نور تريندز / مستجدات أسواق / أسواق الأسهم العالمية / الأزمة السياسية في فرنسا تكشف عن جذور مالية واقتصادية
الاقتصاد الفرنسي، الناتج المحلي
الاقتصاد الفرنسي، الناتج المحلي

الأزمة السياسية في فرنسا تكشف عن جذور مالية واقتصادية

فاجأ رئيس الوزراء الفرنسي المكلف سيباستيان ليكورنو الجميع بإعلان استقالته، وهو ما عرض أسواق المال العالمية لصدمة كبيرة فيما يتعلق بالمشهد السياسي في ثاني أكبر اقتصادات منطقة اليورو.

وقدّم رئيس الوزراء الفرنسي ليكورنو استقالته بعد أقل من شهر على توليه المنصب وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبول الاستقالة، ما أثار موجة من الاضطرابات الاقتصادية في ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وجاءت هذه الاستقالة، المعلنة بعد 27 يومًا فقط من تعيينه، لتعكس عمق حالة الجمود السياسي الراهن في فرنسا، وتثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار المالي في منطقة اليورو.

ومع انخفاض حاد في قيمة اليورو وارتفاع تكاليف الاقتراض، يبدو أن هذا الحدث ليس مجرد أزمة داخلية، بل إنذارًا لاقتصاد أوروبي يواجه تحديات متزايدة.

ماذا حدث؟

من التعيين السريع إلى السقوط المدوي، بدأت القصة في أواخر سبتمبر الماضي، عندما عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليكورنو رئيسًا للوزراء في محاولة لإنهاء أزمة سياسية ناجمة عن انتخابات برلمانية غير حاسمة.

و كان ليكورنو، الذي يُعتبر حليفًا مقربًا لماكرون، يُنظر إليه كخيار انتقالي لتشكيل حكومة قادرة على التعامل مع موزانة 2025 المثيرة للجدل.

رغم ذلك، سرعان ما واجه رفضًا برلمانيًا قويًا، خاصة من اليسار الذي هدد بتقديم مذكرة عدم ثقة. وفي خطوة درامية، أعلن ليكورنو استقالته اليوم الاثنين الموافق 6 أكتوبر، مما يجعله رابع رئيس وزراء يغادر منصبه خلال ولاية ماكرون، ويغرق البلاد في فوضى سياسية جديدة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاستقالة لم تكن مجرد حدث سياسي عادي، بل تعكس انقسامات عميقة في البرلمان الفرنسي، إذ يسيطر التحالف اليساري واليمين المتطرف على المقاعد، مما يعيق أي تقدم في المفاوضات.

ويرى خبراء في ذلك “أزمة مصداقية” لماكرون نفسه، الذي يواجه الآن خيارات صعبة مثل حل البرلمان أو الدعوة لانتخابات مبكرة، وهو ما قد يفاقم التوترات الاجتماعية في بلد يعاني بالفعل من احتجاجات وتضخم.

التداعيات الاقتصادية على فرنسا

أدت الاستقالة إلى رد فعل فوري في الأسواق الفرنسية، إذ انخفض مؤشركاك40 للبورصة الفرنسية بنسبة تصل إلى 2% في جلسة التداول الاثنين، مما محا ملايين اليورو من قيمة الشركات الكبرى مثل BNP Paribas  التي خسرت حوالي 4% من قيمتها.

وارتفعت عائدات السندات الحكومية الفرنسية لأجل 10 سنوات بنحو 11 نقاط أساس، لتصل إلى 3.59%، مما يعني زيادة في تكاليف الاقتراض للحكومة والشركات. هذا الارتفاع يعكس مخاوف المستثمرين من عدم القدرة على تمرير ميزانية مستقرة، خاصة مع عجز مالي يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى نطاق أوسع، يخشى الاقتصاديون أن يؤدي هذا الجمود إلى تأخير الإصلاحات الضرورية، مثل خفض الإنفاق العام وإصلاح نظام التقاعد، مما قد يعرض فرنسا لعقوبات من الاتحاد الأوروبي بسبب تجاوز حدود العجز.

 كما أن البنوك الفرنسية، التي تعتبر عماد الاقتصاد، تواجه ضغوطًا إضافية، حيث يتجه المستثمرون نحو أصول أكثر أمانًا مثل السندات الألمانية، مما يوسع الفجوة بين عوائد السندات الفرنسية والألمانية – وهو مؤشر كلاسيكي على المخاطر السياسية.

ضغوط على الاقتصاد الأوروبي

لم تقتصر التداعيات على فرنسا؛ فقد امتدت إلى اليورو، الذي انخفض بنسبة 0.7% مقابل الدولار الأمريكي ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 25 سبتمبر عند 1.1665 دولار، كما تراجع بنسبة 0.6% مقابل الدولار و0.3% مقابل الجنيه الإسترليني.

ويعكس هذا الانخفاض مخاوف أوسع من عدم الاستقرار في منطقة اليورو، إذ تُعتبر فرنسا عمودًا فقريًا للاقتصاد القاري.

وسمع تدفق رؤوس الأموال خارج اليورو نحو الأصول الآمنة، يحذر خبراء من أن هذا قد يعيق نمو الاتحاد الأوروبي ككل، خاصة في ظل تحديات مثل التضخم والركود الاقتصادي في ألمانيا.

ويرى مراقبون أن هذه الأزمة قد تكون “تحذيرًا عالميًا” من أن الأزمات السياسية قد تهدد الاقتصادات الكبرى، مع ارتباط الاستقرار الفرنسي مباشرة بأداء اليورو.

على سبيل المثال، ارتفعت تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل في منطقة اليورو، مما يضغط على البنوك المركزية للنظر في سياسات نقدية أكثر تشددًا. كما أن الجمود السياسي قد يؤثر على الثقة في الاتحاد الأوروبي، خاصة مع اقتراب مناقشات الميزانية الأوروبية المشتركة.

المستقبل بين المخاطر والفرص

مع تزايد الحديث عن انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة انتقالية، يبقى السؤال: هل ستتمكن فرنسا من تجاوز هذه العقبة؟

هناك مخاوف حيال أن يؤدي استمرار الجمود في السيطرة على المشهد السياسي الفرنسي إلى ركود أعمق، لكن آخرين يرون فيه فرصة لإصلاحات جذرية.

في النهاية، تكشف هذه الأزمة عن هشاشة الاقتصادات الأوروبية أمام الاضطرابات السياسية، مما يجعل المستثمرين يترقبون الخطوات التالية بتوتر شديد. إنها قصة لم تنتهِ بعد، وتداعياتها قد تشكل مستقبل القارة لسنوات قادمة.

أما فيما يتعلق بخطط ماكرون المستقبلية، فيبدو أنه يراهن على إجراء مفاوضات طارئة بقيادة ليكورنو نفسه خلال 48 ساعة لصياغة معادلة عمل تضمن الاستقرار.

وقد يلجأ في نفس الوقت إلى خيارات تشمل تعيين رئيس وزراء جديد أو الدعوة لانتخابات برلمانية، دون النظر في استقالته الشخصية بسبب قيود الفترتين الدستورية، في محاولة لإنقاذ مصداقية ماكرون كزعيم دولي.
مع ذلك، يأتي هذا في ظل أزمة اقتصادية ألمانية هيكلية تعصف بالمحرك التقليدي الأول لاقتصاد منطقة اليورو، حيث يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% للعام الثالث على التوالي بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، وتراجع الصادرات، وإفلاس آلاف الشركات.

وأدى ذلك إلى فقدان مئات الآلاف من الوظائف، مما يعمق الضغوط على اليورو ويجعل الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍّ مشترك يهدد بنشر الركود عبر القارة.

تحقق أيضا

الدولار الأمريكي

لماذا بدأ الدولار الأمريكي تعافيه الحالي بعد أسبوع من الخسائر؟

يحاول الدولار الأمريكي التعافي منذ مستهل التعاملات في الأسبوع الجديد، معتمدًا على بعض العوامل ذات …