تواجه المملكة المتحدة مصير غامض حول قرار انفصالها عن الاتحاد الأوروبي وسط حالة من الجدل والشد والجذب بين البرلمان البريطاني والمفوضية الأوروبية من جانب ورئيس مجلس الوزراء بوريس جونسون من جانب آخر.
وشهد الأسبوع الجاري العديد من التحركات لرئيس الورزءا البريطاني لعل آخرها تصريحات رئيس الوزراء البريطاني التي أكد خلالها إن حكومته سوف تطيع القانون لكنه لا يزال واثقاً من قدرة البلاد على تنفيذ البريكست باتفاق.
وتأتي تعليقات جونسون رداً على سؤاله عما إذا كان يبحث طرقاً لتأجيل أو التحايل على ما سُمي بـ”قانون الاستسلام”.
وتعهد جونسون بأن يُنفذ عملية البريكست في موعدها المحدد سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا لكن البرلمان أقر قانوناً يلزمه بالسعي للحصول على تمديد آخر للعملية الخروج ما لم يتم التوافق على صفقة بحلول 19 أكتوبر المقبل.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلنت المحكمة العليا في المملكة المتحدة أن طلب تعليق البرلمان البريطاني باطلة وغير قانونية ليعود مجلس العموم للانعقاد يوم الأربعاء الماضي.
ودلت النقاشات المحتدمة التي شهدها البرلمان البريطاني هذا الأسبوع على ان التوترات السياسية الداخلية بلغت ذروتها قبل نحو شهر من بريكست، ما قد يؤدي الى تنظيم الانتخابات المبكّرة المطروح إجراؤها.
وتلقى رئيس الوزراء بوريس جونسون انتقادات حادة، حتى من شقيقته راشيل، بسبب تصريحات تحريضية ادلى بها في مجلس العموم.
واتهم جونسون أعضاء المعارضة ب”التخريب” و”الخيانة” و”الاستسلام” أمام الاتحاد الأوروبي. وقال إنّ “هذا البرلمان يتصرف بأنانية وبجبن سياسي، فيما لا يريد نواب المعارضة الابتعاد وترك الشعب يقرر”.
وبرزت خلال الجلسات مشادة بين جونسون ونائبة حلت محل النائبة العمالية جو كوكس التي كانت رافضة لبريكست واغتيلت قبل أيام من استفتاء يونيو 2016.
ورفض جونسون تحميله أي مسؤولية عن تصاعد التوترات، ووصفه بالهراء، انتقاد النائبة العمالية بولا شيريف لتصريحاته “التحريضية”. كما قالت إنّها تلقت تهديدات بالقتل.
فيما اعتبر رئيس مجلس العموم جون بيركو أن هذا “أسوأ مناخ” يشهده البرلمان على مدار اثنين وعشرين عام، بينما يعتبر مؤيدو الخروج من الاتحاد الاوروبي أنّ التراجع عن بريكست هو الخطر الأكبر.
وبينما قد يجري تنظيم انتخابات مبكرة قريباً، يأمل بوريس جونسون منها الفوز بغالبية وتتحضر المعارضة لها، فإنّ أجواء الحملات الانتخابية المحتملة مشحونة.
وعلّق رئيس الوزراء الاسبق جون ميجور المناهض لبريكست، أنّه بغية إغواء الناخبين “تبدو الحكومة مصممة على إذكاء الخصومات عبر اللجوء إلى لغة انفعالية جداً كفيلة فقط إثارة الخوف والغضب وتأجيج اللوم تجاه البرلمان والقانون”.
وقال “ما دمنا لم نحسم مسألة بريكست، فإنّ الانتخابات لن تحل شيئاً”. وتابع أنّ “ذلك لن يؤدي إلا إلى تغذية الشعور الحالي بخيبة الأمل والانقسام. وسيفاقم ذلك جروحاً مفتوحة، ولن يؤدي إلى شفاء أمة”.
وترى المفوضية الأوروبية اتجاها مغاير لجونسون حيث قال رئيس المفوضية الأوروبية، جون كلود يونكر، بأن البريكست بدون اتفاق سيؤدي إلى كارثة كبيرة، مؤكداً أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فالمسؤولية تقع على عاتق بريطانيا، حيث قد نلجأ إلى توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين، ولكن بعض الاتفاقات التجارية تستغرق سنوات عديدة للتوصل إليها.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية إن فشل التوصل إلى اتفاق حول البريكست سيكون مسئولية بريطانيا وليس الاتحاد الأوروبي.
وأكد يونكر على أنه يعمل بشكل مكثف مع بارنيه من أجل الوصول إلى اتفاق، “الأمر سيكون كارثي لبريطانيا وأوروبا إذا غادرت المملكة المتحدة الكتلة دون عملية انسحاب منظمة”.
ومن المقرر أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر المقبل سواء باتفاق أو بدونه، كما أكد رئيس الوزراء البريطاني في عدة مواقف.
وشدد يونكر على أن المفاوضات حول العلاقة التجارية المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي ستكون معقدة على نحو كبير بسبب البريكست غير المنظم.
وصرح مسؤول في بنك إنجلترا بأن الخطوة المقبلة للمركزي قد تكون خفض معدل الفائدة، مع حالة عدم اليقين حول البريكست.
وقال مايكل ساندرس عضو السياسة النقدية في بنك إنجلترا في تصريحات اليوم الجمعة إن بريطانيا قد تنظر في خفض معدل الفائدة في حالة استمرار عدم اليقين حول البريكست.
وأضاف ساندرس”في حالة تجنب بريطانيا البريكست بدون اتفاق، فإن السياسة النقدية أيضاً قد تتجه في أي من الطرق، وأعتقد أنه من المعقول جداً أن تكون الخطوة المقبلة هي خفض معدل الفائدة وليس رفعها”.
وأوضح مسؤول بنك إنجلترا أن مستويات عدم اليقين التي تحيط بالبريكست قد تستمر في أن تتصرف كعوامل تؤدي إلى تراخي الاقتصاد البريطاني، حتى في حالة تجنب البريكست دون اتفاق.
وحول الآثار الاقتصادية المترتب على البريكست، فتواجه الشركات البريطانية مخاطر متجددة حول كيفية التخطيط لأي صفقة بعد تأخير الاستفتاء حتى الخريف، ومن المحتمل أن تقوم بعض الشركات بتخفيض أسعار أسهمها بدلاً من تقديم طلبات جديدة، مما أدى إلى بعض النمو، وفقًا لبنك إنجلترا، حيث خفض توقعاته للربع الثاني إلى الصفر من معدل سابق بلغ 0.2%.
وعلى الرغم من حث بوريس جونسون بريطانيا على القيام بالمزيد من التخطيط لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن معظم الشركات تقول إنها جاهزة قدر الإمكان، وفقًا للبنك، ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الوضوح يحد من المدى الذي يمكن أن تكون فيه بريطانيا جاهزة بالكامل”.
وكشفت وثائق رسمية أن بريطانيا ستواجه نقصًا في الوقود والغذاء والدواء إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق انتقالي.
وقالت هيئة رقابة حكومية بريطانية إنه لا يزال هناك قدر كبير من العمل الذي يتعين القيام به للتأكد من أن البلاد لديها إمدادات كافية من الأدوية المرخصة في حالة “بريكست” بدون صفقة.
وأوضحت أن سعة الشحن الإضافية التي اتفقت عليها المملكة المتحدة لإرسال البضائع عبر القناة الإنجليزية قد لا تعمل حتى نهاية نوفمبر، أي بعد شهر من الموعد النهائي المحدد في 31 أكتوبر لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن حالة عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، دفعت الاقتصاد البريطانى إلى حافة الركود.
وأوضحت الصحيفة، أن الاحتمالات كانت متوازنة بالتساوى فى أن الاقتصاد سينزلق إلى ربعين متتاليين من الانكماش – تعريف الركود – لأن تهديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة أثر سلباً على ثقة الشركات والمستهلكين.
وتقلص الاقتصاد بنسبة 0.2 ٪ في الربع الثاني من العام. وأشارت “الجارديان” إلى أن التنبؤات للأشهر الثلاثة حتى نهاية سبتمبر تتفاوت من الانكماش الثاني بنسبة 0.2 ٪ ، والتي من شأنها تلبية معيار الركود ، إلى تحقيق نسبة إيجابية تصل إلى 0.2 ٪.
وقال محللون إن الاقتصاد البريطاني المضطرب يتباطأ على خلفية حرب دونالد ترامب التجارية مع الصين، والتى جرت على النمو العالمي أكثر مما كان متوقعا في فبراير 2018 ، عندما هدد الرئيس الأمريكي بكين بفرض رسوم جمركية أعلى على الواردات.
وقالت الجارديان، إن التعريفة الجمركية تؤثر بشكل مباشر على نسبة مئوية صغيرة نسبياً من التجارة العالمية ، لكن تهديدات واشنطن المستمرة لتوسيع نطاقها واستهداف الاتحاد الأوروبي والهند كان لها تأثير مخيف على الاستثمار في الأعمال التجارية والإنتاج الصناعي.
وزاد عدم اليقين المحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من الخوف المتزايد من الركود العالمي الأكثر شمولية الذي قد يدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود ، ربما في وقت مبكر من العام المقبل.