نور تريندز / التقارير الاقتصادية / تباطؤ النمو وتراجع الاستثمارات النتيجة الحتمية لإندلاع الحرب التجارية
المحادثات التجارية، واشنطن وبكين، الرسوم الجمركية
المحادثات التجارية، واشنطن وبكين، الرسوم الجمركية

تباطؤ النمو وتراجع الاستثمارات النتيجة الحتمية لإندلاع الحرب التجارية

لم تنجح المفاوضات التجارية بين أكبر اقتصادين على مستوى العالم في درئ الآثار السلبية المترتبة على الحرب التجارية الجارية بين واشنطن وبكين.

حيث بدأ الصين والولايات المتحدة أمس الأحد فرض رسوم جمركية إضافية على سلع إحداهما الأخرى، وذلك برغم الدلائل على أن المحادثات بينهما بشأن تلك القضية ستستأنف هذا الشهر.

وستفرض بكين رسوما نسبتها خمسة في المئة على النفط الخام الأمريكي، في خطوة هي الأولى من نوعها أن يكون خام الولايات المتحدة مستهدف منذ بدأ الحرب التجارية قبل أكثر من عام، بينما ستبدأ إدارة دونالد ترامب بفرض رسوم نسبتها 15 في المئة على الواردات الصينية التي تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار.

وستبدأ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم نسبتها 15 في المئة على واردات صينية تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار، منها أجهزة التحدث الذكية وسماعات فضلا عن أنواع كثيرة من الأحذية.

وكانت إدارة ترامب قالت الشهر الماضي إنها ستزيد الرسوم القائمة والمقررة بنسبة خمسة في المئة على واردات صينية بنحو 550 مليار دولار بعدما أعلنت بكين عن رسومها الانتقامية على السلع الأمريكية.

وتسعى إدارة ترامب منذ عامين للضغط على الصين لعمل تغييرات شاملة في سياساتها بشأن حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية والمنح الصناعية والوصول إلى السوق.

فيما تنفي الصين دوما الاتهامات الأمريكية بأنها تعمد إلى ممارسات تجارية غير عادلة، وتعهدت بالرد على الإجراءات العقابية الأمريكية بتدابير مماثلة.

وأدى احتدام الحرب التجارية بين البلدين إلى تعطيل تجارة سلع بمئات المليارات من الدولارات، وتسبب في تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وأضر بالأسواق.

وعقب تعثر الوصول لاتفاق تجاري تبادل الطرفان الصيني والأمريكي الاتهامات بالتسبب في توقف المحادثات التجارية، أعلنت الإدارة الأمريكية أن الصين تراجعت عن الوعود التي قطعتها خلال المفاوضات ومنها تخفيض الدعم الذي تقدمه للشركات المملوكة للدولة، بمعنى آخر تغيير النموذج الاقتصادي الذي تعتمد عليه الصين، واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بالتخلي عن بعض بنود الاتفاق.

فيما حثت الصين الولايات المتحدة على العودة إلى المسار الصحيح والتوصل إلى اتفاق يحقق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك على أساس الاحترام المتبادل، خاصة بعدما تعهدت في جولات المفاوضات بحماية الملكية الفكرية وزيادة استيرادها للبضائع الأمريكية.

ومنذ بداية المفاوضات توقع العديد من المحللين صعوبة الوصول لاتفاق تجاري بين دولة تعتمد اقتصاديات السوق الحرة التقليدية والتجارة الحرة وسياسات تقليل دور الدولة في النشاط الاقتصادي وبين اقتصاد ضخم متطور تكنولوجيا يدار مركزيا بقواعد مختلفة.

ورغم الآثار السلبية للحرب التجارية بين البلدين إلا أن هناك بعض الإيجابيات التي عادت بالنفع على الطرفين لعل أبرزها تراجع عجز الميزان التجاري السلعي للولايات المتحدة الأمريكية مع الصين ليقترب من 80 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 91.1 مليار دولار أمريكي خلال الربع الأول من عام 2018.

وبالنسبة للصين جاء الانخفاض في قيمة العملة كأبرز النجاحات التي حققتها من الحرب وهو ما سيزيد من القدرة التنافسية لمنتجات الدولة في الأسواق الخارجية وزيادة صادراتها.

وهو ما ساعد المصدرون الصينيون في مواجهة التعريفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن مزيدا من التخفيض في قيمة اليوان قد يصبح سلاحا ذا حدين إذا ولد ضغوطا على احتياطيات الصين الرسمية، فتخفيض قيمة العملة سلاح ذو حدين.

وحول الاستثمارات الأجنبية في واشنطن وبكين فتراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين بشكل هامشي من 14 مليار دولار أمريكي عام 2017 إلى 13 مليار دولار أمريكي عام 2018.

بينما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 29 مليار دولار أمريكي عام 2017 ليصبح 5 مليارات دولار أمريكي فقط عام 2018.

ولم يكن للتعريفات الجمركية المرتفعة على الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية تأثير مباشر على الأسعار التي يدفعها المستهلكون الصينيون لأن العديد منها مدخلات صناعية وليست منتجات للاستخدام النهائي.

أما فيما يتعلق بالخسائر المحتملة من تفاقم الحرب التجارية قدر صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الاقتصادية، التأثيرات السلبية المتوقعة حال استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهي:

النمو الاقتصادي: يتوقع الخبراء انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.45 نقطة مئوية، حيث يشير تقرير World Economic Outlook الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2019 إلى أن سيناريو تطبيق كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية تعريفات جمركية بنسبة 25% سينجم عنه تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة الأمريكية بمعدل يتراوح بين 0.3- 0.6% سنويا، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين بمعدل يتراوح بين 0.5- 1.5% سنويا.

الصادرات: ستتأثر صادرات الولايات المتحدة الأمريكية في الأجل الطويل سلبا نتيجة انخفاض عوائد رأس المال بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة وسعر الصرف المرتفع.

الزراعة: من المتوقع أن يواجه القطاع الزراعي الأمريكي تراجعا كبيرا نتيجة الرسوم الجمركية الصينية.

الصناعات التحويلية: سيشهد قطاع الصناعات التحويلية وخاصة صناعة الإلكترونيات انكماشا كبيرا في جميع أنحاء العالم وخاصة في الصين التي ستعوض ذلك بنمو كبير في قطاع الخدمات بها.

مبيعات التجزئة: تراجع نمو مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك الحال بالنسبة للصين التي تراجع فيها معدل نمو مبيعات التجزئة عن المتوقع في الوقت الذي تنفذ فيه خطط لعمل إعادة توازن لاقتصادها ليعتمد على الخدمات والاستهلاك المحلي بدلا من التصنيع والاستثمار.

التشغيل: تراجع أعداد المشتغلين في قطاع الصناعات التحويلية في الصين بمعدل 5%. وتراجع عدد الوظائف في قطاعي الزراعة والنقل بالولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 1%.

مستويات الأجور والأسعار: في الأجل القصير ستتأثر الأجور والأسعار في الصين كونها لا تتكيف بسرعة لتعويض الانخفاض في الطلب الخارجي نتيجة تراجع الصادرات للولايات المتحدة الأمريكية، وستتأثر في الأجل الطويل بتراجع وفورات الحجم.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ووفقا لتقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن الجولة الأخيرة من رفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية ستكلف الأسرة الأمريكية الواحدة 831 دولارا أمريكيا سنويا، وإذا تم زيادة التعريفات الجمركية على باقي السلع الصينية، فقد تتكلف أسرة من 3 أشخاص في الولايات المتحدة 2200 دولار أمريكي سنويا نتيجة ارتفاع أسعار السلع وفقا لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

فيما قدر بنك الاستثمار جيه بي مورجان أن الرسوم الجمركية الصينية قد تكلف المواطن الأمريكي نحو 1000 دولار سنويًا، وذلك مع دخول التعريفات على العديد من المنتجات المستوردة من الصين حيز التنفيذ أمس.

وقد يكون محبو الأجهزة الإلكترونية الأكثر تضرراً، حيث يتم تصنيع معظم تلك المنتجات في الصين، وتنطبق التعريفة على مجموعة كبيرة من المنتجات من الحليب إلى المعدات الرياضية مع العديد من منتجات “آبل”.

وقال متحدث باسم الاتحاد الأمريكي للبيع بالتجزئة لـ “سي بي إس” إن التعريفات سترفع الأسعار على الأسر الأمريكية وتضر بالاقتصاد، مشيرا إلى احتمالية فقدان ملايين الوظائف، وتراجع الاستثمار، وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع البطالة، وزيادة الأسعار.

كما سيتضرر المصنعون والمزارعون الأمريكيون من التعريفات الانتقامية التي تفرضها الصين على سلع أمريكية بقيمة 75 مليار دولار بما في ذلك فول الصويا والنفط والسيارات.

ويشير المحللون إلى أن الشركات الأمريكية ستكون الأكثر تضررا، حيث خفض المحللون توقعاتهم لأرباح الشركات الأمريكية بشكل أكثر في ثلاثة أعوام، في ظل تأثير الحرب التجارية مع الصين والتوقعات الاقتصادية المنخفضة على خطط اﻷرباح والتوسع للشركات.

وقالت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إن الانخفاض بنسبة 5.3% في توقعات أرباح الشركات للعام بأكمله يعد أكبر انخفاض على أساس سنوي منذ عام 2016.

وتراجعت أرباح الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 0.4% على أساس السهم الواحد في الربع الثاني، بعد تقديم 96% من الشركات تقاريرها الخاصة.

وقالت ليديا بوسور، كبيرة خبراء الاقتصاد في جامعة أكسفورد، في مذكرة للعملاء اﻷسبوع الماضي، إن قطاع الشركات يظهر أعراضا مقلقة.

وأضافت أنه مع تباطؤ النمو العالمي بشكل حاد وتباطؤ النشاط المحلي، يمثل انخفاض اﻷرباح بشكل أكبر، مخاطرة بالنسبة للاستثمار التجاري الأعمال والتوظيف.

وتأتي توقعات انخفاض الأرباح في أعقاب نمو الإنفاق الرأسمالي الأمريكي بشكل هائل خلال العام الجاري، بعد الارتفاع الكبير الذي شهده عام 2018 عندما بدأ سريان ضرائب الشركات المنخفضة.

فيما خفض مكتب التحليل الاقتصادي اﻷمريكي، في يوليو الماضي، حسابات أرباح الشركات اﻷمريكية لعام 2018 بنسبة 8.3%، بانخفاض قدره 188 مليار دولار من الرصيد السابق، وشمل ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر أكثر تأثرا بالتوترات التجارية لأن تغيير سلاسل الإمدادات سيكون أكثر تكلفة بالنسبة لهم.

وقالت أليسيا ليفين، كبيرة الاستراتيجيين لدى بنك أوف نيويورك ميلون إنفستمنت، إن نقل العمليات الأمريكية خارج الصين سيزيد تكاليف الشركات، وسيؤثر تغيير سلاسل الإمدادات على هوامش الربح.

ويأمل الاقتصاديون في إمكانية توصل الجانبين الصيني والأمريكي لاتفاق تجاري خاصة بعدما أكد صندوق النقد الدولي على أن التصعيد الأخير للحرب التجارية بينهما سيؤثر بشكل كبير على الأعمال التجارية والأسواق المالية، ويعطل سلاسل التوريد العالمية، ويقوض توقعات تحسن النمو العالمي في عام 2019.

تحقق أيضا

النفط

عوامل قد تؤدي إلى المزيد من هبوط أسعار النفط

ظهرت بعض العوامل في أسواق النفط العالمية من شأنها أن تؤجج هبوط الأسعار في الفترة …