ينتشر الوباء الذى بدأ فى أعماق مقاطعة هوبى الصينية بسرعة وهناك الآن حالات تفشى كبيرة من كوريا الجنوبية إلى إيطاليا وإيران، وتم الإبلاغ عن حالات وفاة فى أمريكا.
ويمكن أن تشمل التداعيات الاقتصادية الركود فى الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، وأبطأ نمو مسجل فى الصين، وما مجموعه 2.7 تريليون دولار من الناتج المفقود أى ما يعادل إجمالى الناتج المحلى الإجمالى فى المملكة المتحدة وفقاً لتقرير صادر عن وكالة بلومبرج الأمريكية.
ومع وجود الكثير من العوامل المجهولة المحيطة بمسار الوباء وطبيعة الاستجابة من الحكومات وقطاع الأعمال فلا يمكن للمتنبئين أن يصلوا إلى الدقة المتناهية لكن السيناريوهات التالية ستوفر وسيلة لتتبع الآثار المحتملة من خلال البلدان والصناعات.
وتتوقع بلومبرج إيكونوميكس أن نمو الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الأول من عام 2020 قد تباطأ إلى 1.2% على أساس سنوى وهو الأضعف على الإطلاق وإذا لم تتراجع الصين بسرعة أكبر فى شهر مارس الجارى، فإن هذه التوقعات قد تكون متفائلة.
ولعل أول السيناريوها المحتملة هو أن تتلقى الصين ضربة كبيرة ستنتشر في سائر دول العالم حيث تعتبر الصين مصدراً للطلب ومصدراً للعرض ومحور اهتمام للأسواق المالية، وفى عام 2019، بلغت واردات الصين 2.1 تريليون دولار.
وتعد المبيعات فى الصين مصدراً رئيسياً للشركات متعددة الجنسيات وضرب بقاء السياح الصينيين الذين يقيمون فى منازلهم الجميع بداية من منتجعات جنوب آسيا إلى متاجر باريس.
كما تعد الصين أكبر منتج للمكونات المصُنعة فى العالم فعندما تغلق المصانع الصينية، يصبح من الصعب العثور على التطبيقات المصغرة التى تدخل فى كل شئ.
وقد انتشرت الصدمات الصينية عبر الأسواق المالية العالمية من قبل، بما فى ذلك تخفيض قيمة العملة المفاجئ لليوان فى عام 2015 وتكرر ذلك مع فيروس “كورونا”، وعلى نطاق أوسع حيث تنخفض الأسهم فى جميع أنحاء العالم وتوجه ضربات قوية لثروة الأسرة وثقة الأعمال.
وإذا تمكنت الصين من السيطرة على انتشار الفيروس بسرعة، وعاد مصنع العالم إلى الحياة فى الربع الثانى، فيمكن احتواء التأثير على بقية الاقتصاد العالمى.
وهذا احتمال حقيقى لا يمكن إغفاله حيث وجد استطلاع أجرته مؤسة ميد إن تشينا وهى أحد المنصات الرئيسية التى تربط الموردين الصينيين والمشترين العالميين أنه بحلول أواخر فبراير، استأنفت 80% من شركات التصنيع عملياتها، وبحلول أواخر أبريل يجب أن تعود الطاقة الإنتاجية إلى وضعها الطبيعى.
وإذا حدث ذلك، فإن الصدمة الشديدة فى النصف الأول سيتبعها الشفاء فى النصف الثانى، وبالنسبة للعالم ككل، وبالنسبة للاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة، سيكون من الصعب رؤية التأثير فى بيانات إجمالى الناتج المحلى للعام بأكمله.
وقبل شهر، بدأ الوباء محصوراً إلى حد كبير فى الصين مع وجود اقتصادات أخرى تعانى من آثار غير متوقعة له ولكن ليس بسبب تفشيه لكن فى أوائل مارس ظهرت 6 آلاف حالة فى كوريا الجنوبية، وأعلنت حالة الطوارئ فى جميع أنحاء إيطاليا ومئات الحالات فى اليابان وألمانيا وفرنسا، والمخاوف تتزايد فى الولايات المتحدة التى أعلنت تحمل تكاليف التحاليل والعلاج مجاناً لجميع الحالات لتشجع المواطنين على الإبلاغ الفورى عن أى حالة اشتباه لمحاصرة العدوى مما يجعل السيناريو متفائلاً أكثر من اللازم.
وصحيح أنه لا يوجد أى مقاطعة أخرى فى أى مكان بالقرب من الحالات المبلغة فى الصين والبالغ عددها 80 الف حالة وأن الدول الغربية قد تحجم عن خطوات الاحتواء التى اتخذتها الصين، والتى أغلقت مقاطعة تضم 60 مليون شخص لكن اتباع نهجاً أقل قسوة يمكن أن يزيد التكلفة النهائية للصحة العامة حتى لو كان الهدف الحد من التأثير على الاقتصاد فى المدى القصير.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في ىتفشى المرض يسبب اضطرابا فى بؤر العدوى الرئيسية، حيث أشار تقرير بلومبرج إلى أن الصين تستغرق وقتاً أطول للعودة إلى وضعها الطبيعى.
قال مدير ميد إن تشينا إنه حتى عندما تعود المصانع إلى العمل، فلن يعتبر ذلك حلا لجميع المشكلات فالعديد من المصانع ليس لديها مخزون كاف والعقبات أمام سلسلة التوريد تحد من الطاقة الإنتاجية.
ويفترض التقرير أن كوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا وهى الاقتصادات الرئيسية بخلاف الصين التى شهدت أكبر عدد من حالات الإصابة بالفيروس ستتعرض للضرر الاكبر خارج مركز الوباء لكن فى الحسابات الحالية يؤدى ذلك إلى انخفاض معدل النمو العالمى لعام 2020 إلى 2.3%، بدلاً من توقعات ما قبل ظهور الفيروس البالغة 3.1%.
فى السيناريو الثالث، يضع التقرير صدمة أشد لكوريا الجنوبية وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى صدمة أقل لجميع البلدان التى أبلغت عن أى حالات حتى بداية مارس، وهذا يشمل الولايات المتحدة والهند والمملكة المتحدة وكندا والبرازيل مما يعنى أن جميع الاقتصادات العشرة الكبرى فى العالم تعانى من التباطؤ لأنها تكافح من أجل احتواء الانتشار المحلى للفيروس.
وفى هذا السيناريو، ينخفض النمو العالمى لعام 2020 إلى 1.2% وتدخل منطقة اليورو واليابان فى حالة ركود، وينخفض معدل النمو فى الولايات المتحدة إلى 0.5% بما يكفى لرؤية ارتفاع معدل البطالة فى عام الانتخابات.
السيناريو الرابع وهو التعامل مع الفيروس على أنه حالة وباء عالمى لالتقاط التأثير الاقتصادى لوباء عالمى يفترض التقرير أن جميع البلدان تواجه صدمة شديدة أى ما يعادل انخفاض النمو الذى تعانيه الصين فى الربع الأول.
وإذا حدث ذلك، فإن النمو العالمى للعام سيصل إلى صفر وستنضم الولايات المتحدة إلى منطقة اليورو واليابان فى حالة الانكماش مما قد يغير ديناميكية الانتخابات الرئاسية هناك وسيتوسع الاقتصاد الصينى بنسبة 3.5% فقط وهو الأبطأ فى السجلات منذ عام 1980 عندما بدأت إصلاحات دنج شياو بيج وفى جميع أنحاء العالم سيصل الإنتاج المفقود إلى 2.7 تريليون دولار.
وخفضت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية توقعاتها للنمو العالمى إلى 2.4% من 2.9%، وحذرت من أنها قد تنخفض إلى 1.5%.
كما يتوقع بنك جولدمان ساكس انكماشاً عالمياً فى النصف الأول من العام، وتتراوح التوقعات الأخيرة لنمو الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الأول فى الصين من 5.8% وعلى طول الطريق قد ينكمش بنسبة 0.5%، مما يؤكد درجة عالية من عدم اليقين.
كل ذلك يفسر حالة التخفيضات العاجلة لأسعار الفائدة، أو محفزات الإنفاق العام الإضافية أو كليهما وفى اجتماع طارئ فى 3 مارس الجارى، خفض مجلس الاحتياطى الاتحادى أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وتتوقع الأسواق المزيد فى المستقبل.
جاء ذلك فى أعقاب دعوة مؤتمر مجموعة السبع التى تعهد فيها رؤساء المالية فى الاقتصادات المتقدمة الكبرى باستخدام جميع أدوات السياسة المناسبة لتحقيق نمو قوى ومستدام وحماية ضد المخاطر السلبية.
وفى بؤرة الأزمة، كان بنك الشعب الصينى أكثر حزماً حتى الآن، حيث خفض أسعار الفائدة بمقدار 10 نقاط أساس فقط، وأوعز إلى المقرضين بالسهولة مع المقترضين من رجال الأعمال المتأثرين بدلاً من إضافة المشكلة عن طريق طلب سداد القروض المتعثرة.
وفى كوريا المجاورة، كان البنك المركزى حذراً بالمثل، حيث دعا إلى اجتماع طارئ، لكنه فشل فى اتخاذ قرار بخفض سعر الفائدة الذى توقعته الأسواق، وقال المحافظ “لى جو يول” إنه يرى حدوداً لما يمكن أن تفعله السياسة النقدية لمواجهة الفيروس.
ويعتبر الفيروس فى جزء منه على الأقل صدمة إمداد وإغلاق المصانع، وإرغام العمال على البقاء فى المنزل، وهذا ليس شيئا يمكن أن يفعل صانعو السياسة كثيراً بشأنه وستساعد تخفيضات أسعار الفائدة وزيادة الإنفاق على وضع حد أدنى للأسواق المالية الهشة وتنشيط الطلب بمجرد انتهاء الأزمة، وفى خضم تفشى المرض يخاطر التحفيز بإذكاء التضخم دون تسريع النمو مما يجعل المشكلة أسوأ وليس أفضل.
ومع المستوى المنخفض تاريخياً لمعدلات الفائدة والمستوى المرتفع للدين يكون مجال المناورة محدوداً ومن الواضح لماذا يأمل صناع السياسة الاقتصادية، مثل أى شخص آخر فى العالم، أن تتم السيطرة على تفشى المرض بسرعة فمجموعة الأدوات الخاصة بهم غير مناسبة لهذه المهمة.