ظهرت على السطح في اليوم الأول من تعاملات الأسبوع الماضي مجموعة من العوامل الإيجابية التي كان من شأنها الدفع بأسعار النفط العالمية في الاتجاه الصاعد، لكن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع بسبب سيطرة عامل فاقت قوته كل الأسباب التي من شأنها تهيئة العقود الآجلة للنفط لمزيد من الصعود، وهو ظهور مخاوف حيال مستويات الطلب المستقبلي على مستوى العالم.
وتراجعت أسعار النفط العالمية بأكثر من 1.00% في ختام تعاملات الاثنين على الرغم من تصاعد التوترات في البحر الأحمر وعلى الخطوط الأمامية للصراع بين إسرائيل وحماس علاوة على تمديد أوبك+ الخفض الطوعي للإنتاج.
وهبطت العقود الآجلة للنفط الأمريكي إلى 78.68 دولار للبرميل مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 79.75 دولار للبرميل. وارتفعت عقود الخام الأمريكي إلى أعلى مستوى لها في جلسة التداول الاثنين عند 80.83 دولار للبرميل مقابل أدنى المستويات الذي سجل 78.58 دولار للبرميل.
لكن كل هذه العوامل – التي من المفترض أن تدعم الاتجاه الصاعد – لم تصمد أمام تضرر معنويات الطلب الذي يرجح أنه تراجع كثيرا في شتاء معتدل على غير العادة.
واتفقت دول مجموعة أوبك + يوم الأحد الماضي على تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا على مدار الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو المقبل، وهو الإعلان الذي كانت الأسواق تثمنه بالفعل.
ولم يقتصر تثمين الأسواق لقرار التكتل النفطي العالمي على مجرد الحد من أثره – الذي كان من المفترض أن يكون إيجابيًا – بل أدى ذلك أيضًا إلى أن يتحول إلى أثر عكسي على الأسعار.
خفض إضافي
قالت روسيا أيضًا إنها ستزيد التخفيضات بأكثر من 470 ألف برميل يوميًا في الربع الثاني من هذا العام، بينما ستقلل من صادراتها النفطية، وهي الأنباء التي لم تتمكن من دعم الأسعار رغم كونها خطوة مفاجئة للأسواق.
وقد يؤدي التراجع المحتمل في الطلب العالمي على النفط إلى تبديد جهود أوبك+ على صعيد خفض الإنتاج من أجل تعزيز الأسعار، وهو ما قد يضعف الأثر الإيجابي المحتمل لقرارات تمديد الخفض الطوعي للمجموعة كما حدث في ختام الجلسة الأولى من تعاملات الأسبوع الجديد.
كما أعلنت السعودية أنها سوف تمدد خفضها الطوعي لإنتاج النفط بواقع مليون برميل يوميا حتى نهاية الربع الثاني من هذا العام، وهو الخفض الذي يُضاف إلى حصتها من الخفض الجماعي الذي أعلن التكتل النفطي الأكبر على مستوى العالم تمديد العمل به. بذلك يتوقع أن يسجل الإنتاج السعودي من النفط – بعد الخفض المعلن من قبل أوبك+ والخفض الطوعي الذي أعلنته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، 9 مليون برميل يوميا.
وأعلنت الإمارات أيضًا تمديد العمل بالخفض الطوعي لإنتاجها من النفط بواقع 220000 برميل و163000 برميل على الترتيب حتى نهاية يونيو المقبل، وهي القرارات التي تعكس الكثير من وحدة الصف بين أعضاء مجموعة أوبك+ في هذا الاجتماع على النقيض من إشارات الانقسام التي ظهرت في الاجتماعات القليلة الماضية.
ونرجح أن أثر قرارات تمديد العمل بالخفض الطوعي لإنتاج النفط في دول أوبك+ أحدث أثرا عكسيا في حركة سعر النفط لما يعكسه من قلق لدى الدول الأعضاء حيال مستقبليات الأسعار العالمية وحرص على مواجهة أي هبوط محتمل في الفترة المقبلة.
عوامل قد تحسم اتجاه النفط
من المرجح أن تظل التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط مصدرا أساسيا لدعم زخم صعود النفط في الفترة المقبلة طالما استمرت الحرب على غزة، وذلك لما تأججه من قلق حيال إمكانية تعطيل مسار خروج النفط من المنطقة إلى باقي أنحاء العالم، وهو ما قد يحدث إذا اتسع نطاق الحرب ليشمل أجزاء أخرى من المنطقة، مما يزيد من الأضرار التي يتعرض لها الطريق البحري الرئيسي عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر.
لذا قد تستمر هذه الحرب في الدفع بأسعار النفط إلى أعلى طالما ظلت مفاوضات وقف إطلاق النار في طريق مسدود وتضائل الأمل في الوصول إلى تسوية سلمية بين طرفي الصراع.
وعلة مدار الثلاثاء والأربعاء المقبليْن، تنتظر الأسواق تقارير مخزونات النفط الأمريكية، والتي ترسم صورة واضحة للطلب على النفط لدى أكبر اقتصادات العالم، مما من شأنه أن يؤثر بقوة على الأسعار العالمية.