الأسواق العالمية تستوعب عطلاً نادراً في بورصة المشتقات الأمريكية مع عودة التداول تدريجيًا
واجهت الأسواق العالمية هزة غير متوقعة بعد عطل واسع أصاب بورصة شيكاغو للمشتقات (CME)، ما أدى إلى توقف التداول في جزء كبير من أسواق العقود الآجلة والخيارات لعدة ساعات. وجاء التوقف المفاجئ نتيجة خلل في نظام التبريد داخل أحد مراكز البيانات الحيوية، الأمر الذي شلّ تدفق أسعار الأسواق وأوقف تنفيذ الأوامر في لحظة حساسة تشهد فيها الأسواق ترقبًا لتحركات السياسة النقدية الأمريكية وتطورات جيوسياسية عدة.
وبحسب المعلومات التي أعلنتها البورصة، فإن العطل بدأ عندما ارتفعت حرارة الخوادم المسؤولة عن تشغيل أنظمة التداول، ما أدى إلى إيقافها تلقائيًا لحمايتها. ومع توقف هذه الأنظمة، اختفت الأسعار من شاشات المتعاملين في آسيا وأوروبا، ووجدت المؤسسات المالية نفسها أمام فراغ كامل في مؤشرات أساسية تعتمد عليها لتحديد اتجاهات الأسواق أو تنفيذ استراتيجيات التحوط اليومية.
استغرق العمل على إعادة تشغيل المنظومة عدة ساعات، إذ جرى نشر معدات تبريد طارئة واستعادة تدريجية لوحدات التبريد الأساسية قبل السماح للأنظمة الحساسة بالعودة إلى الخدمة. وخلال فترة الانقطاع، عاش المتعاملون حالة ضبابية واضحة، خصوصًا أن تعطّل منصة بهذا الحجم يُعد حدثًا نادرًا نظرًا لاعتماد ملايين العقود حول العالم على بنيتها التحتية.
وعلى الرغم من حجم العطل، جاءت ردود فعل الأسواق الأولية أقل حدة مما توقعه البعض. فقد ساهم توقيت الحادث — الذي تزامن مع الفترة التي تلي عطلة رئيسية في الولايات المتحدة — في تخفيف تداعياته، إذ كانت السيولة منخفضة نسبيًا. لكن الارتباك كان واضحًا، خاصة في المراكز المالية الآسيوية التي تعتمد بشكل مباشر على العقود الأمريكية لتشكيل اتجاهات التداول في بداية جلساتها.
في الساعات الأولى التي تلت العطل، اضطر العديد من المتعاملين إلى خفض نشاطهم أو الاعتماد على مؤشرات أقل سيولة لتعويض غياب مرجع الأسعار الأساسي. ومع ذلك، وبمجرد إعلان البورصة عن إعادة تشغيل الأنظمة بشكل تدريجي، بدأت مؤشرات الأسهم الأمريكية تستعيد توازنها وسجلت ارتفاعات طفيفة، في إشارة إلى أن المستثمرين شعروا بالارتياح لعودة التداول الطبيعي.
كما تحسنت معنويات الأسواق الأوروبية مع عودة الأسعار الأساسية، وارتفعت الأسهم في عدد من البورصات الكبرى، مستفيدة من انحسار حالة عدم اليقين. وفي أسواق السلع، شهد النفط والذهب تحركات إيجابية محدودة مع عودة البيانات الفورية التي تُعد أساسًا لاتخاذ قرارات البيع والشراء.
وقد أعاد هذا العطل فتح النقاش حول هشاشة البنية التحتية الرقمية للأسواق المالية، فمع تزايد الاعتماد العالمي على مراكز البيانات الضخمة وتشغيلها على مدار الساعة، تبدو الأعطال المفاجئة أكثر خطورة مما كانت عليه في السابق. فعطل في منشأة واحدة فقط كان كفيلًا بإحداث اضطراب في أسعار الأصول العالمية، من العملات والسلع إلى السندات والأسهم، وكلها أسواق ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا.
وشهدت الأسواق الآسيوية التأثير الأكبر، لأن غياب العقود الآجلة الأمريكية — خاصة المرتبطة بمؤشرات الأسهم والخزانة — خلق فجوة في تحديد اتجاهات التداول. ومع غياب التسعير الفوري، لجأت بعض المؤسسات إلى تقليص تعاملاتها لتجنب المخاطر غير المحسوبة. وفي أوروبا، ظهر تأثير العطل في اتساع مؤقت للفارق بين سعري البيع والشراء في أسواق السندات، في ظل غياب الإشارات التي تقدمها العقود الأمريكية عادة بشأن شهية المخاطرة العالمية.
وبينما تمت استعادة كامل الخدمات لاحقًا، بدأت المؤسسات المالية في تقييم الدروس المستفادة من هذا الخلل. فمع تكرار الأعطال الرقمية حول العالم خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت المطالب بتعزيز أنظمة التبريد والطاقة الاحتياطية في مراكز البيانات، وزيادة قدرات المرونة التشغيلية لمنع وقوع أعطال مماثلة.
كما توقعت مصادر مالية أن تدفع هذه الأزمة عددًا من البورصات الكبرى إلى مراجعة خطط الطوارئ والإجراءات الاحتياطية لضمان استمرار التداول حتى في حال تعطل أحد المراكز الرئيسية. فالعطل الأخير كشف بوضوح مدى ارتباط الأسواق العالمية ببعضها، وكيف يمكن لمشكلة واحدة داخل منشأة محدودة المساحة أن تربك حركة رؤوس الأموال عالميًا خلال دقائق معدودة.
ومع أن الأسواق استوعبت الحادثة دون اضطرابات كبرى، فإنها تظل تذكرة قوية بأن البنية التحتية الرقمية — مهما بدت متطورة — ليست محصنة تمامًا. وفي ظل توسع حجم التداولات العالمية وزيادة الاعتماد على الخدمات السحابية والبيانات الفورية، قد يشهد القطاع المالي مراجعات شاملة تهدف إلى بناء منظومة أكثر قدرة على مواجهة المفاجآت.
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات