كان الأسبوع الماضي في أسواق المال حافلًا بالأحداث الهامة سواء على صعيد الاقتصاد والبيانات والتطورات التي استجدت على الساحة، أو التطورات السياسية التي انتهت بإنهاء الإغلاق الحكومي. وسوف نحاول في ملخص الأسبوع هذا التعرف على أهم هذه التكورات وأثرها الحالي والمستقبلي على حركة السعر في أسواق المال العالمية.
علاوة على ذلك، كانت هناك أحداث أخرى تتعلق بتحركات الأسهم العالمية ومخاوف حيال فقاعة محتملة في قطاع الذكاء الاصطناعي علاوة على مخاوف من نوع آخر تتضمن إمكانية انسحاب استثمارات هائلة من هذا القطاع الواعد.
وتعرض الدولار الأمريكي لتراجع أسبوعي محدود نظرًا لتوافر عدى عوامل في الأسواق أدت إلى الخسائر الأسبوعية التي تكبدتها في تلك الفترة.
وجاء هذا الانخفاض نتيجة ضغوط مستمرة منذ يوم الجمعة الماضية، بعد صدور تقرير “تشالنجر، جراي& كريسماس” الذي أظهر أن معدل تسريح العمالة في الولايات المتحدة خلال أكتوبر الماضي ارتفع إلى مستويات قياسية بعد أن بلغت زيادته 175% على أساس سنوي.
ويُعد ذلك أعلى معدل منذ 22 سنة، مما عزز التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل أسعار الفائدة.
وأفاد تقرير صادر عن مؤسسة المعالجة الإلكترونية للبيانات أن أصحاب الأعمال في القطاع الخاص الأمريكي فقدوا وظائف أكثر مما أضافوا خلال الأسابيع الأربعة المنتهية في 25 أكتوبر الماضي، بمتوسط تراجع 11250 وظيفة أسبوعيًا، وهو ما يعكس تراجعًا في قوة سوق العمل ويزيد الضغوط على الدولار.
وزاد من الضغوط التي يتعرض لها الدولار الأمريكي تراجع ثقة المستهلكين الذي عكسته القراءة الصادرة عن جامعة ميتشيجان.
وسجل مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن هذه الجامعة الأمريكية انخفاضًا بحوالي 3.3 نقطة ليصل إلى 50.3 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ نحو 3.5 سنوات، مقارنة بتوقعات الأسواق التي أشارت إلى 53.0 نقطة.
على الجانب الآخر، أظهرت بيانات جامعة ميشيغان لشهر نوفمبر أن توقعات التضخم على مدى عام واحد ارتفعت بشكل غير متوقع إلى 4.7%، مقارنة بتوقعات كانت تشير إلى ثبات عند 4.6%.
في المقابل، تراجعت توقعات التضخم على مدى 5 إلى 10 سنوات إلى 3.6%، وهو أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى 3.8%، والتي كان من شأنها أن تحد من هبوط الدولار الأمريكي.
الفيدرالي والتشديد الكمي
كما أسهمت تصريحات تميل إلى التشديد الكمي من عدد كبير من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، مما أدى إلى خسائر هامشية للعملة.
وصدرت تصريحات من نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي فيليب جيفرسون في دعم الدولار الذي أكد أن البنك المركزي يجب أن يتوخى الحذر في أي خفض إضافي للفائدة، مشيرًا إلى أن أسعار الفائدة لا تزال “تشديدية إلى حد ما” وأنه “من المنطقي التقدم ببطء نحو المعدل المحايد”.
وأكدت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن سوزان كولينز، ورئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند بث هاماك أنهما يفضلان الإبقاء على معدل الفائدة دون تغيير.
وقالت هاماك إنها لا تدعم أي خفض إضافي للفائدة ما لم يتغير الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى أن “التضخم المرتفع والمستمر ما زال قائمًا”.
وأوضحت كولينز مساء الأربعاء الماضي أن “الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية لفترة سيكون مناسبًا لتحقيق التوازن بين مخاطر التضخم والبطالة في ظل هذه البيئة شديدة عدم اليقين”.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي جيف شميدت إن خفض الفائدة لن يعالج مشاكل سوق العمل وقد يفاقم التضخم.
الأسهم الأمريكية
بعد 43 يومًا، انتهى الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة بتمرير مشروع قانون تمويل يمدد عمل المؤسسات حتى 30 يناير 2026.
وبموجب إنهاء هذه الحالة الاقتصادية الاستثنائية، يحصل الموظفون الفيدراليون على رواتبهم المتأخرة، كما عادت البرامج الأساسية مثل برنامج المساعدات الغذائية SNAP إلى العمل.
ويقدّر الاقتصاديون أن الإغلاق قلّص النمو الاقتصادي في الربع الرابع بنحو 1.5 نقطة مئوية، لتتراجع التوقعات إلى نطاق1.00%- 1.5% ومع ذلك، تشير التوقعات إلى تعافٍ تدريجي يبدأ في الربع الأول من 2026 ويستمر خلال العام.
في الوقت نفسه، يبدو أن قيادة السوق بدأت تتغير. فبعد أشهر من المكاسب القوية منذ أبريل، تعثرت أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في نوفمبر.
وتواجه شركات التكنولوجيا الكبرى مستويات أعلى من الديون وتحولًا نحو نماذج أعمال أكثر اعتمادًا على الأصول، مما يثير مخاوف بشأن هوامش الأرباح والتدفقات النقدية الحرة.
في ظل هذا المشهد، تزداد أهمية التنويع الاستثماري. إذ تظهر فرص خارج قطاع التكنولوجيا، في الأسهم الأميركية ذات القيمة السوقية الكبيرة والمتوسطة، إضافة إلى قطاعات الرعاية الصحية والصناعات وبعض أسواق الدول الناشئة.
هذه المجالات قد توفر توازنًا للمستثمرين الساعين إلى تقليص تعرضهم للتكنولوجيا مع الاستعداد للتعافي المتوقع في عام 2026.
مكاسب العملة الأوروبية الموحدة
أنهى اليورو تعاملات الأسبوع الماضي بمكاسب، مستغلًا ضعف الدولار الأمريكي علاوة على تصريحات داعمة للتوقف عن خفض الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي في الفترة المقبلة.
ويستفيد اليورو في الفترة الأخيرة من الفارق في السياسات النقدية بين البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
فبينما يُنظر إلى المركزي الأوروبي على أنه أنهى دورة خفض الفائدة، تشير التوقعات إلى أن الفيدرالي قد يُقدم على عدة تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة بحلول نهاية عام 2026، مما يقلل من جاذبية الدولار نسبيًا ويعزز اليورو.
كمل لعبت البيانات الاقتصادية دروًا كبيرًا فيما حققه اليورو من صعود، إذ أظهرت بيانات شهر سبتمبر أن الصادرات الألمانية ارتفعت بنسبة +1.4% على أساس شهري، متجاوزة التوقعات التي كانت تشير إلى +0.5%، وهو أكبر ارتفاع في عشرة أشهر.
كما ارتفعت الواردات بنسبة +3.1% على أساس شهري، مقابل توقعات عند +0.5%، وهو أعلى نمو في ثمانية أشهر.
وتمت مراجعة نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو للربع الثالث بالارتفاع من 1.3% إلى 1.4% على أساس سنوي، وهو ما يعكس أداءً أفضل نسبيًا للاقتصاد الأوروبي.
وشكّل الانخفاض المفاجئ في مؤشر توقعات النمو الاقتصادي لشهر نوفمبر (ZEW) في ألمانيا عامل ضغطًا سلبيًا على اليورو، إذ أظهر المؤشر تراجعًا غير متوقع في ثقة المستثمرين تجاه مستقبل الاقتصاد الألماني.
لكن العملة عوضت ذلك بالاستفادة من تباين السياسات النقدية بين بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي.
وقالت إيزابيل شنابل، عضوة لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، إن معدلات الفائدة الحالية “مناسبة تمامًا”.
وأوضحت شنابل أن هناك زخمًا إيجابيًا في اقتصاد منطقة اليورو، وأن مخاطر التضخم تميل قليلًا نحو الارتفاع، ما يعزز موقف البنك المركزي الأوروبي بعدم الحاجة إلى خفض إضافي للفائدة في الوقت الراهن.
الين الياباني مُحاط بانعدام اليقين السياسي المالي
شهد الين خسائر للأسبوع الثاني على التوالي مقابل الدولار الأمريكي بسبب انعدام اليقين المالي والسياسي في اليابان علاوة على البيانات الاقتصادية وحركة سعر عائدات السندات الأمريكية واليابانية والدولار الأمريكي.
يأتي هذا التراجع وسط مخاوف من أن رئيسة الوزراء اليابانية تاكايتشي ستتبنى سياسة مالية أكثر توسعية بعد إعلانها في وقت سابق من الأسبوع أنها ستتخلى عن هدف موازنة العامة السنوية.
ويُرجح اتباع سياسات مالية تيسيرية أن يواصل بنك اليابان سياسة التيسير الكمي التي تتعارض في الوقت الراهن مع ما يعلن البنك المركزي في الفترة الأخيرة أنه يستهدفه، وهو رفع الفائدة من أجل السيطرة على التضخم.
كما تنطوي سياسة التيسير الكمي على خطورة على مستويات الين الياباني الذي يعاين بالفعل من حالة من الضعف دفعت بالعملة إلى مستويات منخفضة مثيرة للقلق، وهو على الأرجح مع دفع وزير المالية الياباني إلى التعهد بدعم العملة.
لكن تصريحات ظهرت في الاتجاه المعاكس دعمت الين الياباني إلى حدٍ ما، إذ قالت وزيرة المالية الياباني كاتاياما: “نشهد مؤخرًا تحركات أحادية وسريعة في العملة”، في إشارة إلى احتمال تدخل الحكومة قريبًا في سوق الصرف لدعم الين.
كما أظهر مسح توقعات مراقبي الاقتصاد في اليابان لشهر أكتوبر الماضي ارتفاعًا أكبر من المتوقع، حيث صعد المؤشر بمقدار +4.6 نقطة ليصل إلى 53.1 نقطة، وهو أعلى مستوى في حوالي عامين، متجاوزًا التوقعات عند 48.8 نقطة.
وفيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية ارتفعت طلبات الميكنة اليابانية في أكتوبر بنسبة 17% على أساس سنوي، وهو أكبر ارتفاع في أكثر من ثلاث سنوات.
وعزز هذا الأداء الإيجابي الثقة في الاقتصاد الياباني، وكان عاملًا داعمًا لقوة الين.
لكن هذه المكاسب جاءت محدودة نظرًا لقوة الدولار الأمريكي رغم الخسائر الأسبوعية المحدودة التي تعرضت لها العملة الأمريكية.
كما تلقى الين دعمًا من ارتفاع عائدات سندات الخزانة اليابانية التي استفادت كثيرًا من ارتفاع أسعار المنتجين اليابانيين.
ورغم الضغوط التي شهدتها العملة اليابانية الأسبوع الماضي، يتوقع أن تبدأ الاستفادة من العوامل الإيجابية التي توافرت في تلك الفترة.
الذهب يحقق مكاسب أسبوعية رغم الضغوط
واصلت البنوك المركزية دعمها لأسعار الذهب، إذ أفاد بنك الشعب الصيني أن احتياطياته من الذهب ارتفعت في أكتوبر الماضي إلى 74.09 مليون أونصة، مما يشير إلى الزيادة للشهر الثاني عشر شهر على التوالي في احتياطيات الذهب الصينية.
كما كشف مجلس الذهب العالمي أن البنوك المركزية حول العالم اشترت 220 طنًا من الذهب في الربع الثالث، بزيادة قدرها 28% مقارنة بالربع الثاني.
ولا تزال المعادن الثمينة تحظى بطلب مستمر كملاذ آمن وسط الإغلاق الحكومي الأمريكي، وانعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، والمخاطر الجيوسياسية، وضغوط الشراء من البنوك المركزية، إلى جانب التوترات السياسية المحيطة باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
واستفاد المعدن النفيس أيضًا من الإغلاق الحكومي وما أثاره من مخاوف قبل التوصل إلى اتفاق ينص على تمويل مؤسسات الحكومة الفيدرالية.
وكان من بين العوامل التي ساعدت المعدن النفيس على تحقيق مكاسب بحوالي 2.00% الأسبوع الماضي صفقة سوفت بانك التي تضمنت بيع جميع ما تملكه الشركة اليابانية من أسهم إن فيديا.
أعلنت مجموعة سوفت بانك اليابانية عن بيع كامل حصتها في شركة إن فيديا الأمريكية للشرائح الإلكترونية في إطار صفقة بلغت قيمتها نحو 5.83 مليار دولار، وذلك في إطار توجهها لتعزيز استثماراتها في شركة أوبن إيه آي المطورة لتطبيق الذكاء الاصطناعي شات جي بي تي.
وأوضحت المجموعة في بيانها أنها باعت حصتها التي تبلغ قيمتها 32.1 مليون سهم في إن فيديا خلال شهر أكتوبر الماضي، كما تخلت عن جزء من حصتها في شركة تي موبايل مقابل 9.17 مليار دولار.
ورغم تأكيد الصفقة على أن الصفقة لن تشير بأي حال من الأحوال إلى إلى انسحابها من قطاع الذكاء الاصطناعي وأنها سوف تستثمر هذه الأموال في أوبن أيه آي، ظهرت مخاوف في الأسواق حيال مستقبليات الاستثمار في هذا القطاع.
وأسهم خطاب الفيدرالي، الذي جاء داعمًا في مجمله لتفادي المزيد من خفض الفائدة في الفترة الماضية، في زيادة الضغوط التي تعرض لها المعدن النفيس.
البيتكوين تتعرض لخسائر أسبوعية
أنهت عملة البيتكوين تعاملات الأسبوع الماضي بخسائر كبيرة، إذ تراجعت بنحو 9.00% نتيجة عزوف المستثمرين عن الأصول عالية المخاطر والمضاربات.
ولم يقتصر هذا التراجع على البيتكوين وحدها، بل امتد ليضغط على باقي العملات الرقمية والشركات المرتبطة بها.
وشهدت الأسواق موجة من الحذر مع تزايد المخاوف بشأن استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والمالي عالميًا، ما دفع المستثمرين إلى تقليص تعرضهم للعملات المشفرة. ويُنظر إلى هذا الانخفاض على أنه انعكاس مباشر لتحول السيولة نحو الأصول الأكثر أمانًا، مثل السندات الحكومية أو الذهب، في ظل تقلبات الأسواق.
كما أسهمت عوامل أخرى في هذا التراجع، من بينها ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، التي تزيد من جاذبية الدولار مقارنة بالعملات الرقمية، إضافة إلى استمرار الضغوط التنظيمية على قطاع العملات المشفرة في عدد من الأسواق الكبرى.
ورغم أن البيتكوين لا تزال تحافظ على مستويات مرتفعة نسبيًا مقارنة ببدايات العام، فإن خسائره الأخيرة أثارت تساؤلات حول قدرة السوق على استعادة الزخم الذي حققته العملات المشفرة في الأشهر الماضية.
ويُرجح أن استمرار الضغوط على السيولة العالمية، إلى جانب تشديد السياسات النقدية في بعض الاقتصادات، قد يحد من فرص تعافي سريع للعملات الرقمية.
باختصار، البيتكوين أنهى الأسبوع بخسائر تقارب 9.00%، نتيجة انسحاب المستثمرين من الأصول عالية المخاطر، وسط ضغوط تنظيمية وارتفاع عائدات السندات الأمريكية، وهو ما يعكس هشاشة السوق في مواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي.
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات