أنهت أسواق المال العالمية تعاملات الأسبوع الماضي بتغير معتدل في حركة سعر الأصول المتداولة نظرا لتكافؤ العوامل التي أثرت في بيئة التداول على مدار الفترة الماضية.
لكن أسبوع التداول، الهادئ نسبيًا، شهد عددًا كبيرًا من تصريحات مسؤولي البنوك المركزية الكبرى في العالم؛ وبصفة خاصة مسؤولي السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي، في الولايات المتحدة، ورئيس المركزي الكندي، ومسؤولي البنك المركزي الأوروبي، في فرانكفورت، ورئيس بنك اليابان ونائبه.
البيانات الاقتصادية
أشارت مراجعات بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر ديسمبر، الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، الجمعة الماضية، إلى ارتفاع (على أساس شهري) بنسبة 0.2% فقط بدلاً من 0.3% التي أعلنت في وقت سابق، في حين ظل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، ثابتًا عند ارتفاع بنسبة 0.3% لشهر ديسمبر، بما يتماشى مع التقارير الأولية.
وأظهرت بيانات التوظيف الأمريكية تحسنا في أوضاع سوق العمل عكستها قراءات مطالبات إعانات البطالة الأمريكية وأعداد المستفيدين من تلك الإعانات في الولايات المتحدة.
وسجل مؤشر مطالبات إعانات البطالة الأسبوعية ارتفاعا بـ218000 مطالبة في الأسبوع المنتهي في الثالث من فبراير الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 227000 مطالبة، وهو ما جاء أدنى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 220000 مطالبة.
كما انخفض مؤشر إجمالي المستفيدين من إعانات البطالة في الولايات لمتحدة إلى 1.871 مليون مستفيدًا في الأسبوع المنتهي في 26 يناير الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 1.894 مليون مستفيدًا.
وسارت مؤشرات التضخم في الاتجاه الداعم للتمهل في خفض الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما أدى إلى تماسك في حركة سعر الدولار الأمريكي على مدار الأسبوع الماضي، إذ القت تلك البيانات الضوء على استمرار نجاح الفيدرالي في تحقيق المهمتين الأساسيتين المكلف بهمها من قبل الإدارة الأمريكية؛ وهما استقرار الأسعار من خلال التحكم في التضخم وتحقيق الحد الأقصى من التوظيف.
التوترات الجيوسياسية والذهب
كان التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط تأثيرا ملحوظا على تحركات الأدوات المالية في الأسواق الأسبوع الماضي، وهو ما جاء بعد تصريحات خرجت من أروقة الإدارة الإسرائيلية على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الأربعاء الماضي التي أعلن خلالها رفضه لما أسماه بالشروط “التضليلية” التي وضعتها حركة حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم في غزة، محذرا من أن قبول تلك الشروط قد يؤدي بإسرائيل إلى مواجهة “مذبحة أخرى”.
كما تعهد نتنياهو، في مؤتمر صحفي الأربعاء بالاستمرار في الهجوم العسكري ضد غزة حتى يتحقق لبلاده “النصر المطلق”.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، تمكن الدولار الأمريكي من الحفاظ على الاتجاه الصاعد، لكن وسط زخم صعود ضعيف حافظ للعملة الأمريكية بالكاد على مستويات الأسبوع السابق.
في نفس الوقت، كان من المفترض أن يحقق الذهب مكاسب أسبوعية بسبب تلك التوترات. لكن المعدن النفيس لم يفعل ذلك بسبب ضغط العملة الأمريكية على العقود الآجلة للذهب.
وفي ضوء التصريحات التي ضيقت الخناق على العملة الأمريكية ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تمكن الدولار الأمريكي من التماسك في نهاية الأسبوع ليستقر مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، عند نفس مستوى الإغلاق المسجل في الأسبوع السابق عند 104.00 نقطة.
لكن أسعار الذهب تراجعت في نهاية الأسبوع تحت ضغط ارتفاع عائدات سندات الخزانة التي استفادت كثيرا من توقعات التمهل في خفض الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
تصريحات باول وصناع سياسات آخرون
هل انتصر الاحتياطي الفيدرالي في معركته للتصدي للتضخم؟ كان هذا هو السؤال الرئيسي لحلقة برنامج “60 دقيقة” على شاشة شبكة سي بي إس التلفزيونية، ليجيب محافظ الاحتياطي الفيدرالي، بأنه لا يتبنى هذا الرأي.
وأضاف باول: “لن أذهب إلى هذا الحد، وما أستطيع قوله هو أن التضخم انخفض بالفعل خلال العام الماضي… نحرز تقدمًا جيدًا، ولكن لم يتم الانتهاء من المهمة بعد”، وبذلك ألمح باول مجددًا إلى عدم خفض سعر الفائدة في مارس المقبل.
وخلال الأسبوع الماضي، جاءت تصريحات مجموعة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أقل ميلاً للتيسير الكمي، وذكر كل من سوزان كولينز، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، الخميس الماضي وزملائها توماس باركين، ونيل كشكاري، وآخرين، العديد من الأسباب التي ترجح أن المركزي الأمريكي ليس في عجلة من أمره بشأن قرار التيسير وخفض سعر الفائدة.
وقال محافظ بنك كندا تيف ماكليم الأربعاء الماضي إن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت لتخفيف الضغوط السعرية من خلال السياسة النقدية، بينما حذر من أن أكبر محرك للأسعار – تكاليف الإسكان – لا يمكن ترويضه من خلال تكاليف الاقتراض. وأضاف: “نرى أن السياسة النقدية تعمل على خفض التضخم… ونحتاج إلى منحها المزيد من الوقت لتخفيف الضغوط السعرية المتبقية.”
وأكدت إيزابيل شنابل، عضو مجلس البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز على ضرورة أن يتحلى المركزي بالصبر بشأن خفض أسعار الفائدة، حيث يمكن أن يتفاقم التضخم مرة أخرى وتؤكد البيانات الأخيرة المخاوف من أن المرحلة الأخيرة لخفض معدل نمو الأسعار ستكون الأصعب.
ورغم أن البنك المركزي الأوروبي أبقى أسعار الفائدة عند مستويات قياسية منذ سبتمبر، إلا أن النقاش حول تيسير السياسة النقدية يتكثف وترى الأسواق أن المركزي الأوروبي قد يبدأ في عكس مساره هذا الربيع في ضوء تراجع ضغوط الأسعار.
وفي بنك اليابان، أكد كازو أويدا أن الأوضاع النقدية التيسيرية في اليابان ستظل مستمرة حتى بعد إلغاء سياسة أسعار الفائدة السلبية، وهي الأخيرة المتبقية في العالم.
وقال أويدا: “حتى لو ألغينا المعدلات السلبية، من المرجح أن تستمر الظروف المالية التيسيرية” بناءً على التوقعات الاقتصادية للبنك وجاءت تصريحات أويدا الأخيرة في سياق سلسلة تصريحات لمسؤولي البنك لطمأنة السوق بأن أي إنهاء للمعدلات السلبية لن ينبئ بتغيير في سياسة البنك المركزي النقدية. وكان نائب محافظ بنك اليابان، شينيتشي أوشيدا، قد صرح، الخميس، بأنه من الصعب تخيل أن يرفع البنك معدل الفائدة الأساسي بشكل مستمر وسريع حتى بعد انتهاء سياسة الفائدة السلبية.
موسم أرباح الشركات
ساعدت الأرباح الإيجابية للشركات وتعزيز التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي مؤشر ستاندرد آند بورس 500 على تسجيل 10 مستويات تاريخية، حتى الآن هذا العام، وتحسن أداء موسم أرباح الربع الأخير من 2023 للمؤشر، مع نسبة مفاجآت الأرباح الإيجابية التي جاءت أعلى من متوسط السنوات العشر، وأدى ذلك إلى ارتفاع أرباح الربع الرابع والنمو على أساس سنوي للربع الثاني على التوالي.
وأعلنت 67% من الشركات المدرجة على المؤشر عن نتائجها للربع الرابع، بينما أعلنت 75% منها عن أرباح فعلية أعلى من توقعات وول ستريت وبلغ معدل نمو الأرباح المختلطة للربع الرابع 2.9%، مقارنة بـ 1.6% الأسبوع الماضي و1.5% بنهاية الربع الرابع.
وكانت مفاجآت الأرباح الإيجابية التي أعلنتها الشركات في قطاعات متعددة، وعلى رأسها القطاع المالي والصناعي، أكبر المساهمين في زيادة إجمالي أرباح المؤشر الذي قفز، لليوم الثاني، الجمعة، لأعلى من 5000 نقطة، مسجلاً رقمًا قياسياً جديدًا، وسجلت سبعة من القطاعات الـ11 على المؤشر نموًا في الأرباح على أساس سنوي، في حين سجلت أربعة قطاعات انخفاضًا على أساس سنوي.
وارتفعت أسهم إنفيديا بنسبة 3.6 بالمئة، لتسجل مستوى قياسيا، بعد تداول أخبار عن إنشاء وحدة أعمال جديدة تركز على تصميم شرائح مخصصة لشركات الحوسبة السحابية وغيرها، بما في ذلك معالجات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، الخميس، أن الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، منخرط في مفاوضات مع مستثمرين، بما في ذلك جهات إماراتية، لجمع تمويل لمبادرة تكنولوجية بشأن صناعة الرقائق وتوسيع القدرة على توظيف الذكاء الاصطناعي، في إطار مشروع تتراوح قيمته بين خمسة إلى سبعة تريليون دولار.
النفط
حقق النفط مكاسبا أسبوعية في الفترة المنتهية في التاسع من فبراير الجاري مستفيدا من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط التي شهدا تصاعدا الأسبوع الماضي بسبب تكرار الغارات الجوية التي استخدمت فيها طائرات مسيرة ضد قواعد عسكرية أمريكية وقواعد أخرى تابعة لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤدي إلى تعطل إمدادات النفط من دول الخليج إلى باقي أنحاء العالم.
وتعرضت أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا لهجوم بطائرة مسيرة، مما أسفر عن مقتل ستة على الأقل من تحالف موالي للولايات المتحدة يقوده الأكراد.
وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن أكاديميتها العسكرية في حقل النفط المعروف باسم “العمر” في محافظة دير الزور شرقي سوريا عرضت لغارة جوية بطائرة مسيرة في الساعات الأولى من صباح الاثنين الماضي، وهو ما امتد أثره على العقود الآجلة للنفط حتى ختام تعاملات الثلاثاء.
ورغم الزيادة في مخزونات النفط الأمريكية التي أكدتها تقارير إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدةـ قالت الإدارة إن معدلاتإنتاج النفط الخام قد تتراجع إلى مستويات أدنى من توقعات الأسواق، لكن العقود الآجلة للنفط قد تتخلى عن بعض مكاسبها بسبب عناوين الأخبار التي أشارت إلى محادثات تستهدف التوصل إلى وقف إطلاق نار مطول في غزة.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إنتاج النفط الخام قد يتراجع إلى 170000 دولار للبرميل يوميا مقابل التقديرات السابقة للإنتاج الأمريكي التي أشارت إلى 290000 برميل.
الأسبوع المقبل
تترقب الأسواق تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وما قد تشهده المنطقة من تصاعد لمخاوف التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وسط إعلان الحكومة الإسرائيلية نيتها قصف مدينة رفح الفلسطينية.
وتتصاعد تلك المخاوف بعد أن أعلنت مصر أنها قد “تعلق العمل باتفاقية السلام” مع إسرائيل إذا قصف الجيش الإسرائيلي رفح نظرا لأن المدينة تحتوي على مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين من جميع أنحاء قطاع غزة.
وكانت الولايات المتحدة قد حذرت نهاية الأسبوع الماضي من أي هجوم إسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى كارثة.
وعلى صعيد البيانات، تنتظر الأسواق مبيعات التجزئة الأمريكية وقراءات تضخم أسعار المستهلكين والمنتجين الأمريكيين، وهي القراءات التي تقع على قدر كبير من الأهمية نظرا لتأثيرهما على قرار الفيدرالي في الفترة المقبلة لوقوعهما على صلة وثيقة بالمعركة التي لا يزال الفيدرالي يخوضها لتحقيق استقرار الأسعار، أحد مهمتين أساسيتين تفوضه في تنفيذهما الإدارة الأمريكية.
وتصدر بيانات التضخم في أسعار المستهلك في الولايات المتحدة الثلاثاء المقبل، والتي من شأنها أن تلقي الضوء على مدى ما حققه الفيدرالي من تقدم على صعيد خفض الأسعار.
ولدينا أيضا قراءات مبيعات التجزئة التي ترتبط بقوة ببيانات التضخم، إذ تلقي الضوء على حركة الإنفاق الاستهلاكي وطلب المستهلك في البلاد الذي يمكن التعرف من خلاله على اتجاهات الأسعار.
وفي نهاية الأسبوع، تظهر قراءات تضخم أسعار المنتجين التي، دون شك، لها تأثير كبير على حركة السعر لا يقل قوة عن تأثير بيانات تضخم أسعار المستهلكين.
وتظهر دفعات من تقارير الأرباح أيضا على مدار الأسبوع المقبل، والتي من شأنها أن تؤثر أيضا في حركة السعر. ومن بين أهم الشركات المدرجة في البورصة الأمريكية مؤشر داو جونز الصناعي، وعملاق المشروبات كوكاكولا، وعملاق معدات الكمبيوتر سيسكو.