يتعامل المستثمرون في أسواق المال العالمية مع قرار الفائدة لبنك الاحتياطي الفيدرالي – الذي يصدر الأربعاء المقبل – على أنه تحصيل حاصل، إذ تسود الأسواق توقعات بأن يبقي البنك المركزي على معدل الفائدة في نفس النطاق الحالي عند 5.25%-5.5%.
لذا قد نرى تركيز المستثمرين في أسواق المال العالمية على خطاب الفيدرالي المصاحب لقرار الفائدة في البيان الذي يصدر بعد إعلان الفائدة وما يتعلق بها من قرارات السياسة النقدية علاوة على متابعة المستثمرين بعناية بالغة لتصريحات جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، التي يدلي بها أمام مؤتمر صحفي ينعقد بعد إعلان القرارات.
لذلك، نرى أن اهتمام المستثمرين والمراقبين للأسواق قد ينصب على الحصول على إجابة على سؤالين؛ الأول يتعلق بالفترة التي قد يبقى فيها الفيدرالي على معدلات الفائدة عند المستويات القياسية المرتفعة التي يتبناها في الوقت الراهن. ويشغل المتابعين لقرارات الفيدرالي أيضا الإجابة على سؤال يتعلق بانتهاء الفيدرالي من الدورة الحالية للتشديد الكمي.
وفي غياب قرار فائدة يفاجئ الأسواق أو خطاب البنك المركزي عن المسار المستقبلي للفائدة ينطوي على مفاجأة للأسواق، قد نرى تزايدا في الاهتمام بقضية احتياجات وزارة الخزانة من الدين أو سندات الخزانة الأمريكية على اختلاف آجالها.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية الاثنين الماضي أن الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة يتوقع أن تحتاج إلى إصدار سندات خزانة بقيمة 776 مليار دولار في الربع الأخير من العام الجاري مقابل التوقعات التي أشارت إلى 800 مليار دولار في وقت سابق.
السياسة النقدية والمالية
شهدت الفترة الأخيرة تصريحات خرجت من أروقة بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي أشارت إلى عددا من صناع السياسات في البنك المركزي يرون أنه لا حاجة إلى المزيد من رفع الفائدة استنادا إلى التشديد الحاد الذي تشهده الأوضاع المالية في الولايات المتحدة بسبب الارتفاع الكبير في عائدات سندات الخزانة الأمريكية، إذ يرى كثيرون أن هناك ارتباط بين ارتفاع تلك العائدات وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
ومن أهم العوامل المميزة لهذا الاجتماع لمجلس محافظي الفيدرالي أن الأوضاع المالية في الولايات المتحدة هي الأخرى دخلت على الخط فيما يتعلق بالمؤثرات المحتملة التي يمكن أن تتحكم في قرار وخطاب البنك المركزي بعد إعلان وزارة الخزانة خططها للاستدانة في شكل إصدار سندات سيادية.
لذلك يقع على جانب كبير من الأهمية أيضا حديث صناع السياسة المالية للولايات المتحدة، في مقدمتهم وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين التي أدلت بدلوها في حديث تطرقت فيه الأسبوع الماضي إلى الارتفاعات الهائلة في عائدات السندات الأمريكية وعلاقة ذلك بالأوضاع الاقتصادية.
وقالت يلين، في مقابلة تلفزيونية أجرتها معها شبكة بلومبرج الاقتصادية الأسبوع الماضي: “الاقتصاد الأمريكي لا يزال يظهر ازدهارا هائلا، وهو ما يشير ضمنيا إلى استمرار الحاجة إلى الإبقاء على معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة”، وهو ما قد يسهم في الإجابة على التساؤل عن الفترة التي قد يستمر فيها الفيدرالي في تبني مستويات مرتفعة من الفائدة.
ورفضت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية المزاعم التي تشير إلى أن العجز المالي هو السبب في ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية التي وصلت في الفترة الأخيرة إلى أعلى المستويات في 16 سنة.
وقالت يلين: “الارتفاع الحالي في عائدات سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل الطويل يُعد انعكاس للازدهار الاقتصادي، لا دليل على اتساع العجز المالي”.
ورجحت وزيرة الخزانة الأمريكية أن هذا الارتفاع، الذي بلغ بتلك العائدات أعلى المستويات منذ الأزمة المالية العالمية، يلقي الضوء على مواطن قوة الاقتصاد الأمريكي.
البيانات الاقتصادية
ارتفع مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة بنسبة 0.4% شهراً عن شهر سبتمبر 2023، وهو نفس النسبة المسجلة في شهر أغسطس وأعلى من توقعات السوق التي كانت تبلغ 0.3%.
وبلغ معدل الارتفاع السنوي لنفقات الاستهلاك الشخصي 3.4% في سبتمبر الماضي، مما يشير إلى مراجعة المؤشر إلى هبوط ليتوافق مع قراءة الشهر السابق والتوقعات. كما ارتفعت القراءة السنوية لمؤشر تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة بنسبة 3.7% كما كان متوقعًا، لكنه ظل أقل من الزيادة البالغة 3.9% في أغسطس.
وارتفعت أعداد الوظائف التي نجح الاقتصاد الأمريكي في إضافتها في سبتمبر الماضي إلى 336000 وظيفة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 227000 وظيفة بعد المراجعة إلى ارتفاع، وفقًا لمؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية بالولايات المتحدة.
وكانت التوقعات تشير إلى ارتفاع لا يتجاوز 170000 وظيفة في سبتمبر الماضي، وهو ما يشير تجاوز القراءة توقعات الأسواق إلى حد كبير، ومن شأنه أن يصب في صالح توقعات المزيد من رفع الفائدة.
لكن نمو الأجور في الولايات المتحدة لم يشهد أي تغيير على أساس شهري، وفقا للبيانات الصادرة الجمعة. لكن المؤشرات الأمريكية سجلت هبوطا سنويا في الأجور الأمريكية.
ولم يطرأ أي تغيير على الإطلاق على القراءة الشهرية لمؤشر متوسط الكسب في الساعة الذي سجل 0.2% مقابل القراءة السابقة التي سجلت نفس الرقم. لكن القراءة الفعلية جاءت دوت توقعات الأسواق التي أشارت إلى 0.3%.
وسجلت القراءة السنوية لنفس المؤشر هبوطا إلى 4.2% في سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 4.3%، وهو ما جاء دون توقعات الأسواق التي أشارت إلى 4.3%.
وترجح بيانات نمو الأجور الأمريكية الصادرة الجمعة أن هناك إشارات إلى بداية تراجع نمو الأجور في الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يصب في صالح توقعات اتوقف عن رفع الفائدة.
من واقع البيانات الصادرة منذ الاجتماع الماضي للفيدرالي، يرجح أن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة قد تدعم التوقعات بتثبيت الفائدة عند المستويات الحالية في ضوء التطورات على صعيد التضخم والتوظيف.