يتوقع على نطاق واسع أن يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء المقبل موعدا محددا لخفض مشتريات الأصول من أجل مقاومة الارتفاعات الحادة التي شهدها التضخم في الفترة الأخيرة علاوة على الإشارة في بيان الفائدة وتصريحات رئيس مجلس محافظي البنك المركزي جيروم باول إلى مدى الحاجة إلى رفع الفائدة قبل الموعد الذي تشير إليه التوقعات.
وتستهدف لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة من قراراتها المحتملة بخفض مشتريات الأصول التصدي للارتفاع الحاد لتضخم أسعار المستهلك إلى مستويات تثير القلق وتوجه ضربة إلى إحدى المهمتين الأساسيتين للفيدرالي؛ هي استقرار الأسعار ومسؤولية البنك المركزي عن تحقيقه إلى جانب المهمة الثانية التي تتمثل في تحقيق الحد الأقصى من التوظيف.
وتشير التوقعات إلى أن حجم الخفض سوف يصل إلى 15 مليار دولار شهريا من إجمالي 120 مليار دولار يخصصها البنك المركزي لشراء الأصول كل شهر. ويُقسم حجم الخفض إلى 10 مليار دولار من إجمالي 80 مليار دولار هي قيمة مشتريات الأصول بينما تخفض مشتريات السندات المدعومة عقاريا، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 40 مليار دولار، بواقع 5 مليار دولار.
وتتوافق هذه الأرقام مع التاريخ المحدد الوحيد الذي ذكره الفيدرالي أثناء الحديث عن خفض مشتريات الأصول منذ بداية العام الجاري، والذي يشير إلى توقعات بانتهاء عمليات خفض المشتريات في منتصف 2022، مما يرجح أن البداية في نوفمبر الجاري قد تكون مناسبة لتحقيق هذا الهدف الزمني.
أسئلة هامة للفيدرالي
بالنظر إلى الغرض من خفض مشتريات الأصول، يتبادر إلى الذهن مباشرة العبارة التي رددها بنك الاحتياطي الفيدرالي في الأشهر القليلة الماضية، والتي تشير إلى أن خفض المشتريات لن يبدأ إلا بعد أن “يحقق الاقتصاد تقدما كبيرا وملموسا”.
فهل حقق الاقتصاد الأمريكي بالفعل هذا التقدم؟ وهل تمكن الفيدرالي من السيطرة على الارتفاع الجنوني في أسعار المستهلك؟ وهل تحقق الحد الأقصى من التوظيف وتحسنت أوضاع سوق العمل في الفترة الأخيرة؟
الإجابة على تلك الأٍسئلة ظهرت بالفعل في تصريحات عدد كبير من أعضاء لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة الذين أكد أغلبهم أن الاقتصاد في الولايات المتحدة حقق هذا التقدم الكبير الملموس الذي اشترط البنك المركزي تحقيقه قبل الشروع في خفض مشتريات الأصول.
لكن الإجابات على باقي الأسئلة لن تكون في تصريحات مسؤولي الفيدرالي، إذ يمكن الإطلاع عليها في المفكرة الاقتصادية، إذ لا يزال التضخم في أسعار المستهلك الأمريكي بالقرب من أعلى المستويات في 13 سنة، وفقا للقراءات الصادرة لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الصادرة الأسبوع الماضي، وهو المؤشر الأكثر مصداقية في قياس التضخم الأمريكي بالنسبة للفيدرالي.
كما شهدت بيانات التوظيف في الفترة الأخيرة بعض التدهور الذي لا يجعلها لا يمكن الاعتماد عليها في المرحلة الحالية لكثير تذبذب معدلات التوظيف ونمو الأجور ومعدل البطالة.
لذلك من المرجح أن الدافع والمبرر الحالي لبدء خفض مشتريات الأصول في نوفمبر الجاري هو مواجهة الارتفاعات الحادة في معدلات تضخم أسعار المستهلك الأمريكي.
يأتي ذلك رغم تأكيد باول وشركاه في أكثر من مناسبة على أن التضخم حاد الارتفاع يستمر في الصعود إلى مستويات أعلى لأسباب انتقالية سوف تزول وتبدأ بعدها أسعار المستهلك في التراجع إلى أرقام تعكس الاستقرار في الأسواق. وتتضمن تلك الأسباب ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع الطلب العالمي على السلع والمنتجات والخدمات الذي تنتج عنه اختناقات المعروض، علاوة على الاضطرابات في سلاسل التوريد.
“عوامل انتقالية”
ومع ظهور تلك الأسباب، التي توصف “بالانتقالية” في أغلب المناسبات، في العديد من إصدارات بيان الفائدة للبنوك المركزية الرئيسية في الأشهر القليلة الماضية، بدأت مخاوف في التسلل إلى أروقة الفيدرالي وغيره من الجهات النقدية في دول الاقتصادات الرئيسية حيال إمكانية أن تتحول الارتفاعات الحادة في معدل التضخم إلى واقع دائم.
أما السؤال التالي فهو عن حجم الخفض المتوقع لمشتريات الأصول وما إذا كان ملائما للأوضاع الاقتصادية أم لا؟
وتشير الإجابة على هذا السؤال إلى الأرقام التي ترجح خفض مشتريات الأصول بإجمالي 15 مليار دولار شهريا حتى منتصف العام المقبل، وهي القيمة التي تنقسم إلى 10 مليار دولار خفض مشتريات سندات الخزانة الأمريكية و5 مليار دولار خفض مشتريات السندات المدعومة عقاريا.
ويرى محللون أن هذه القيمة لخفض المشتريات الفيدرالية جاءت لتفادي أية صدمات قد تتعرض لها الأسواق حال الخفض بقيمة أكبر وتفادي أي رد فعل سلبي للإعلان عن بدء خفض تلك المشتريات في منتصف نوفمبر الجاري.
ويشير التساؤل الأخير الذي قد يواجهه الفيدرالي بعد إعلان موعد خفض مشتريات الأصول إلى التوقيت المحتمل لرفع الفائدة الفيدرالية. ويرجح أن يجد الفيدرالي نفسه في مواجهة ضغوط توقعات رفع الفائدة وتوقعات تتصاعد بتحول كبير في السياسة النقدية من التيسير الكمي إلى التقييد النقدي ورفع الفائدة من مستوياتها المنخفضة التاريخية القريبة من الصفر.
ويزيد من كونه تساؤلا ملحا ذلك الارتفاع الذي تشهده تكلفة الاقتراض قصيرة الأجل، وارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل سنتين إلى أعلى المستويات منذ انتشار الوباء بالقرب من 0.5% في حين كانت في أوائل أكتوبر الماضي قد سجلت 0.3%.
كما أشارت توقعات الفائدة الصادرة عن لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة في سبتمبر الماضي إلى موقف غير محسوم داخل اللجنة حيال رفع الفائدة الفيدرالية في 2022، إذ كانت نتيجة التصويت 9/9. لكن نفس التصويت أشارت نتيجته إلى رفع الفائدة ثلاث مرات على الأقل في 2023.