صدرت قرارات السياسة النقدية من عدد من البنوك المركزية الرئيسية حول العالم هذا الأسبوع لتكشف النقاب عن تحول جذري في سياسات السلطات النقدية إلى التشديد النقدي الذي يتسابق إليه الجميع من أجل التصدي للارتفاعات الحادة للأسعار التي تسود العالم بأكمله منذ أوائل العام الجاري.
وجاء الفيدرالي في مقدمة معسكر البنوك المركزية التي تتجه إلى التشديد النقدي، الذي يتضمن خفض أو وقف مشتريات الأصول ورفع الفائدة، ليعلن زيادة كبيرة في سرعة عملية خفض مشتريات الأصول فاقت جميع توقعات الأسواق مع توقعات برفع معدل الفائدة عدة مرات خلال العام المقبل على خلاف التكهنات السابقة ببداية رفع المعدلات الحالية في 2023.
وفي اليوم التالي لقرارات الفيدرالي، فاجأ بنك إنجلترا الأسواق برفع الفائدة ليكون البنك الثاني بين البنوك المركزية الرئيسية الذي يرفع الفائدة بعد بنك الاحتياطي النيوزلندي.
وفي نفس اليوم، الخميس، ورغم الإبقاء على معدلات الفائدة عند مستويات دون الصفر، أعلن البنك المركزي خطة للتخلص من أطنان من السيولة تضمنت وقف تدريجي لبرنامح شراء الأصول الطارئ للوباء في مارس المقبل.
الفيدرالي
أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي على معدل الفائدة دون تغيير عند المستويات المنخفضة التاريخية، وفقا للقرارات الصادرة عن لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة الأربعاء.
قال بنك الاحتياطي الفيدرالي، في بيان الفائدة الصادر الأربعاء، إنه سوف يخفض مشتريات الأصول بسرعة كبيرة في الفترة المقبلة، متوقعا رفع الفائدة ثلاث مرات في العام المقبل.
قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في بيان الفائدة الصادر الأربعاء إنه سوف يعمل على خفض مشتريات الأصول بسرعة كبيرة بحيث يخفض تلك المشتريات بقيمة 60 مليار دولار شهريا بدلا من 15 مليار دولار شهريا، وذلك بداية من منتصف يناير المقبل.
بذلك يصل الحجم الشهري لخفض تلك المشتريات إلى مستوى أقل بـ 30 مليار دولار فقط من إجمالي المشتريات الشهرية قبل بدء في خفض المشتريات الشهرية البالغة قيمتها 120 مليار دولار.
كما يبلغ الحجم الشهري للخفض في يناير المقبل ضعف الحجم الشهري الحالي الذي قرر الفيدرالي أن يكون 30 مليار دولار في ديسمبر الجاري.
ومن المتوقع، وفقا للقرارات الصادرة عن الفيدرالي منذ قليل، أن يتقدم البنك المركزي بسرعة تفوق توقعات الأسواق نحو وقف برنامج شراء الأصول في 2022.
وبعد الانتهاء من شراء الأصول ووقف عمليات هذا البرنامج تماما، وهو ما يتوقع أن يحدث في مارس المقبل، من المرجح أن يبدأ الفيدرالي في رفع الفائدة.
أشارت تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي الاقتصادية الصادرة الأربعاء إلى إمكانية رفع الفائدة ثلاث مرات في 2022، ومرتين في العام التالي ومرتين في 2024.
بنك إنجلترا
قرر بنك إنجلترا رفع الفائدة بعشر نقاط أساس إلى 0.25% مقابل 0.10%، مما يشير إلى رفع الفائدة للمرة الأولى في ثلاث سنوات، وهو ما برره البنك المركزي بأنه حاء بهدف التصدي للارتفاع في معدل التضخم إلى أعلى المستويات في عشر سنوات.
وجاءت نتيجة تصويت أعضاء لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا 8-1 بعد أن رفضت سيلفانا تينريرو التي صوت لصالح الإبقاء على الوضع كما هو عليه.
وحتى الاجتماع الماضي للبنك المركزي، لم يكن موقف السياسة النقدية واضحا للأسواق، إذ كانت الأسواق تتوقع على نطاق واسع أن يرفع بنك إنجلترا الفائدة في اجتماع نوفمبر الماضي، لكن ذلك لم يتحقق.
واكتفى البنك المركزي في ذلك الوقت بإعلان أنه سوف يرفع الفائدة في الأشهر القليلة المقبلة دون أن يحدد نقطة انطلاق إلى التشديد النقدي برفع الفائدة
لكن لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا كانت قد صرحت قبل عدة أشهر بأنها قد تلجأ إلى رفع الفائدة قبل خفض مشتريات الأصول، وهو ما تحقق بالفعل.
المركزي الأوروبي
أعلن البنك المركزي الأوروبي خطة الخروج من برنامج شراء الأصول الطارئ للوباء بقيمة 1.85 ترليون يورو والتعامل مع برنامج مشتريات الأصول الأساسي للبنك المركزي، مما أدى إلى زوال حالة انعدام اليقين التي كانت تلازم المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأوروبية.
وكان هذا الإعلان وراء حالة من الارتياح لدى ثيران اليورو الذين بدأوا في الشراء، مما أدى إلى صعود العملة الأوروبية الموحدة.
وارتفع اليورو/ دولار إلى 1.1331 مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 1.1286. وهبط الزوج إلى أدنى مستوى له على مدار يوم التداول الماضي عند 1.1281 مقابل أعلى المستويات الذي سجل 1.1360.
وأعلن البنك المركزي الأوروبي وقف برنامج شراء الأصول الطارئ للوباء في مارس المقبل على أن يتم شراء أصول في إطار هذا البرنامج بقيمة 100 مليار يورو شهريا حتى نهاية مارس المقبل ثم ينتهي البرنامج ويبدأ التركيز على برنامج شراء الأصول الأساسي للمركزي الأوروبي بقيمة 40 مليار يورو شهريا حتى نهاية الربع الثاني من 2022 و30 مليار يورو حتى نهاية الربع الثالث من العام المقبل.
وأشار البنك المركزي إلى أن برنامج شراء الأصول الأساسي سوف يستمر بعد ذلك بقيمة 20 مليار يورو شهريا “طالما اقتضت الضرورة تعزيز السياسة الأثر التيسيري للسياسة النقدية”.
وترك المركزي الأوروبي معدل الفائدة دون تغيير عند مستويات دون الصفر في اجتماع ديسمبر الجاري، لكن ذلك لم يمنع السلطات النقدية الأوروبية من أن تظهر قدرا كبيرا من الميل إلى التشديد النقدي عند الإعلان عن خطة تتضمن التخلص في وقت قريب من أطنان السيولة الموجودة في الأسواق.
وكانت تلك القرارات من بنوك مركزية تتمتع بأهمية كبرى بالنسبة للاقتصاد العالمي بمثابة خريطة يمكن للأسواق الاسترشاد بها أثناء التعاملات في الفترة المقبلة.
وأهم النقاط الموضحة على خريطة السياسة النقدية تشير إلى أن التشديد النقدي بدأ بالفعل وأن السلطات النقدية حول العالم اكتشفت أن السياسة النقدية هي السلاح الوحيد الذي يمكن من خلاله التصدي للارتفاعات الحادة في التضخم التي يشهدها العالم منذ بداية العام الجاري
وأشارت الرسائل التي بعثت بها البنوك المركزية إلى الأسواق أن التشديد النقدي هو السياسة المثالية التي يمكن استخدامها في مواجهة انفجار الأسعار الحالي، والتي تتضمن خفض مشتريات الأصول حتى تتوقف تماما والبدء في رفع الفائدة.