامل الآن لهذا العام، حتى أن العودة إلى تسجيل نمو في عام 2021 تعتمد على كثير من الأمور التي تسير على ما يرام.
وأوضحت وكالة أنباء “بلومبرج”، أن هذا السيناريو قليل إن وجد- توقعوه في بداية العام، عندما كان معظم الاقتصاديين يعتمدون على عام آخر من النمو، وكان يفترض أن تساهم فيه أيضاً اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والصين عبر تعزيز ثقة الشركات والمستثمرين.
ولكن بدلاً من ذلك، أجبرت الجائحة مساحات شاسعة من سكان العالم، على اللجوء إلى ما أطلق عليه صندوق النقد الدولي “الإغلاق العظيم”، وبالتالي استجابت البنوك المركزية والحكومات بتقديم تريليونات الدولارات كدعم غير مسبوق لمنع انهيار الأسواق والحفاظ على استمرارية العمال الحاصلين على إجازات غير مدفوعة الأجر، والشركات المتعثرة، لحين انحسار الوباء.
وحتى في ظل جهود الإنقاذ المبذولة، لايزال العالم يعاني من أسوأ أزماته الاقتصادية منذ الكساد الكبير.
ورغم أن بعض مقاييس التصنيع ومبيعات التجزئة في الاقتصادات الرئيسية تظهر تحسنا، إلا أن الآمال المتعلقة بتسجيل انتعاش على شكل حرف V قد تلاشت، خصوصا أن عملية إعادة فتح الأعمال التجارية بدت وكأنها هشة في أفضل التقديرات، وقد تتحول مخاطر فقدان الوظائف من أمر مؤقت إلى دائم.
وقالت كبيرة الاقتصاديين لدى البنك الدولي، كارمن راينهارت، في مؤتمر “بلومبرج إنفست جلوبل” في 23 يونيو الماضى: “ثمة خطر حقيقي من الخلط بين الارتداد والانتعاش، فالانتعاش الحقيقى يدل على أنك أصبحت على الأقل في وضع جيد كما كنت قبل الأزمة، ولكننى أعتقد أننا لايزال أمامنا طريق طويل للوصول إلى ذلك”.
تعتمد كثير من الأمور على تفشي الوباء، فمنظمة الصحة العالمية تحذر من أن أسوأ انتشار للوباء لم يأت بعد، إذ ارتفعت حالات الإصابة إلى 10 ملايين شخص والوفيات إلى أكثر من 500 ألف شخص، حتى أن موجة جديدة تظهر فى الدول التى بدت وكأنها احتوت الوباء.
ويعتقد صندوق النقد الدولي، أنه بحلول نهاية العام سيكون لدى 170 دولة- أو 90% تقريباً من العالم- نصيب أقل من دخل الفرد، وهو ما يشكل انعكاساً واضحاً من توقعاته في يناير، والتى أفاد خلالها بأن 160 دولة ستنهى العام باقتصادات أكبر ونمو إيجابى في دخل الفرد.
ويتوقع اقتصاديو مصرف بنك “إتش.إس.بي.سي هولدنجز”، بقيادة جانيت هنري، أن يظل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية عام 2021، في كثير من الحالات، أقل مما كان عليه في نهاية عام 2019.
يبقى محافظو البنوك المركزية في حالة تأهب للقيام بالمزيد، إذ حذر جيروم باول، رئيس الاحتياطى الفيدرالى، من تقلب التوقعات بشكل غير عادى، في حين تحدثت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزى الأوروبى، عن انتعاش مقيَد سيغير أجزاء من الاقتصاد بشكل دائم.
ومن المؤكد أن ثمة أوضاع للتعافي يمكن أن تكتسب قوة زخم. فخبراء الاقتصاد في “مورجان ستانلي” يلتزمون بتوقعات تفيد بإمكانية انتعاش الاقتصاد على شكل حرف V، مشيرين إلى مفاجآت إيجابية في البيانات الاقتصادية الأخيرة، خاصة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو.
وفى الوقت نفسه، راجع الاقتصاديون في مؤسسة “جولدمان ساكس” تقديراتهم لنمو الاقتصاد الأمريكي في الربع السنوي الحالي، لكنهم توقعوا عودته إلى المسار الصحيح في سبتمبر.
أداء مختلط
ارتفع نشاط قطاع التصنيع في الصين في يونيو، كما ارتفعت مقاييس التصنيع الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، لكن لاتزال الطلبيات الجديدة تظهر ضعفاً.
وقال رئيس غرفة التجارة التابعة للاتحاد الأوروبى في الصين، جورج ووتكي، الذي يتوقع استمرار عدم اليقين لبضع سنوات أخرى، إن هذه النظرة المقلقة تعني أن الشركات تبحر في الظلام.
انتعاش متذبذب
أوضح ووتكى، أن الانتعاش لن يأتى على شكل حرف V، ولا حتى W، ولكنه سيشبه قمة المنشار، حيث سيسلك مساره لأعلى ولأسفل، ولأعلى ولأسفل، وسيكون مساره مؤلماً طوال الطريق.
وهذا يعنى أيضاً أن الاقتصادات الناشئة سريعة النمو لن تكون محرك النمو العالمي، كما كان الوضع من قبل، إذ يتوقع البنك الدولي انكماش مجموعة الدول هذه بنسبة 2.5%، وهو أسوأ أداء لها منذ بدء نشر البيانات في عام 1960.
يبدو أن الانتعاش الكامل لمستويات ما قبل الأزمة أمر مستحيل، لحين التحكم في تفشي الفيروس، وهي نظرة تنطبق بشكل خاص على قطاعات منها السياحة والنقل والترفيه، التي يتوقع استمرار القيود المفروضة عليها لفترة أطول.
كانت الضربة التي تلقتها أسواق العمل أسوأ، مما تم تقديره في بداية الأمر، وإصلاح هذا الأمر سيكون صعباً في النصف الثاني من العام الحالي، حتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، وفقاً لمنظمة العمل الدولية.
قال المستشار الاقتصادي العالمي في شركة “باسيفيك إنفستمنت مانجمنت”، يواكيم فيلس: “بينما يبدو من المحتمل حدوث ارتداد ميكانيكي قريب المدى في النشاط الاقتصادي استجابة لتخفيف إجراءات الإغلاق، نتوقع أن يكون الارتفاع اللاحق طويلاً وشاقاً”.
ومع ذلك، لاتزال هناك تحديات أخرى أيضاً، ويمكن لمستويات الديون القياسية تقييد مقدار الدعم الإضافي الذي يمكن للحكومات تقديمه، بالإضافة إلى التحفيز المالي البالغ 11 تريليون دولار الجاري تنفيذه بالفعل، كما تتصارع الحكومات حول كيفية تمديد أو إنهاء التدابير المكلفة على المدى القريب لتمويل الأجور والحفاظ على بقاء الشركات، في حين تستعد في الوقت نفسه لتحفيز طويل الأجل لدفع الانتعاش الاقتصادى.
وفى هذا الصدد، قال الاقتصادي جارسيا هيريرو، إن العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة ستستغرق وقتاً أطول، إذا لم تكن هناك إجراءات للتخلص من الديون.