شكلت ثلاث مؤثرات ملامح حركة سعر الدولار الأمريكي على مدار أسبوع التداول الماضي الذي أنهته العملة الأمريكية في الاتجاه الهابط.
وكانت الإيجابيات التي تحققت للدولار الأمريكي ناتجة عن تفاؤل حيال مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين علاوة على بيانات التوظيف الإيجابية التي ظهرت الجمعة الماضية.
لكن تمرير قانون الخفض الضريبي، الذي يُعرف إعلاميًا “بمشروع القانون الكبير الجميل”، مما أدى إلى تصاعد مخاوف حيال عجز مالي هائل قد ينعكس سلبًا على مكانة الدولار بين أصول الملاذ الآمن.
وتراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية، إلى 96.96 نقطة مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي عند 97.00.
ألقت بيانات التوظيف الأمريكي على تحسن في أداء سوق العمل في الولايات المتحدة تحقق في يونيو الماضي، إذ ارتفع نمو الوظائف وتراجع معدل البطالة وارتفع نمو الأجور بوتيرة أبطأ.
وارتفع مؤشر التغير في القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة إلى 147000 وظيفة في يونيو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 144000 وظيفة، وهو ما جاء أعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى 110000.
وارتفع متوسط الكسب على أساس شهري في الساعة في يونيو الماضي بأقل القراءة السابقة وأدنى من المتوقع، إذ سجل 0.2% مقابل قراءة مايو الماضي التي سجلت 0.4%، وهو ما جاء أدنى من توقعات السوق التي أشارت إلى 0.3%.
وارتفعت القراءة السنوية للمؤشر بأقل من التوقعات إلى 3.7% في يونيو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 3.8%. وكانت توقعات السوق قد أشارت إلى ارتفاع إلى 3.9%.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع معدل نمو الوظائف وتراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة، لكن المحرك الإيجابي الأقوى للأسهم الأمريكية كان الارتفاع الذي جاء أدنى من توقعات السوق في نمو الأجور الذي يعطي إشارات إلى الأسواق ترجح إمكانية عدم تسجيل التضخم لارتفاعات كبيرة في الفترة المقبلة.
وتعمل هذه الإشارات على توصيل رسالة واضحة إلى المستثمرين الذين يرون في الوقت الراهن أن الفيدرالي تمكن بالفعل من تحقيق سيناريو الهبوط المرن الذي يتضمن خفض التضخم دون الدخول باقتصاد البلاد في دوامة الركود.

مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة – شهري – المصدر: مكتب إحصاء العمالة
تفاؤل تجاري
رغم المخاوف التي عكستها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد الأسبوع الماضي حول صعوبة التوصل إلى اتفاق تجاري مع اليابان، أعلن الرئيس الأمريكي الانتهاء من اتفاق بين بلاده وفيتنام يحكم التبادل التجاري بين البلدين.
وتضمن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وفيتنام فرض تعريفة جمركية على واردات الولايات المتحدة من فيتنام بقيمة 20%، وفقًا لوسائل إعلام فيتنامية.
يأتي هذا المستوى من الرسوم الجمركية ليكون أقل من الرسوم الأولية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على وارداتها من هذه الدولة من دول جنوب شرق آسيا الذي سجل 46%.
كما تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على الواردات التي تأتي إليها من فيتنام على متن السفن العابرة، وهي الشحنات التي تُنقل من سفينة إلى أخرى لعدم وجود طريق مباشر بين بلد المنشأ وبلد الوجهة.
وقال سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكية إن الرئيس الأمريكي سوف “يرسل خطابات إلى بعض الشركات التجاريين “، متوقعًا أن يبدأ العمل بالتعريفات الجمركية بنفس المستويات التي تم الإعلان عنها في إبريل الماضي بداية من الأول من أغسطس المقبل بالنسبة للدول التي لم تتوصل إلى اتفاقات تجارية مع الجانب الأمريكي.
لكن بيسنت رفض أن يكون الأول من أغسطس المقبل “موعدًا نهائيًا جديدًا، لكنه فقط إجراء يعطي الدول التي لم تتوصل إلى اتفاقات تجارية المزيد من الوقت للتفاوض”.
وتوقع أيضًا أن يتم الإعلان عن “اتفاقات هامة عديدة” على مدار الأيام القليلة المقبلة فيما يتعلق بالشأن التجاري.
وقال: “نحن من يحدد متى سيحدث هذا، فإذا كنت تريد الإسراع من وتيرة ما يحدث، فلك ذلك، وإذا كنت تفضل العودة إلى الوتيرة السابقة، فهذا قرارك”، مخاطبًا الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
القانون “الكبير الجميل”
يجمع قانون “الكبير الجميل” بين خفض ضريبي شامل، وإصلاحات في الإنفاق، وسياسات مثيرة للجدل، مما أثار نقاشات حادة بسبب إمكانية إضافة أكثر من 3.3 تريليون دولار إلى الدين الوطني.
ومع انتقال القانون إلى مرحلة التنفيذ، تخضع آثاره الواسعة للتدقيق من قبل الأسواق وصناع السياسات والجمهور، الذين يترقبون وضوحًا بشأن تنفيذه وتأثيراته الاقتصادية.
ويتضمن “القانون الكبير الجميل”، المعروف أيضًا بقانون الخفض الضريبي، عدة بنود رئيسية تهدف إلى تحقيق وعود ترامب الانتخابية. يشمل تمديدًا دائمًا لتخفيضات الضرائب لعام 2017، وتخفيضات كبيرة في معدلات الضرائب على الشركات، وإعفاءات ضريبية جديدة تستهدف بشكل أساسي أصحاب الدخل المرتفع والشركات.
كما يخصص القانون تمويلًا كبيرًا للبنية التحتية وأمن الحدود، بما في ذلك تدابير مثيرة للجدل تتعلق بتطبيق قوانين الهجرة.
قانون لصالح الأسهم
تأثرت أسواق الأسهم الأمريكية بقانون ترامب للإعفاءات الضريبية والإنفاق العام. لكنها على النقيض من الدولار الأمريكي، تلقت أثرًا إيجابيًا من هذا القانون.
فمن شأن الإعفاءات الضريبية أن تؤدي إلى انتعاش في نشاط الشركات وزيادة في نموها على المستويين الإنتاجي والمالي بسبب تراجع تلك الحصة من الإيرادات التي تُوجه إلى سداد الضرائب.
كما يتوقع أن يؤدي هذا القانون إلى زيادة كبيرة في استثمارات الأعمال سواء على المستوى المحلي أو الأجنبي.
ويتوقع أيضًا أن ينتج عن الزيادة الهائلة، بموجب هذا القانون، إلى زيادة في النمو نظرًا لانتعاش النشاط الاقتصادي بسبب المشروعات التي يُوجه إليها هذا الإنفاق.
حققت الأسهم الأمريكية ارتفاعات قياسية الأسبوع الماضي، إذ أضافت داو جونز الصناعي، وستاندردز آند بورس500، وناسداك100 المركب للصناعات التكنولوجية الثقيلة مكاسب بحوالي 2.3%، و1.7%، و1.6% على الترتيب.
حقق اليورو مكاسب كبيرة على أساس أسبوعي في ختام تعاملات الأسبوع (30-6 / 04-07) وذلك استنادًا إلى ضعف الدولار الأمريكي.
ورغم الإيجابيات التي كان من المفترض أن تأتي في صف العملة الأمريكية، شهدت أوائل التعاملات الأسبوع الماضي تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجح خلالها أنه قد لا يتم التوصل إلى اتفاق تجاري بين بلاده واليابان في وقتٍ قريبٍ.
كما مرر مجلس النواب الأمريكي مشروع القانون الذي أطلق عليه ترامب “الكبير الجميل”، والذي أصاب الدولار الأمريكي بالمزيد من الضعف بسبب مخاوف انفجار الدين الأمريكي.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، توالى ظهور بيانات سلبية، أبرزها ارتفاع التضخم بأقل من التوقعات وهبوط مبيعات التجزئة في ألمانيا.
الذهب
أنهى الذهب تعاملات الأسبوع الماضي في الاتجاه الهابط متأثرًا بتراجع الطلب على أصول الملاذ الآمن.
وسيطر التفاؤل على الأسواق بعد التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة وفيتنام، والذي أدى إلى خفض التعريفة الجمركية على واردات الولايات المتحدة من 46% إلى 20% على أغلب هذه الواردات.
كما أشاعت بيانات التوظيف الأمريكية المزيد من التفاؤل عقب تأكيدها على الارتفاع في معدل نمو الوظائف وتراجع البطالة علاوة على ارتفاع محدود دون التوقعات لنمو الأجور، مما يبدد مخاوف الإضافة إلى الضغوط التضخمية الحالية.
وسجل الذهب خسائر أسبوعية بواقع 1.6% ليستقر في نهاية الأسبوع الماضي عند 3325 دولار للأونصة.

نسبة الدين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي – المصدر: بنك الاحتياطي الفيدرالي
العملات المشفرة
نظرًا للعلاقة الطردية بين العملة المشفرة الأوسع انتشارًا على مستوى العالم، تمكنت البيتكوين من الصعود تزامنًا مع الارتفاعات القياسية التي حققها مؤشر ستاندردز آند بورس500.
بذلك تكون العملة الأكبر من حجم التداول بين الأصول الرقمية قد استفادت كثيرًا من إعلان الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وفيتنام.
وأعلن رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب فرينش هيل عن ولاية أركنساس، ورئيس لجنة الزراعة بالمجلس جي تي طومسون عن ولاية بنسلفانيا إلى جانب قيادات المجلس أن الأسبوع الذي يبدأ في 14 يوليو الجاري سيُخصص لمناقشة قضايا العملات الرقمية، تحت عنوان “أسبوع الكريبتو”.
ومجلس النواب إلى مناقشة قانون “الوضوح التنظيمي” (CLARITY Act)، وقانون مكافحة الرقابة المرتبطة بالعملة الرقمية للبنك المركزي (Anti-CBDC Surveillance State Act)، إلى جانب قانون “جينياس” (GENIUS Act) الذي أقره مجلس الشيوخ، وذلك ضمن جهود الكونجرس لتحويل الولايات المتحدة إلى مركز عالمي لقطاع العملات المشفرة.
وكانت هذه الأخبار أيضًا مصدرًا لدفعة إضافية للبيتكوين، التي حققت مكاسب أسبوعية بحوالي 0.8%، التي رأى المستثمرون فيها أن الأصول الرقمية تقترب من المزيد من الشرعية.
الأسبوع الجديد
يشهد الأسبوع الجديد أحداثًا هامة، تتصدرها نتائج اجتماع الفيدرالي التي تأتي وسط توقعات بأن تؤكد على الرسائل التي بعث بها جيروم باول، رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في عدة مناسبات في الفترة الأخيرة.
وقد تكون كلمة “الانتظار” هي الأكثر تعبيرًا ودلالةً على النهج الحالي للبنك المركزي، إذ كرر باول أن الفيدرالي ملتزم بالانتظار قبل أي تحرك بمعدل الفائدة حتى تتكون لديه صورة أوضح.
كما يحل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترامب كتاريخ لنهاية الفترة التي علق خلالها العمل بالتعريفة الجمركية لمدة 90 يومًا.
وشهدت نهاية الأسبوع الماضي تطورات على هذا الصعيد، إذ رجح وزير الخزانة الأمريكي إمكانية أن يمتد الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق بالنسبة للشركاء التجاريين الذين لم يتوصلوا لصفقة بعد إلى الأول من أغسطس المقبل.