شهد الاقتصاد في اليابان تحسنًا واضحًا، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.1٪ في الربع الأخير من عام 2024 مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، مما يمثل تعافيًا ملحوظًا من الانكماش الذي بلغ 0.7٪ خلال الربعين الأول والثاني من نفس العام.
وأسهم نمو الأجور في تعزيز إنفاق الأسر إلى جانب تلقي النمو دعمًا من زيادة الاستثمارات في القطاعين العام والخاص. كما ساعد تهافت المستهلكين والمنتجين في البلاد على عمليات الشراء قبل فرض الرسوم الجمركية الأمريكية في تحسن قراءات الميزان التجاري للبلاد.
ويُشير هذا النمو القوي المصحوب بارتفاع معدلات التضخم إلى أن الاقتصاد الياباني بدأ يستعيد توازنه بعد عقود من مواجهة خطر الانكماش. ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الأجور إلى مزيد من الإنفاق الاستهلاكي، مما من شأنه أن يقي الاقتصاد العودة إلى دوامة الانكماش.
مع ذلك، فإن ارتفاع أسعار السلع الأساسية لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا أمام هذا المسار، بالإضافة إلى تزايد تأثير التحديات الاقتصادية القادمة من الأسواق العالمية.
ويبدو أن اليابان دخلت مرحلة تشهد فيها ارتفاعًا في معدلات التضخم، إذ بلغ معدل التضخم العام الماضي 3.6٪ في مارس الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ارتفع التضخم باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بنسبة 3.2٪ في نفس الفترة. على ذلك، يبدو أن مخاوف الانكماش أصبحت من الماضي.
في الطريق إلى الاستقرار

رغم ذلك، لا يزال الواقع أكثر تعقيدًا. فأسعار الغذاء والطاقة لا تزال المحرك الرئيسي لبيئة التضخم الحالية. ففي مارس الماضي، سجلت أسعار الأغذية الطازجة، وباقي السلع الغذائية، والطاقة زيادات تجاوزت 5٪ على أساس سنوي، إذ قفزت أسعار هذه المكونات الغذاء الطازج وحده بواقع 3.8٪. لكن مكونات أخرى هامة للأسعار في اليابان لا تزال تسجل قراءات تحت مستوى هدف البنك المركزي المحدد بـ2.00%. فمعدل التضخم في قطاع الخدمات، الذي يتأثر بشكل أكبر بجانب الطلب، تباطأ إلى 1.4٪ في الشهر الأخير من الربع الأول من هذا العام، وغالبًا ما توفر القراءات التي تستثني العناصر الأكثر تذبذبًا من مكونات الأسعار صورة أكثر وضوحًا لما يكون عليه نمو الأسعار.
التحدي الرئيسي الذي يواجه الاقتصاد الياباني حاليًا هو الارتفاع السريع في أسعار السلع الأساسية غير القابلة للتأجيل، وعلى رأسها الغذاء والطاقة، ما يحد من قدرة الأسر على زيادة إنفاقها في مجالات أخرى.
ورغم الزيادات القياسية في الأجور التي شهدها البلاد العام الماضي، لا يزال العمالة يشعرون بارتفاع تكلفة المعيشة. فعلى سبيل المثال، انخفضت الأجور النقدية الحقيقية – بعد احتساب تأثير التضخم – بنسبة 1.2٪ في فبراير الماضي مقارنةً بنفس الشهر من العام السابق، وحتى بعد استثناء المكافآت (عناصر الأجور الأكثر تذبذبًا)، سجلت الأجور الحقيقية انخفاضًا بنسبة 2.5٪.
ضعف نمو الأجور

يرجع جزء من ضعف نمو الأجور إلى ما يُعرف بتأثير الأساس، إذ سجلت الأجور قفزة كبيرة في يناير من العام الماضي، مما أعطى انطباعًا مضخمًا عن وتيرة النمو خلال 2024. وكان من المتوقع حدوث تصحيح هبوطي في بداية هذا العام، قبيل جولة مفاوضات الأجور الربيعية بين النقابات العمالية وأصحاب الأعمال، المعروفة باسم “شونتو”.
أما بالنسبة للقيمة الاسمية، سجلت أجور الموظفين ارتفاعًا متواضعًا بلغ 1.7٪، وهو ما لم يكن كافيًا لمواكبة معدلات التضخم المرتفعة في مطلع هذا العام.
وألقت إعلانات زيادات الأجور في موسم الربيع الضوء على تحسن طفيف مقارنة بالزيادات التي حصل عليها العمالو اليابانية في العام السابق.
فعلى سبيل المثال، أعلنت نقابة العمال اليابانية أن متوسط الزيادات التي تفاوضت عليها هذا العام بلغ 5.5٪، مقارنة بـ 5.1٪ العام الماضي. كما تعمل الحكومة على تسريع وتيرة رفع الحد الأدنى للأجور لدعم الأسر بشكل أكبر، إذ يطمح رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا إلى رفع الحد الأدنى للأجور في الساعة من 1,055 ين إلى 1,500 ين خلال خمس سنوات، وهو ما يتطلب زيادة سنوية بنسبة 7٪ تقريبًا.
في ظل هذه المعطيات، من الطبيعي أن يتسم سلوك المستهلكين بالحذر. ومع ذلك، سجل الإنفاق الاستهلاكي تحسنًا طفيفًا حتى بعد تعديل البيانات وفقًا للتضخم، إذ ارتفع مؤشر النشاط الاستهلاكي الحقيقي بنسبة 1.3٪ في فبراير الماضي مقارنة بالعام السابق، وهو تحسن واضح مقارنة بمتوسط نمو لا يتجاوز 0.1٪ خلال عام 2024.