تترقب الأسواق تقارير التوظيف الأمريكية على مستوى نمو الوظائف، ونمو الأجور، ومعدل البطالة، وغيرها من المقاييس التي ينتظر المستثمرون في أسواق المال أن ترسم لهم صورة واضحة عن أوضاع سوق العمل في الولايات المتحدة.
وتقع تقارير أكتوبر على جانب كبير من الأهمية، إذ تتصل مباشرة بقرارات الفيدرالي ورؤيته للمسار المستقبلي للفائدة على وجه التحديد، والسياسة النقدية بصفة عامة.
ويدل على ذلك أن أوضاع التوظيف احتلت قدرا كبيرا من الاهتمام، سواء في بيان الفائدة الفيدرالي أو في تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول الأربعاء الماضي في وقت يستهدف فيه البنك المركزي ارتفاع معدل البطالة وتباطء نمو الوظائف ونمو الأجور من أجل كبح جماح التضخم الذي يواصل الصعود مقتربا من أعلى مستوياته في حوالي نصف قرن.
وتشير أغلب توقعات الأسواق إلى أن نمو الوظائف قد يظهر تراجعا في الولايات المتحدة، إذ يتوقع أن يسجل مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة ارتفاعا بحوالي 200 ألف وظيفة مقابل ارتفاع أكبر سجلته القراءة السابقة عند 263 ألف وظيفة.
وتتوقع الأسواق أيضا أن يرتفع معدل البطالة إلى 3.6% مقابل الهبوط الذي سجلته قراءة الشهر السابق إلى 3.5%. كما ظهرت توقعات بأن يتراجع نمو الأجور السنوي مقارنة بالقراءة المسجلة الشهر السابق، وهو ما يظهر في توقعات القراءة السنوية لمؤشر متوسط الكسب في الساعة التي تشير إلى إمكانية الارتفاع بواقع 4.7% مقابل القراءة المسجلة في سبتمبر الماضي عند 5.00%.
اتجاه البيانات الأولية
على مدار الفترة من ظهور بيانات التوظيف الشهر الماضي وحتى الخميس، ظهرت مؤشرات أولية يمكننا الاستفادة منها في تكوين صورة واضحة لما كانت عليه سوق العمل في أكتوبر الماضي، وهي البيانات التي يمكننا أن نتوصل من خلالها إلى السيناريوهات المحتملة لأوضاع سوق العمل الأمريكي.
وسوف نستعرض معا البيانات أو المؤشرات الأولية للتوظيف الأمريكي ثم نراجع ما سجلته من قراءات لنرجح بعد ذلك كفة أي من السيناريوهات المتوقعة للبيانات التي تحدد حالة سوق العمل في أكتوبر الماضي.
السيناريو الإيجابي
يؤيد هذا السيناريو، الذي يتضمن تسجيل مؤشرات سوق العمل الأمريكي نتائج إيجابية على مستوى نمو الوظائف والبطالة ونمو الأجور، عدد من المؤشرات التي ظهرت في الفترة الأخيرة. ويؤيد هذا السيناريو المؤشرات الأولية التي نتناولها بالتفاصيل فيما يلي
ارتفعت قراءة مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميتشيجان الأمريكية إلى 59.9 في أكتوبر الماضي مقابل قراءة الشهر السابق التي أشارت إلى 59.8 نقطة، مما تجاوز التوقعات التي أشارت إلى 59.8 نقطة.
ارتفع مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة الصادر عن إدارة المعالجة الإلكترونية للبيانات (ADP) إلى 239 ألف وظيفة في أكتوبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 192 ألف وظيفة، وهو ما جاء أفضل من التوقعات التي أشارت إلى 195 ألف وظيفة.
السيناريو السلبي
يشير السيناريو السلبي، الذي يتضمن تدهورا في أوضاع سوق العمل من حيث نمو الوظائف ونمو الأجور ومعدل البطالة والإنتاجية، إلى إمكانية أن تتراجع قراءات المؤشرات التي تتعامل مع تلك الأوضاع. ويؤيد هذا السيناريو المؤشرات الأولية التي نتناولها بالتفصيل فيما يلي
ارتفع متوسط إعانات البطالة الأمريكية في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي إلى 219 ألف مطالبة مقابل المتوسط المسجل في الأسبوع السابق الذي سجل 212 ألف مطالبة.
وهبط مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن كونفرانسبورد إلى 102.5 نقطة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 107.8 نقطة.
كما ارتفع مؤشر تشالنجر لإلغاء الوظائف في أكتوبر الماضي إلى 33.843 مليون وظيفة أُلغيت الشهر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 29.989 مليون وظيفة ملغاة.
وتراجع مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات الخدمي الصادر عن المعهد الأمريكي لدراسات الإمدادات إلى 49.1 نقطة في أكتوبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 53 نقطة، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 51.6 نقطة.
وهبط مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الصادر عن المعهد الأمريكي لدراسات الإمدادات إلى 50 نقطة في أكتوبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 48.7 نقطة، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 51.4 نقطة.
الأسواق وسيناريوهات التوظيف
في حالة تحقق السيناريو الأول، قد نشاهد ارتفاعا للأسهم الأمريكية وأغلب أصول المخاطرة مقابل تراجع الدولار الأمريكي، وهو ما من شأنه أيضا أن يوفر متنفسا للذهب الذي يرجح أن يرتفع إذا تحسنت أوضاع سوق العمل.
في المقابل، قد نرى ارتفاعا للدولار مقابل هبوط العقود الآجلة للذهب علاوة على إمكانية استمرار الأسهم في وول ستريت في الاتجاه الهابط.
وتستند توقعات حركة السعر أعلاه إلى أن هناك هدفا لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الراهن يتمثل في وقف التحسن في أوضاع سوق العمل الأمريكي، وهو ما قد يدفع بالبنك المركزي إلى الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة إذا تراجعت بيانات التوظيف الأمريكية الجمعة المقبلة لقناعة منه بأن التوظيف في الولايات المتحدة يسلك طريقا يتوافق مع المسار الذي يرسمه الفيدرالي.
ومن الطبيعي أن يؤدي الإبطاء من وتيرة رفع الفائدة أو حتى الحديث عنه إلى تراجع الدولار الأمريكي، وهو ما ينطبق على السيناريو المعاكس الذي يتضمن أن تحسن بيانات التوظيف قد يدفع الفيدرالي إلى المزيد من رفع الفائدة بنفس السرعة الحالية أو أكثر في الاجتماعات المقبلة لقناعة تتوافر لديه في هذه الحالة بأن أوضاع سوق العمل تنحرف عن المسار الذي حدده لها سلفا.