شهد الدولار الأمريكي تراجعاً طفيفاً، بنحو 0.07%، وشوهد مؤشر الدولار عند مستوى 98.73، اليوم الثلاثاء، وسط ترقب المتداولين والمستثمرين قبيل الإعلان المرتقب لقرار السياسة النقدية الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي. ومع انعقاد اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) الذي يستمر ليومين، تتوقع الأسواق، بالإجماع تقريباً، خفضاً لمعدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وتتجه الأنظار عن كثب لترقب أي إشارات قد تصدر عن البنك المركزي تفيد باحتمالية اقتراب إنهاء برنامجه لتقليص الميزانية العمومية، المعروف بـ “التشديد الكمي” (QT).
توقعات التيسير النقدي في ظل غموض اقتصادي
يأتي أداء الدولار الراهن وسط تجدد التفاؤل بشأن مسار العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتأثيرات استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي المطول. وبينما أثرت هذه العوامل سلباً على آفاق النمو في الأجل القريب، إلا أنها عززت أيضاً التوقعات بأن يواصل الفيدرالي سياسة التيسير النقدي بهدف دعم النشاط الاقتصادي. وتشير أسواق العقود الآجلة حالياً إلى احتمال يلامس 100% لحدوث خفض في سعر الفائدة هذا الأسبوع، يليه خفض آخر متوقع في ديسمبر، مع توقع إجمالي لتخفيضات تصل إلى حوالي 115 نقطة أساس بحلول نهاية عام 2026.
بالرغم من هذا الميل نحو التيسير، لا يزال الدولار يحظى ببعض الدعم نتيجة المكاسب المعتدلة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية والبيانات الاقتصادية التي فاقت التوقعات. فقد أظهر مؤشر ريتشموند الفيدرالي لقطاع الصناعات التحويلية لشهر أكتوبر انتعاشاً مشجعاً، في حين تجاوزت قراءة ثقة المستهلك الصادرة عن “كونفرنس بورد” التقديرات، رغم تسجيلها تراجعاً طفيفاً. وفي قطاع الإسكان، سجل مؤشر أسعار المنازل الصادر عن الوكالة الفيدرالية لتمويل الإسكان (FHFA) ارتفاعاً بنسبة 0.4% في أغسطس، ما يدل على مرونة سوق العقارات حتى مع استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض.
تركيز الأسواق على المؤتمر الصحفي لـ”جيروم باول” وسياسة “التشديد الكمي”
ينصب القلق الرئيسي لدى المستثمرين على كيفية تعامل الفيدرالي مع التحدي المزدوج المتمثل في تحقيق الاستقرار للنمو مع الحفاظ على التضخم تحت السيطرة. وفي ظل غياب ملخص التوقعات الاقتصادية أو مخطط “النقاط” (Dot Plot) هذا الشهر، يتحول الاهتمام بالكامل إلى المؤتمر الصحفي الذي سيعقده رئيس الفيدرالي جيروم باول. ويتوق المتداولون لسماع ما إذا كان سيقدم إشارة لإنهاء سياسة التشديد الكمي (QT)، وهي السياسة التي تعمل على تشديد الظروف المالية تدريجياً عبر السماح للأصول المستحقة بالخروج من الميزانية العمومية للفيدرالي.
من المرجح أن يضخ إنهاء التشديد الكمي سيولة جديدة في النظام المالي، وهي خطوة من المرجح أن تعزز أسواق الأسهم والسلع والعملات ذات العائد المرتفع، بينما تفرض ضغطاً هامشياً على الدولار. سيُفسر هذا التحول على أنه انعطاف واضح نحو تبني موقف أكثر تيسيراً بعد سنوات من القيود النقدية.
تأثير الإغلاق الحكومي والتحديات السياسية
في الأثناء، يبقى المشهد السياسي والاقتصادي معقداً. فقد أدى استمرار الإغلاق الحكومي إلى تأخير إصدار بعض من البيانات الاقتصادية الأكثر أهمية، ما قلل من وضوح الرؤية لدى صانعي السياسة بشأن الأوضاع الراهنة. وفي موازاة ذلك، اشتد الضغط السياسي على الفيدرالي، مع تجدد المطالبات بخفض أعمق لأسعار الفائدة بهدف حماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية وتباطؤ استثمارات الشركات. لكن من المتوقع أن يتبنى باول نبرة حذرة، مؤكداً على استقلالية البنك المركزي وتركيزه الطويل الأجل على تحقيق “هبوط سلس” للاقتصاد.
كما أثرت التطورات العالمية على حالة المعنويات. حيث أدت الاتفاقية التجارية المبدئية بين الولايات المتحدة والصين التي أُعلنت خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى تراجع الطلب على الدولار والذهب كملاذات آمنة. وتفيد التقارير بأن الاتفاقية، التي يُتوقع الانتهاء منها رسمياً في وقت لاحق من الأسبوع، تتضمن التزامات صينية بزيادة واردات المنتجات الزراعية والحفاظ على صادراتها من المعادن النادرة، بينما أوقفت الولايات المتحدة خططها لفرض تعريفات جديدة. وقد ساهم هذا التحسن الدبلوماسي في رفع شهية المخاطرة العالمية، دافعاً مؤشرات الأسهم للارتفاع ومقللاً الإقبال على أدوات التحوط التقليدية مثل الذهب والين الياباني.
الكلمة الفصل في يد جيروم باول
يبقى عدم اليقين مهيمناً على المشهد العام، وقد يعتمد مسار الدولار على المدى القريب بشكل كبير على النبرة التي سيستخدمها باول، الأربعاء. أي إشارة تقود إلى الاعتقاد بأن الفيدرالي يقترب من نهاية دورة التشديد – أو حتى يستعد لوقف التشديد الكمي – يمكن أن تدفع أصول المخاطرة للصعود، وتضعف الدولار، وتطلق موجة صعود قوية في الأسهم وعملات الأسواق الناشئة. وعلى النقيض من ذلك، إذا أعرب باول عن قلقه بشأن استمرار مستويات التضخم أو ألمح إلى أن المزيد من التيسير قد يكون محدوداً، فقد تشهد الأسواق انعكاساً سريعاً، مع استعادة الدولار لقوته.
في أسواق العملات الأخرى، سجل اليورو ارتفاعاً مدعوماً بالتوقعات بأن يحافظ البنك المركزي الأوروبي على سياسته النقدية دون تغيير في الوقت الذي يواصل فيه الفيدرالي خفض الفائدة. كما سجل الين الياباني ارتفاعاً أيضاً، مدعوماً بتأكيدات الحكومة اليابانية أنها تراقب عن كثب ضعف العملة وقد تتدخل لتثبيت سعر الصرف.
تطورات أسواق السلع والأسهم
تداولت السلع بمعنويات مختلطة. انخفضت أسعار الذهب إلى أدنى مستوى لها في ثلاثة أسابيع حيث طغى تراجع التوترات الجيوسياسية وعمليات جني الأرباح على الطلب على الملاذ الآمن. ومع ذلك، سجل الفضة مكاسب طفيفة، مدعوماً بالتوقعات طويلة الأجل لاستمرار التيسير النقدي والمشتريات الجارية من قبل البنوك المركزية. ويحتفظ كلا المعدنين بدعم كامن في ظل حالة عدم اليقين المتعلقة بالسياسة المالية الأمريكية، والإغلاق الحكومي، وعمليات إعادة تنظيم اتفاقات التجارة العالمية.
وفي السوق الأوسع، وسّعت الأسهم الأمريكية من مكاسبها الأخيرة، مدعومة بالتفاؤل حول الاتفاق التجاري وتوقع موقف أكثر تيسيراً من الفيدرالي. وحامت مؤشرا ستاندرد آند بورز 500 وناسداك بالقرب من مستويات قياسية مع انتظار المستثمرين لتصريحات باول التي قد تؤكد استمرار دورة التيسير.
نقطة انعطاف في استراتيجية الفيدرالي
يمثل قرار لجنة السوق المفتوحة لهذا الأسبوع أهمية تتجاوز مجرد خفض ربع نقطة؛ إنه يمثل نقطة انعطاف رئيسية في استراتيجية الفيدرالي. إذا أشار البنك المركزي إلى استعداده لإنهاء التشديد الكمي والتركيز بشكل كامل على دعم النمو، فقد يمثل ذلك انطلاق مرحلة نقدية جديدة تهدف إلى تعزيز الثقة وضخ السيولة. ولكن إذا ساد الحذر، فقد تكون الرسالة أن الطريق إلى التعافي لا يزال محفوفاً بالمخاطر وغير مؤكد، مما يترك الأسواق في حالة توازن بين التفاؤل والحذر في انتظار تصريحات جيروم باول.
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات