على الرغم من أنه قبل بضعة أشهر فقط، توقع معظم المشاركين في السوق أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بأول خفض في معدلات الفائدة في اجتماعه في 20 مارس، إلا أنه مع اقتراب هذا الموعد اتضح أن الكثير من المعطيات قد ساعدت في تغيير موعد خفض الفائدة ليصبح الآن في شهر يونيو. وسواء تحطمت الآمال مرة أخرى أم لا؟ فمن المرجح أن يعتمد هذا على بيانات التضخم أكثر من سوق العمل.
فمنذ حوالي عام ونصف، سعى البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى السيطرة على الأوضاع في سوق العمل الأمريكي ودفعها نحو التراجع في نمو الوظائف والأجور حتى يضع عقبات في طريق التضخم تحول دون استمراره في الارتفاع، والتي تتمثل في حرمانه من أحد روافده الذي يتمثل في نمو الأجور.
ويبدو أن ذلك قد تحقق بالفعل، إذ قد تبين من بيانات سوق العمل التي صدرت يوم الجمعة الماضية أن متانة السوق قد بدأت في التراجع، إذ ارتفع مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة إلى 275000 وظيفة في فبراير الماضي، لكن القراءة السابقة للمؤشر تمت مراجعتها إلى 229000 وظيفة مقابل القراءة الفعلية التي سجلت 353000 وظيفة.
وتراجعت مؤشرات نمو الأجور، إذ هبط مؤشر متوسط الكسب في الساعة في الولايات المتحدة إلى 0.1% و4.3% مقابل 0.5% و4.4% الشهر السابق على المستويين الشهري والسنوي على الترتيب. كما ارتفع معدل البطالة إلى 3.9% في فبراير الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 3.7% وأعلى من القراءة السابقة التي سُجلت الشهر السابق.
في حقيقة الأمر، تتسم مهمة الفيدرالي بالازدواجية، إذ أنها تتمثل في احتواء التضخم مع تحقيق القدر الأقصى من معدلات التوظيف (التوظيف الكامل)، وهي الفترة التي يكون فيها معدل البطالة دون 5%، وهو ما أكدت بيانات فبراير على تحققه.
وفي بعض الأحيان، يبدو أن الهدفين في تناقض – إذ أن خفض معدل الفائدة عادةً ما يعني نمواً أسرع في التوظيف وبطالة أقل، ولكنه يعني أيضاً تضخماً أسرع. من ناحية أخرى، تعني الأسعار المرتفعة عادة بطالة أعلى وتضخماً أبطأ.
وكان الحل الوحيد لهذه المعضلة كان في توصل الاقتصاديين إلى أن أفضل مساهمة يمكن أن تقدمها البنوك المركزية على المدى الطويل في النمو والتوظيف هو الحفاظ على التضخم منخفضاً ومستقراً.
الضوء الأخضر للفيدرالي
يبدو أن الخبر الجيد بالنسبة لصنّاع السياسة النقدية الأمريكية هو أنه على الرغم من ارتفاع التضخم لفترة قصيرة، فإن معدل البطالة ظل منخفضاً عند مستويات تاريخية لبعض الوقت، وهو ما يعني إنجاز الفيدرالي الشق الأول من مهمته. وكانت بيانات التوظيف الجمعة الماضي قد عزز فكرة أن الاقتصاد يسير بشكل جيد، لكنه ليس بشكل كاف لدفع الأسعار للأعلى.
وبالتالي، فإن الشيء الوحيد الذي يمنع محافظ الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملائه من خفض معدل الفائدة الآن هو القلق المستمر من أن التضخم لم تتم السيطرة عليه بعد، حيث ما زال باول يرغب في رؤية التضخم يصل إلى المعدل المستهدف 2%. فقد شدد على أنه يتوقع “خفض الفائدة في وقت لاحق من العام الجاري”، لكنه لم يذكر وقتًا محددًا لذلك. رغم ذلك، رجح رئيس الفيدرالي أن “تحركات السياسة النقدية سوف تعتمد على ما يستجد من بيانات وسط عدم توافر أدلة كافية على أن التضخم متجه إلى الهبوط نحو الهدف الرسمي المحدد بـ2.00%”.
ونظراً لأنه لن يتم إصدار بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي -المؤشر المفضل للفيدرالي لقياس التضخم- حتى 29 مارس، لا تزال أرقام مؤشر أسعار المستهلك هذا الأسبوع تحتل أهمية بالغة بما يكفي لإجبار المتداولين على إعادة تقييم خططهم حول موعد أول خفض لمعدل الفائدة. بمعنى أخر، إذا تراجعت قراءة مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي المرتقبة يوم غد، سيكون هذا بمثابة ضوء أخضر آخر لتعزيز سيناريو خفض الفائدة في يونيو.
هذا ويتوقع أن يتراجع مؤشر أسعار المستهلكين -بإستثناء الأغذية والطاقة- إلى 3.7٪ على أساس سنوي مقابل قراءة الشهر السابق البالغة 3.9٪ سابقًا، و0.3٪ على أساس شهري مقابل 0.4٪. ومن المتوقع أن يسجل مؤشر التضخم نسبة 3.1٪ على أساس سنوي، دون تغيير عن الشهر السابق، و0.4٪ على أساس شهري مقابل 0.3٪ في الشهر السابق.
ومن جهته، أوضح فيل كامبوريال، مدير محافظ تخصيص الأصول العالمية لدى جي بي مورجان، وفقاً لموقع Marketwatch، “أن صنّاع السياسة لنقدية لدى الفيدرالي لا يحتاجون إلى أن يكون التضخم عند 2٪ لخفض الفائدة الأسعار، إنهم يحتاجون فقط إلى ألا يزداد التضخم سوءًا”.
ووفقًا لأداة FedWatch، يتوقع المتداولون في سوق العقود الآجلة للأموال الفيدرالية الآن أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض معدل الفائدة في يونيو. ويتوقع الاقتصاديون الأمريكيون لدى بنك أوف أمريكا أن يخفف مؤشر أسعار المستهلك لشهر فبراير من حدة المخاوف المتعلقة بتسارع وتيرة التضخم مرة أخرى ويظهر أن معدل التضخم الأساسي يتباطأ بالفعل.