يبدو أن مبدأ التاريخ يعيد نفسه هو المبدأ الوحيد الذي تحكم في حركة السعر في أسواق المال منذ مستهل التعاملات الأمريكية الأربعاء دون منازع، إذ أدلى رئيس الفيدرالي جيروم باول ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بالجزء الثاني من شهادتهما أمام لجنة القطاع المصرفي في مجلس الشيوخ الأمريكي في التأثير على الأسواق منذ افتتاح تعاملات الأسهم في وول ستريت.
وبالفعل كان الأثر الذي خلفه الجزء الثاني من تلك الشهادة على الأسواق نسخة مطابقة للأثر الذي تركه الجزء الثاني من شهادة باول نصف السنوية على الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة أمام الكونجرس الأمريكي.
وكان الجزء الأول من شهاد يلين وباول الذي أدلت به تلك القيادات الأعلى على الإطلاق في قطاع النقد والاقتصاد أمس الثلاثاء مشابها في أثره على الأسواق لاستجابة الأسواق للجزء الأول من شهادة باول نصف السنوية التي أدلى بها أمام الكونجرس في فبراير الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأول من الشهادتين كان سلبيا للأسواق بينما تدارك مسؤولو الفيدرالي والخزانة الموقف بإثارة التفاؤل في الأسواق من خلال الجزء الثاني من الشهادة.
ماذا جاء في الشهادة؟
بصفة عامة، عكس الجزء الثاني من شهادة يلين وباول تفاؤل من كبار مسؤولي الاقتصاد الأمريكيين حيال المسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي.
وتضمن هذا الجزء من شهادة أكبر مسؤولي الشؤون النقدية والمالية لأكبر الاقتصاد على مستوى العالم أنهم يرون أن التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا يسير أسرع مما أشارت إليه التوقعات في الفترة الأخيرة.
كما أظهر مسؤولو الفيدرالي والخزانة في الولايات المتحدة ارتياحا لأوضاع القطاع المصرفي وإعادة البنوك شراء أسهمها لدعم موقفها المالي.
وتوقع جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء في الجزء الثاني من شهادته أمام الكونجرس الأمريكي حول استجابة البنك المركزي ووزارة الخزانة لأزمة فيروس كورونا، أن تظهر “ضغوط تضخمية في الاتجاه الصاعد لأسعار المستهلك على المدى القريب”.
وأضاف: “من المرجح على نطاق واسع أن يكون هذا العام قويا جدا جدا”، متوقعا ألا يكون التضخم مرتفعا للغاية، ومؤكدا أن لدة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأدوات اللازمة لمواجة أي ارتفاع حاد في تضخم أسعار المستهلك.
وأشار إلى أن الارتفاع في عائدات سندات الخزانة الأمريكية “يعطي إحساسا بتحسن النظرة المستقبلية للاقتصاد”.
وقالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، الأربعاء: “أرى أن المساحة التي يمكن التحرك فيها على صعيد الوضع المالي تغيرت مقارنة بما كانت عليه في 2017”.
وأضافت: “وجود المزيد من المتسع المالي لا يعني بالضرورة الأمور تشهد تقدما”، مؤكدة أنه على المدى الطويل سوف تحتاج وزارة الخزانة الأمريكية زيادة عائداتها لدعم البرامج المالية الحالية.
وأكدت وزيرة الخزانة الأمريكية أنها كانت تعارض في البداية إعادة شراء البنوك لأسهمها، لكنها اكتشفت في الوقت الراهن أن “المؤسسات المالية أضحت تتمتع بوضع أفضل، وأن لديها القدرة على ذلك، شريطة الالتزام بالقواعد، حتى تتمكن من توفير عائدات لحاملي الأسهم”.
قالت وزير الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الأربعاء في الجزء الثاني من شهادتها أمام الكونجرس الأمريكي حول استجابة البنك المركزي ووزارة الخزانة لأزمة فيروس كورونا، إنه لا يزال هناك متسعا ماليا للولايات المتحدة يمكنها من المزيد من الاقتراض، لكنها أشارت إلى إمكانية “ظهور الحاجة إلى زيادة الضرائب لتمويل الارتفاعات في معدل الإنفاق”.
وأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة لديها خطط لإنفاق 3 ترليون دولار على البنى التحتية، والطاقة النظيفة، والتعليم. وأضافت وزير الخزانة الأمريكية: “عززت معدلات الفائدة المنخفضة قدرات الحكومة الفيدرالية على تغطية تكلفة الاقتراض”.
وشدت على ضرورة الأخذ في الاعتبار التغييرات الضريبية المحتملة التي قد تدعو إليها الحاجة في المستقبل، قائلة: “على المدى الطويل، سوف نحتاج إلى زيادة عائداتنا لدعم الإنفاق المستمرة”.
رد فعل الأسواق
لم تكن شهادة باول ويلين هي المحرك الوحيد للسوق، لكنها كانت المحرك الأقوى على الإطلاق وكان إلى جانبها البيانات الأمريكية التي شاركت إلى حدٍ ما في رسم ملامح حركة السعر.
وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي إلى 32748 نقطة بعدأن أضاف حوالي 325 نقطة أو 1.00% مع ارتفاع مؤشر S&P500 إلى مستوى 3934 نقطة بعد الصعود بحوالي 25 نقطة أو 0.7%.
لكن ناسداك للصناعات التكنولوجية الثقيلة تراجع إلى 13173 نقطة بعد أن فقد
أكثر من 50 نقطة أو 0.4%. يظهر الدولار الأمريكي تماسكا في أدائه في الاتجاه الصاعد منذ مستهل التعاملات اليومية الأربعاء مستفيدا من تدهور البيانات الأمريكية على مستوى طلبات السلع المعمرة ومؤشرات إجمالي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.
كما تلقت العملة دعما من شهادة جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، أمام لجنة القطاع المصرفي في مجلس الشيوخ الأمريكي حول استجابة الحكومة الفيدرالية للتطورات السلبية التي شهدها الاقتصاد بسبب أزمة الوباء، وهي التصريحات التي أشارت خلالها إلى أن هناك زيادات ضريبية محتملة لتلبية متطلبات الإنفاق الحكومي.
وارتفع مؤشر الدولار، الذي يوفر صورة واضحة لأداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 92.55 نقطة مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 92.34 نقط. و هبط المؤشر إلى أدنى مستوى له على مدار يوم التداول الجاري عند مستوى الإغلاق المسجل في الجلسة الماضية مقابل أعلى المستويات الذي سجل 92.61.
وبدأت عائدات سندات الخزانة الأمريكية في تغيير اتجاهها إلى الهبوط بعد ارتفاع دام لساعات في مستهل التعاملات الأمريكية الأربعاء بسبب التفاؤل الذي أثارته تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول ووزيرة الخزانة الأمريكي جانيت يلين في أسواق المال.
وتراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى 1.616% مقابل الإغلاق المسجل في الجلسة الماضية الذي سجل 1.627%، مما يشير إلى الهبوط للجلسة الثالثة على التوالي وتراجع بواقع 0.009% في الجلسة الحالية.
وجاء الهبوط في العائدات بعد أن تطرقت جانيت يلين إلى مسألة الزيادات الضريبية المحتملة التي قد تحتاج إليها الإدارة الأمريكية لتمويل برامج الإنفاق.
كما تراجعت البيانات الأمريكية على صعيد طلبات السلع المعمرة ومؤشر مديري المشتريات المركب لإجمالي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.