يستعد المستثمرون في أسواق المال العالمية لاستقبال قرار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وسط توقعات أن يبقي البنك المركزي على معدل الفائدة عند المستويات الحالية دون تغيير في ضوء التحسن على صعيد التضخم في الولايات المتحدة.
ويوجد معدل الفائدة الفيدرالية الحالي في منطقة 5.25% – 5.50%، وهو المعدل – الذي حال عدم تغييره – سوف يكون تثبيت الأوضاع النقدية من قبل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة للاجتماع الثالث على التوالي.
وسجل مؤشر توقعات الفائدة الصادر عن بورصة شيكاجو (CME FedWatch) إلى أن احتمالات الإبقاء على الفائدة دون تغيير تصل إلى 98.4% في حين سحلت احتمالات رفع الفائدة بـ25 نقطة أساس 1.6%، وهو ما يرجح كفة تثبيت الأوضاع النقدية في الولايات المتحدة للمرة الثالثة على التوالي.
وتترقب الأسواق أيضا تصريحات جيروم باول، رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، التي يدلي بها في مؤتمر صحفي ينعقد بعد نصف ساعة من إعلان قرارا الفائدة، وذلك التماسا لأي إشارات قد تنطوي عليها كلماته يمكن من خلالها التعرف أكثر على الملامح الأساسية للمسار المستقبلي للفائدة الفيدرالية.
كما تساعد التوقعات الرسمية للفائدة الفيدرالية، توقعات أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي يعلنوها بعد تصويت فيما بينهم على المسار المستقبلي للفائدة، على التعرف على ما يمكن التوصل إليه من قرارات في الاجتماعات المقبلة للفيدرالي.
مسار التضخم الأمريكي
بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة لمجابهة الارتفاعات الجنونية في معدل التضخم في مارس 2022، إذ رفع الفائدة منذ ذلك الحين وحتى يوليو 2023 في 11 اجتماعا على التوالي ولم يتوقف عن رفع الفائدة سوى في الاجتماعيْن الماضييْن فقط.
وكانت المرة الأحدث التي رفع فيها البنك المركزي التضخم في يوليو الماضي إلى نطاق 5.25% – 5.50%، وهي سلسلة إجراءات التشديد الكمي التي يبدو أنها آتت ثمارها ونجحت في خفض التضخم تدريجيا من أعلى المستويات في 40 سنة إلى منطقة قريبة من هدف البنك المركزي المحدد بـ2.00%.
وسجلت قراءة مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي في نوفمبر الماضي ارتفاعا بـ0.1% مقابل قراءة الشهر السابق التي سجلت 0.0%، وهو ما توافق مع توقعات الأسواق التي أشارت إلى نفس المستوى المسجل في القراءة الفعلية.
في المقابل، سجلت القراءة السنوية للمؤشر ارتفاعا بـ3.1% في نوفمبر الماضي مقابل القراءة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي عند بـ3.2%، وهو ما توافق مع التوقعات أيضا.
وباستثناء أسعار الغذاء والطاقة، سجلت أسعار المستهلك الأمريكي ارتفاعا بـ0.3% في نوفمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.2%، وهو ما جاء متوافقا مع توقعات الأسواق التي أشارت إلى 0.3%، وفقا للقراءة الشهرية.
كما ارتفعت قراءة أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بـ4.00% في نوفمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت نفس الرقم، وهو أيضا ما توافق مع توقعات الأسواق، وفقا للقراءة السنوية.
وجاءت هذه البيانات بقدر كبير من التفاؤل في الأسواق الذي دفع بمؤشرات بورصة نيويورك في الاتجاه الصاعد، إذ يعني البدء في خفض الفائدة انفراجة مرتقبة قد تستفيد منها الشركات التي تعاني من ارتفاع تكلفة الاقتراض.
التوظيف و”الهبوط المرن”
تمثل أوضاع سوق العمل في الولايات المتحدة الجزء الثاني من مهمة الفيدرالي التي تتضمن تحقيق استقرار الأسعار والحد الأقصى من التوظيف في البلاد، لذا هناك صلة وثيقة بين بيانات التوظيف الأمريكية ومسار السياسة النقدية الذي يتخذه الفيدرالي.
وطرأ على الأسواق بعض التغيير الذي تمثل في أن تحسن المؤشرات الرئيسية للتوظيف – مؤشرات نمو الوظائف ونمو الأجور – أدى إلى تحسن في شهية المخاطرة بعد تصاعد توقعات بأن الفيدرالي يقترب من خفض تكلفة الاقتراض في أوائل العام المقبل.
فبدلا من الأثر المعتاد، إذ كانت الأسواق تستقبل هذا التحسن بقدر كبير من السلبية، تحول تركيز المستثمرين إلى “الهبوط المرن” وازدياد الثقة في إمكانية نجاح الفيدرالي في الخفض التضخم في الولايات المتحدة دون تعرض الاقتصاد الأمريكي للركود، وهو ما دفع الأسهم الأمريكية إلى الاستمرار في الصعود حتى نهاية الأسبوع.
وبدأ المستثمرون في الأصول الأمريكية، خاصة أسهم وول ستريت، في التركيز على تكهنات بأن الاقتصاد الأمريكي بدأ يظهر إشارات إلى تحقيق الهدف الذي كان يصبو إليه الفيدرالي، والذي يتضمن خفض التضخم دون الدخول في حالة من الركود.
وارتفع مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية (NFP) في الولايات المتحدة إلى 190 ألف وظيفة في نوفمبر الماضي مقابل الارتفاع المسجل الشهر السابق بـ150 ألف وظيفة، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى 180 ألف وظيفة.
وارتفع نمو الأجور الأمريكي، وهو انعكس في قراءات مؤشر متوسط الكسب في الساعة على أساس شهري وسنوي، إذ ارتفعا بواقع 0.4% و4.00% على الترتيب.
وسجل معدل البطالة الأمريكية هبوطا إلى 3.7% في نوفمبر الماضي مقابل القراءة المسجلة الشهر السابق عند 3.9%، وهو ما جاء أدنى من توقعات الأسواق عند نفس الرقم المسجل في قراءة أكتوبر الماضي.