بعد سنوات من القياس غير المنصف مع ألمانيا القوة الاقتصادية لأوروبا ربما يكون لدى فرنسا أخيراً شىء يدعو للتفاؤل، وقالت وكالة أنباء بلومبرج الأمريكية، إن فرنسا ثانى أكبر اقتصاد فى منطقة اليورو تتفوق على جارتها ألمانيا والمنطقة ككل لتتخطى الجميع بعد الضربات الناجمة عن الحروب التجارية وضعف الزخم العالمى.
وأوضحت الوكالة الأمريكية، أن بعض الاختلافات مع جيرانها ناتجة عن التخفيضات الضريبية المحسوبة زمنياً والاعتماد بدرجة أقل على الصادرات، لكنه يعكس أيضاً الأرباح المبكرة من إصلاحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، التى تهدف إلى زرع بذور النمو طويل الأجل.
وأضافت الوكالة: يمكن رؤية الدليل على أن هناك ما هو أكثر من قصة التوقيت فى الاستثمار التجارى القوى الذى أعقب التخفيضات الضريبية للشركات والزيادات فى التوظيف بعد التغييرات فى قوانين العمل.
وأصبحت وتيرة خلق فرص العمل سريعة للغاية لدرجة أن الاقتصاديين يكافحون لتفسيرها وقد وصفها كبير الاقتصاديين فى بنك فرنسا المركزى، أوليفييه غارنييه، بأنها رائعة.
وأشارت بلومبرج إلى أن صحوة الاقتصاد الفرنسى مع انحدار ألمانيا نحو الركود قد يكون لها آثار سياسية أوسع على أوروبا من خلال منح ماكرون رأسمال سياسى لدفع أجندته الإصلاحية، ويتضمن ذلك سياسة صناعية أكثر نشاطًا وبروز أبطال (شركات) أوروبيين لمنافسة الولايات المتحدة والصين ومشاركة أكبر للموارد بين الدول الأعضاء.
يأتى ذلك فى الوقت الذى حقق فيه الرئيس الفرنسى بالفعل بعض النجاحات من خلال الاتفاق على موازنة منطقة اليورو وإن كان أقل بكثير من الطموحات الأولية، لكن الثقة مرتفعة للغاية فى باريس، حيث لم يعد المسئولين يخجلون من إلقاء اللوم على ألمانيا بشأن سياستها المالية الوطنية، وفى الربع الثالث من العام الحالى حقق الاقتصاد الفرنسى نمواً بنسبة 0.3% أفضل من التوقعات مع وجود الطلب المحلى كمحرك رئيسى.
واجتذبت فرنسا حصة متزايدة من الاستثمار الأجنبى، كما حافظت الشركات الحالية على الإنفاق، نظرًا لأنهم أقل عرضة من نظرائهم الألمان لتوترات التجارة العالمية.
وكشفت بيانات شركة “إى واى” الاستشارية، أن فرنسا حصلت على مشاريع استثمار أجنبى أكثر من ألمانيا فى عام 2018، وقال جيل ميك كبير الاقتصاديين فى شركة “أكسا”، إن السياسة النقدية الفضفاضة للغاية للبنك المركزى الأوروبى، ربما تلعب أيضًا دورًا فى القوة النسبية للاستثمار الفرنسى، والتى يتم تمويلها فى الغالب عن طريق الاقتراض على عكس ألمانيا.
وفى عالم من معدلات الفائدة المنخفضة ستكون هذه هى الاستراتيجية التى يمكن أن تؤتى ثمارها أيضًا على المدى الطويل، وقال ميك: “على الرغم من الدعم الدورى، فإن المرونة فى الاستثمار تفضى إلى آفاق جيدة للنمو المحتمل، وحتى إذا كانت فرنسا مقبلة على فترة أكثر إشراقًا، فلايزال أمامها طريق طويل قبل أن تتمكن من الوصول إلى ألمانيا حقًا”.
ويدعم ماكرون القطاع العام الواسع والمكلف حيث تنفق الحكومة عليه 56% من الناتج الاقتصادى السنوى، مقارنة بنسبة 45% فى ألمانيا، ونتيجة لذلك، يحوم الدين العام فى فرنسا بالقرب من 100% من الناتج المحلى الإجمالى.
وعلى الرغم من تراجع معدل البطالة، إلا أنها لاتزال أكثر من ضعف المعدل فى ألمانيا، وتشير الحكومة الفرنسية إلى نوعية الوظائف باعتبارها إصلاحات ناجحة والأهم من ذلك أن حصة الوظائف الجديدة بعقود مستقرة ودائمة فى ازدياد منذ أن غير ماكرون قوانين التوظيف.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تبث فيه الحكومة بيئة مواتية للأعمال التجارية منذ أن خفضت الضرائب على الثروة ووضعت ضريبة الشركات على مسار الانخفاض، وكشفت بيانات الوكالة الأمريكية أن معدل الاستثمار فى ارتفاع وزاد عدد الشركات الناشئة الجديدة إلى مستويات قياسية منذ انتخاب ماكرون، رئيسًا للبلاد.
ومنذ بداية الشهر الحالى بدأت التغييرات فى بدلات البطالة، والتى تهدف إلى تشجيع العمال على شغل وظائف خاصة مع تقديم أصحاب العمل لعقود أفضل.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تشرع فيه الحكومة أيضًا لإصلاح نظام التقاعد والذى سيتيح نظريًا للعمال أن يكونوا أكثر قدرة على التنقل، وعلاوة على ذلك، تدرس الحكومة المزيد من التخفيضات الضريبية للشركات المنتجة فى فرنسا، بالإضافة إلى إحداث تغييرات فى القطاعات الاستراتيجية، وقال وزير المالية الفرنسى برونو لو ماير، الشهر الماضى: “لا شىء سيجعلنا نتراجع عن إحداث تحول فى البلاد فقد تم انتخاب إيمانويل ماكرون، لذلك”.