يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مخلص للسيناريو الذي يتبعه في التعامل مع قضايا التبادل التجاري، وهو الثابت في أكثر من حالة، آخرها التهديدات التي أطلقها بزيادة التعريفة الجمركية على أوروبا.
وفي الخطوة التالية من هذا السيناريو، يبدأ قبول الرئيس الأمريكي بإجراء أقل حدةً، غالبًا تأجيل العمل بقراره الأول. وبالفعل تحقق ذلك بعد إعلان مسؤولين أوروبيين أن الاتحاد الأوروبي مستعد تمام الاستعداد للرد على التهديدات الأمريكية.
يلي ذلك، التهديد بالتصعيد، ظهور إشارات إلى استعداد البيت الأبيض للتراجع عن موقفه إلى حدٍ ما. لكن هذا التراجع لا يكون بشكل صريح، إذ يأتي في شكل تأجيل مؤقت للقرارات الصارمة التي أعلنها ترامب في بداية الأمر.
وتكرر هذا السيناريو مع عدة دول، أبرزها الصين التي توصلت إلى اتفاق تجاري مؤقت مع الصين يتضمن إرجاء العمل بالتعريفة الجمركية المتبادلة بين الجانبين وخفضها بشكل مؤقت.
وعلى الرغم من ذلك، تظل هذه الاتفاقات ضعيفة الأثر إلى حدٍ كبيرٍ مقارنة بالإجراءات التي تم اتخاذها بالفعل في شكل تعريفات جمركية فرضتها الولايات المتحدة على شركائها التجاريين واستجابة هؤلاء الشركات بتعريفات مضادة.
لذلك، لا تزال هناك توقعات بأن يبدأ الأثر السلبي على الاقتصاد العالمي جراء السياسات التجارية لإدارة ترامب في الظهور في وقتٍ قريبٍ.
رد فعل الأسواق
شاهدنا في الفترة الأخيرة، تحديدًا منذ بداية إعلان قرارات التعريفة الجمركية فيما يُعرف “بيوم التحرير” الذي أسماه ترامب بذلك في الثاني من إبريل الماضي، ردود أفعال سلبية للغاية من كل من الدولار الأمريكي والأسهم الأمريكية على حدٍ سواء.
يأتي هبوط الدولار الأمريكي بسبب كونه العملة التي تمثل الاقتصاد في الولايات المتحدة التي بدأت الإدارة فيها تطبيق سياسات تجارية
ضارة بالتجارة الحرة، وهو ما أدى إلى تعرض العملة الأمريكية لخسائر كبيرة.
وعلى صعيد الأسهم الأمريكية، تراجعت إلى حدٍ كبير هي الأخرى – بلغت خسائر بورصة نيويورك منذ بداية هذا العام وحتى الآن 22% – بسبب تصاعد توقعات بارتفاع التضخم وعودته إلى مستويات مثيرة للقلق تهدد بتبديد الجهود التي بذلها بنك الاحتياطي الفيدرالي على مدار السنوات القليلة الماضية. ويتأتى ارتفاع التضخم بسبب التعريفة الجمركية من خلال زيادة الأسعار بالنسب التي تُفرض بها التعريفة الجمركية، والتي تُمرر إلى المنتجين والمستهلكين في الولايات المتحدة.
لكن عائدات الخزانة الأمريكية ارتفعت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة بسبب التعريفة الجمركية، وذلك لأن التعريفة الجمركية تعمل على تقويض الثقة بعض الشيء في سندات الخزانة الأمريكية، مما يدفع المستثمرين إلى بيعها وهبوط قيمتها.
وهناك علاقة عكسية بين قيمة هذه السندات والعائدات عليها، وهو ما أدى إلى ارتفاع العائدات بعد هبوط القيمة في الفترة الأخيرة.
تهديدات ترامب
وكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي الجمعة قال فيه: “محادثاتنا معهم لا تُسفر عن أي نتيجة!”، مؤكداً أن الرسوم الجمركية الجديدة سيبدأ العمل بها في الأول من يونيو المقبل.
لكن عناوين الأخبار التي استقبلتها الأسواق في اليوم الأول من تعاملات الأسبوع الجديد أشارت إلى موافقة الرئيس الأمريكي على تمديد العمل بخفض التعريفة الجمركية على المنتجات الأوروبية بقيمة 50% إلى 9 يوليو المقبل بدلا من الأول من يونيو المقبل.
كما أنه من الملاحظ أن الإدارة الأمريكية تتعمد فرض تعريفات جمركية مختلفة من دولة لأخرى من حيث الحجم وقيمة العجز التجاري مع كل منها وغير ذلك من العوامل. ويرجح أنها تفعل ذلك من أجل عزل كل دولة على حدة حتى تتمكن من التعامل معها بسهولة.
ويبدو أن واشنطن تتبع هذا النهج خشية أن تواجه رد فعل موحد من جميع الاقتصادات في الدول المتقدمة والناشئة، وهو ما ليس لها قبل بمواجهته.
لذلك يعمل ترامب على فرض تعريفة جمركية مختلفة من دولة لأخرى ويدخل بفريقه التجاري في محادثات تجارية مع كل دولة على حدة حتى يتمكن من التغلب عليها وإملاء شروطه لأنه إذا فرض تعريفة جمركية بنفس القيمة على كل الدول ولم تكن هناك استثناءات أو إعفاءات، فقد يعرضه ذلك لمواجهة تكتل من أكبر الشركاء التجاريين حول العالم، وهو ما قد يعرض الولايات المتحدة لخسارة الحرب التجارية التي شنها رئيسها على أغلب الاقتصادات المتقدمة والناشئة.