ارتفعت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي غير مسبوق قرب 3425 دولاراً للأونصة الواحدة خلال ساعات التداول في جلسة أمريكا الشمالية اليوم الإثنين، مدفوعة بانخفاض حاد في قيمة الدولار الأمريكي وتصاعد القلق بشأن استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي. النزاع المستمر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الفيدرالي جيروم باول، إلى جانب حالة عدم اليقين المحيطة بالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وأجندة ترامب المتشددة بشأن الرسوم الجمركية، أدت إلى تآكل الثقة في الدولار الأمريكي، مما عزز الطلب على الذهب كأصل آمن. يستعرض هذا المقال العوامل التي تقف وراء هذا الارتفاع التاريخي للذهب وتداعياته على الأسواق العالمية.
نزاع ترامب وباول يهدد استقلالية الفيدرالي
يكمن السبب الرئيسي وراء صعود الذهب في الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. فقد هاجم ترامب باول بسبب تمسكه بنهج “الانتظار والترقب” بشأن خفض أسعار الفائدة، رغم انخفاض أسعار النفط وبعض السلع. وفي يوم الإثنين، صعّد ترامب هجومه عبر منشور على منصة Truth Social، قائلاً: “قد يتباطأ الاقتصاد ما لم يخفض السيد المتأخر، الخاسر الكبير، أسعار الفائدة الآن”. وأضاف أن التضخم تحت السيطرة، مشيراً إلى أن “تكاليف الطاقة منخفضة للغاية، وأسعار الغذاء (بما في ذلك كارثة بيض بايدن!) أقل بكثير، ومعظم الأشياء الأخرى في اتجاه هبوطي، مما يعني أنه لا يوجد تضخم تقريباً”.
وأكد مستشار البيت الأبيض الاقتصادي كيفن هاسيت يوم الجمعة أن الرئيس وفريقه يدرسون سبل عزل باول. وقال هاسيت: “الرئيس وفريقه سيواصلون دراسة هذا الأمر”. أثارت هذه التصريحات مخاوف جدية بشأن التدخل السياسي في سياسات الفيدرالي، وهو حجر الزاوية في السياسة النقدية الأمريكية. وحذر محللو بنك Scotiabank من أن “التدخل السياسي في صنع سياسات الفيدرالي سيؤدي إلى تآكل الثقة في الدولار الأمريكي وقد يعزز التضخم على المدى الطويل”. أدت هذه الحالة من عدم اليقين إلى انخفاض مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، الذي يقيس قيمة الدولار مقابل ست عملات رئيسية، إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات عند 98.00.
ضعف الدولار يعزز جاذبية الذهب
جعل الانخفاض الحاد في قيمة الدولار الأمريكي الذهب، المسعّر بالدولار، أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى. فانخفاض الدولار يقلل من تكلفة الذهب بالنسبة للمشترين الأجانب، مما يدفع الطلب ويرفع الأسعار فوق مستوى 3400 دولار. يعكس انخفاض مؤشر DXY ليس فقط القلق بشأن استقلالية الفيدرالي، بل أيضاً مخاوف أوسع في الأسواق بشأن مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية. ويرى خبراء السوق أن فرض ترامب لرسوم جمركية أشد مما كان متوقعاً قد يضر بالاقتصاد الأمريكي، مما يقلل من جاذبية الدولار كأصل آمن. وقد عزز هذا الوضع الطلب على المعادن الثمينة، حيث برز الذهب كملاذ آمن مفضل ضد انخفاض قيمة العملات وحالة عدم اليقين الاقتصادي.
التوترات التجارية والرسوم الجمركية تثير تقلبات الأسواق
تزيد المخاوف من تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، الناجمة عن أجندة ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، من الضغوط على الدولار. أجبرت العناوين المتغيرة باستمرار من واشنطن المستثمرين على إعادة تقييم مكانة الدولار، حيث تهدد الرسوم الجمركية بتعطيل تدفقات التجارة العالمية. من الناحية النظرية، تزيد المخاوف الاقتصادية الأمريكية من الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب، حيث يبحث المستثمرون عن أصول تحتفظ بقيمتها وسط الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.
ومع ذلك، أبدى ترامب تفاؤلاً بشأن المفاوضات التجارية مع عدة شركاء رئيسيين، مما قد يخفف من صعود الذهب على المدى القريب. وكتب يوم الخميس على منصة Truth Social: “أجريت مكالمة مثمرة للغاية مع رئيس المكسيك أمس. وبالمثل، التقيت بممثلي التجارة اليابانيين على أعلى مستوى. كان اجتماعاً مثمراً للغاية. كل دولة، بما في ذلك الصين، تريد اللقاء! اليوم، إيطاليا!”. وبعد لقاء مع رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني خلال عطلة الجمعة العظيمة الطويلة، صرح ترامب بثقة: “ستكون هناك صفقة تجارية، بنسبة 100%، لكنها ستكون صفقة عادلة”. كما عبر عن تفاؤله بشأن المفاوضات مع الصين، قائلاً يوم الجمعة: “لدينا محادثات لطيفة مع الصين. الأمور تسير بشكل جيد للغاية”. وأعرب وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك عن تفاؤل مماثل بشأن صفقة تجارية محتملة مع الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع.
يتوقع المشاركون في السوق أن تؤدي الصفقات التجارية الناجحة، خاصة مع الصين، إلى إلغاء الرسوم الجمركية المتبادلة التي أعلن عنها ترامب، مما يقلل من حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي وقد يضعف الطلب على الذهب كأصل آمن. ومع ذلك، حتى يتم التوصل إلى اتفاقيات ملموسة، تستمر حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية في دعم المسار الصعودي للذهب.
صعود الذهب: انعكاس للقلق العالمي
يعكس ارتفاع الذهب إلى 3425 دولاراً دوره كمؤشر لعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي. فالنزاع بين ترامب وباول، إلى جانب حالة عدم اليقين التجاري وضعف مكانة الدولار، دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذ في المعدن الثمين. على عكس العملات الورقية، يتمتع الذهب بحماية من المخاطر السياسية وضغوط التضخم، مما يجعله مخزناً مثالياً للقيمة في الأوقات العصيبة. الانخفاض الفني للدولار الأمريكي، إلى جانب اختراق الذهب لمستوى 3400 دولار، يشير إلى زخم صعودي قوي للمعدن الثمين.
توقعات الذهب والأسواق العالمية
ستعتمد مسار أسعار الذهب المستقبلي على عدة عوامل رئيسية. فاستمرار التوترات بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي قد يؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة في الدولار الأمريكي، مما يدعم صعود الذهب. وبالمثل، أي تصعيد في الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أو تأخير في إتمام الصفقات التجارية قد يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن. وعلى العكس، قد تؤدي المفاوضات التجارية الناجحة مع شركاء رئيسيين مثل الصين واليابان والمكسيك وإيطاليا إلى تخفيف حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، مما قد يحد من صعود الذهب. كما أن تعافي الدولار الأمريكي، مدعوماً بتحسن معنويات السوق أو تسوية الجدل حول الفيدرالي، قد يخفف من مكاسب الذهب.
في الوقت الحالي، يظل الذهب منارة للاستقرار في بيئة سوق متقلبة. ومن المرجح أن يستمر المستثمرون في التدفق على المعدن الثمين كتحوط ضد انخفاض قيمة الدولار وتوقعات عالمية غير مؤكدة. ستتابع الأسواق المالية تحركات ترامب القادمة، سواء في مجال التجارة أو السياسة النقدية، وهي تتنقل في هذه الفترة من عدم اليقين المتزايد.
ويعكس الارتفاع التاريخي للذهب إلى ما يقرب من 3425 دولاراً مزيجاً من العوامل، بما في ذلك ضعف الدولار الأمريكي، القلق بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وحالة عدم اليقين المحيطة بأجندة ترامب التجارية القائمة على الرسوم الجمركية. لقد هز نزاع الرئيس مع رئيس الفيدرالي جيروم باول الثقة في الدولار، بينما عززت المخاوف من تصاعد التوترات التجارية مع الصين الطلب على الذهب كأصل آمن. وعلى الرغم من تفاؤل ترامب بشأن الصفقات التجارية مع شركاء رئيسيين، يظل جاذبية الذهب كتحوط ضد المخاطر الاقتصادية والسياسية قوية. ومع استمرار الأسواق في مواجهة التقلبات، يواصل المعدن الثمين التألق كمخزن موثوق للقيمة.
