بعد تعهد الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن بجعل الولايات المتحدة تحظى بالاحترام فى جميع أنحاء العالم مرة أخرى، كانت العلاقات مع أوروبا من بين أول من ذكره بأن العلاقات التجارية عبر الأطلسى ربما تكون مكاناً جيداً للبدء.
ووافقت بروكسل، يوم الاثنين، على فرض رسوم جمركية جديدة على واردات أمريكية بقيمة 4 مليارات دولار، وهى خطوة اتخذت بمباركة منظمة التجارة العالمية بعد أن فاز الاتحاد الأوروبى بقضية فى جنيف ضد الإعانات غير القانونية الموجهة لصانع الطائرات الأمريكى «بوينج»، فقد سُمح للولايات المتحدة، فى دعوى موازية ضد صانع الطائرات الأوروبى «إيرباص»، بفرض رسوم جمركية على بضائع بقيمة 7.5 مليار دولار من دول عديدة، من بينها فرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة.
وكان هذا النزاع متواجداً قبل تولى الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم بنحو 12 عاماً، لكن نهج «أمريكا أولاً» لم يؤدِ سوى إلى إطالة أمد النزاع، وفقاً لما أوضحته وكالة أنباء «بلومبرج».
وتعكس نتيجة «العين بالعين» ما قاله بعض المراقبين بأنه سوء تقدير فى استراتيجية إدارة ترامب مع الحلفاء التجاريين والأعداء على حد سواء، ولكن أوروبا لم تقع تحت الضغط بل ردت عليه.
وفى المقابل، فإن تفضيل بايدن لتقوية التحالفات الديمقراطية يمكن أن يخلق بيئة أكثر ملاءمة لتسوية نزاعات، مثل قضية «إيرباص» و«بوينج»، التى تعد واحدة من العديد من الأزمات المزمنة.
وقال باسكال لامى، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، فى مقابلة أجراها مع تليفزيون «بلومبرج» يوم الثلاثاء: «لقد فرضت الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية، وفرض الاتحاد الأوروبى تعريفاته الجمركية.. نحن نقع الآن على قدم المساواة، وهى طريقة جيدة لبدء المفاوضات.
قال لامى: السؤال هو هل ستتفق بروكسل وواشنطن، مضيفاً: فى عهد ترامب، سيكون الجواب لا بأى حال من الأحوال، لكن فى عهد بايدن يمكن أن يكون الجواب نعم.
وفى الوقت نفسه، يقر الأوروبيون بأنه ستظل هناك خلافات كبيرة ويجب أن يكونوا واقعيين بشأن قدرة بايدن على إعطاء الأولوية للتحالف على المسائل المحلية الأكثر إلحاحاً والتغييرات طويلة المدى فى التيارات السياسية.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، فى كلمة ألقتها يوم الثلاثاء: «يمكن دائماً التصدى للانقسامات والتئام الجروح، لكن بعض التحولات فى الأولويات والتصورات يمكن أن تكون أعمق بكثير من سياسى أو إدارة واحدة، ولن تختفى بسبب انتخابات واحدة.
وقدمت بلومبرج ملخصاً للخلافات الرئيسية الأخرى الناشبة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بشأن القضايا التجارية، وكانت كالآتى:
ويمكن أن يكون سحب التعريفات الجمركية التى فرضتها إدارة ترامب على الصلب والألومنيوم واحدة من التدريبات المبكرة لبناء الثقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى؛ حيث يُنظر إلى تلك التعريفات فى أوروبا على أنها إهانة مؤسفة. واعترف كليت ويليامز، المستشار السابق للبيت الأبيض، بأن الرسوم الجمركية يمكن أن ترقى إلى خطأ غير مقصود ارتكبه إدارة ترامب، والذى خلق بدوره عداوة لا داعى لها بين واشنطن وبروكسل.
وقال ويليامز، فى مقابلة عبر الهاتف: «من بين كل الأشياء التى قام بها ترامب، كان هذا الأمر هو الأمر غير الضرورى والذى أضر بدوره بالعلاقة بطريقة لم تكن مثمرة على الإطلاق.
ويمكن أن يسهم تحرك بايدن لإنهاء التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم فى تشجيع بروكسل على سحب التعريفات الانتقامية المفروضة على ما قيمته 2.8 مليار يورو من السلع الأمريكية الشهيرة.
ويمكن لإدارة بايدن أن تعمل مع الاتحاد الأوروبى واليابان والأطراف الأخرى ذات التفكير المماثل لوضع قواعد عالمية جديدة للتصدى للمساعدات الحكومية الصينية المشوهة للسوق.
وقال تيم برايتبيل، الشريك فى شركة «وايلى» للمحاماة فى واشنطن: «أعتقد أن إدارة بايدن ستتطلع لمواجهة الصين وإعادة تأكيد القيادة الأمريكية».
ويمكن لإدارة بايدن التوصل لاتفاق مبدئى، والذى تقدمت به الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى واليابان فى يناير الماضى لاستهداف ممارسات الدعم لبكين، التى كانت تعتبر مصدراً للتوترات التجارية المتزايدة بين بكين وبقية العالم.
ومن الممكن أن تمثل الاتفاقية أهم ترقية لدليل قواعد التجارة العالمية منذ أكثر من عقد من الزمن، وذلك إذا تم تبنيها وتوسيعها بين مجموعة كبيرة بما يكفى من الدول.
وهناك نقطة خلاف رئيسية أخرى سيتواصل الصراع حولها، وهى خطط أوروبا لفرض ضرائب على الخدمات الرقمية، والتى تعمل بمثابة تعريفات جمركية على المبيعات المحلية لشركات التكنولوجيا الأجنبية، مثل فيسبوك وجوجل.
وتعد النمسا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة من بين الدول، التى تتبنى أو تفكر فى فرض ضرائب الخدمات الرقمية، فى محاولة منها للحصول على شريحة أكبر من سوق التجارة الإلكترونية العالمى البالغ 26 تريليون دولار، لكن إدارة ترامب تقول إن الضرائب تمييزية ضد شركات الإنترنت الأمريكية وتعهدت بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على سلسلة من السلع الفرنسية، بما فى ذلك مستحضرات التجميل والصابون وحقائب اليد، بقيمة 1.3 مليار دولار.
وقال ويليامز، المستشار السابق للبيت الأبيض، إن الجدل الضريبى الرقمى سيظل مصدر إزعاج كبيراً بالنسبة لبايدن، وتنظر الولايات المتحدة إلى هذا الأمر على أنه تمييز للأوروبيين ضد الشركات الأمريكية لجنى الإيرادات منها واستعادتها لتطوير أبطالهم الوطنيين.
تعهد بايدن أيضاً بالانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتى ستكون تطوراً مرحباً به بالنسبة للعواصم الأوروبية ويمكن أن تفتح بعض الفرص لإعادة المشاركة فى صفقة تجارية متوقفة لخفض الرسوم الجمركية على السلع الصديقة للبيئة.
وإذا أشار بايدن إلى اعتزامه إعادة المشاركة فى اتفاقية السلع البيئية، فقد يؤدى ذلك إلى زيادة التجارة العالمية فى المنتجات البيئية، مثل الألواح الشمسية وفلاتر المياه والمحركات الكهربائية والتوربينات الهيدروليكية، بمقدار 119 مليار دولار سنوياً.
وعلى المدى الطويل، ستكون هناك حاجة لمشاركة الولايات المتحدة وأوروبا فى خطط بروكسل لآلية تعديل حدود الكربون، التى من شأنها أن تخلق تكاليف جديدة للواردات الأجنبية من الدول الأقل صرامة بشأن الحد من التلوث.
وقال آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولى فى واشنطن، خلال ندوة شارك بها مؤخراً عبر شبكات الإنترنت واستضافتها مؤسسة بروجل الفكرية ومقرها بروكسل: ستتحرك الولايات المتحدة ببطء أكبر بكثير مما يلتزم الاتحاد الأوروبى به، وسيكون هناك جانب تجارى من تعديلات الحدود الذى سيتعين علينا التحدث بشأنها.