نور تريندز / مستجدات أسواق / أسواق السلع Noor Trends / هل يصعد الفرنك السويسري على عرش الملاذ الآمن
الفرنك

هل يصعد الفرنك السويسري على عرش الملاذ الآمن

تشهد أسواق المال العالمية تحولات جذرية في النظرة إلى العملات التقليدية التي لطالما اعتُبرت أدوات تحوط موثوقة في أوقات الأزمات.

,مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتزايد التدخلات السياسية في السياسات النقدية، بدأت مكانة الدولار الأمريكي والين الياباني كعملتين ملاذ آمن تتعرض لضغوط متزايدة.

في غضون ذلك، يبرز الفرنك السويسري كلاعب صاعد في هذا المجال، مدعومًا باستقرار مؤسسي وسياسات نقدية أكثر تحفظًا.

ولطالما ارتبط الدولار الأمريكي بالثقة العالمية، بفضل حجمه في التجارة الدولية، ودوره كعملة احتياطية أولى في البنوك المركزية، إلى جانب قوة الاقتصاد الأمريكي.

إلا أن هذه المكانة بدأت تتآكل تدريجيًا، ليس بسبب ضعف اقتصادي مباشر، بل نتيجة عوامل مؤسسية وسياسية أثارت قلق المستثمرين الدوليين.

استقلالية الفيدرالي

أبرز هذه العوامل هو الجدل المتصاعد حول استقلالية بنك الاحتياطي الفيدرالي، خاصة في ظل محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل في تعيينات المجلس، ومحاولات إقالة بعض أعضائه، مما أثار مخاوف من تسييس السياسة النقدية، وتحولها إلى أداة خاضعة للسلطة التنفيذية.

وأثر هذا التوجه السياسي بشكل مباشر على ثقة المستثمرين في قدرة الفيدرالي على اتخاذ قرارات مستقلة في لحظات حرجة، وهو ما انعكس في أداء الدولار، الذي بدأ يفقد بعضًا من جاذبيته كعملة تحوط في أوقات عدم اليقين.

فبدلًا من أن يكون الدولار ملاذًا آمنًا، بات يُنظر إليه من قبل بعض المستثمرين على أنه عرضة للتقلبات السياسية، ما دفعهم إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم الدفاعية.

أعرب محافظ بنك كندا، تيف ماكليم، عن قلقه المتزايد إزاء الهجمات المتكررة التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، محذرًا من أن “هذه التصريحات بدأت تُحدث آثارًا ملموسة في الأسواق المالية”.

وقال ماكليم إن رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول “يؤدي عملًا جيدًا في ظل ظروف صعبة”، مؤكدًا أن “استقلالية البنوك المركزية في إدارة السياسة النقدية ترتبط تاريخيًا بتحقيق استقرار الأسعار بشكل أكثر فاعلية لصالح المواطنين”.

كما أعرب ماكليم عن قلقه إزاء تراجع الثقة في الدولار الأمريكي كأداة تحوط موثوقة، مشيرًا إلى أن العديد من المستثمرين باتوا ينظرون إليه على أنه أقل فاعلية في حماية محافظهم من المخاطر المالية.

الين الياباني

على الجانب الآخر، لدينا الين الياباني، أحد أصول الملاذ الآمن والتحوط ضد تقلبات الأسواق، الذي يواجه تحديات مختلفة. فالعوائد الحقيقية على الأصول المقومة بالين لا تزال ضعيفة، كما أن تدخلات بنك اليابان المتكررة في سوق العملات، ومحافظته على سياسة نقدية شديدة التيسير، قلّصت من جاذبية العملة في أعين المستثمرين الدوليين.

إضافة إلى ذلك، يعاني الاقتصاد الياباني من تباطؤ طويل الأمد، ومعدلات تضخم منخفضة، ما يجعل الين أقل قدرة على توفير حماية حقيقية في أوقات الأزمات.

في هذا السياق، بدأ الفرنك السويسري يلفت الأنظار كبديل محتمل.

فسويسرا تتمتع باستقرار سياسي ومؤسسي راسخ، إلى جانب نظام مصرفي متين، وسياسة نقدية أكثر تحفظًا من قبل البنك الوطني السويسري.

تعزز هذه العوامل مجتمعة من جاذبية الفرنك كعملة ملاذ آمن، خاصة في ظل تراجع الثقة في العملات الكبرى الأخرى.

وشهد الفرنك أداءً قويًا مقابل سلة من العملات الرئيسية، ما يعكس توجه المستثمرين نحو الأمان النسبي الذي توفره سويسرا.

سلوك المستثمرين

لا يقتصر التحول في سلوك المستثمرين على العملات فحسب، بل يشمل أيضًا إعادة توزيع الأصول الدفاعية، مثل الذهب والسندات السيادية ذات التصنيف المرتفع.

إلا أن ما يميز الفرنك السويسري هو قدرته على الجمع بين الاستقرار النقدي والسيولة النسبية، ما يجعله خيارًا جذابًا في بيئة تتسم بعدم اليقين.

من جهة أخرى، يرى بعض المحللين أن هذا التحول يعكس تغيرًا أعمق في النظرة إلى النظام النقدي العالمي.

فمع تراجع استقلالية البنوك المركزية في بعض الاقتصادات الكبرى، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، بات المستثمرون يبحثون عن أدوات تحوط لا ترتبط مباشرة بالقرارات السياسية أو التقلبات المؤسسية.

وهذا ما يفسر صعود الفرنك السويسري، ليس فقط كعملة قوية، بل كرمز للاستقرار في عالم مضطرب.

ويبدو أن مشهد العملات العالمية يشهد إعادة تشكيل تدريجية، حيث لم يعد الدولار والين يحتكران دور الملاذ الآمن، بل باتا يتقاسمانه مع عملات أخرى أكثر تحفظًا واستقلالية.

 وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فقد نشهد في السنوات المقبلة تحولًا أوسع في موازين الثقة النقدية، يكون فيه الفرنك السويسري في موقع القيادة.

تحقق أيضا

جيروم باول

باول يحذر من ارتفاع التضخم الناجم عن التعريفات الجمركية ويشير إلى تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة

أبرز رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي جيروم باول، في خطابه اليوم الثلاثاء، حول الآفاق الاقتصادية …