كان أسبوع التداول الماضي حافلًا بالأحداث العامة التي تضمنت تطورات على صعيد السياسات التي من المتوقع أن تتبعها إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأخرى تتعلق بالمسار المستقبلي للبنوك المركزية يتقدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي. وجاء النوع الثالث من التطورات ليعكس الأثر الذي عكسته البيانات الاقتصادية الأمريكية الأكثر أهمية على مدار الشهر. وكانت أسهم وول ستريت بين الخاسرين في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي لحساب الدولار الأمريكي والذهب.
كما شهت منطقة اليورو تطورات على صعيد البيانات، أبرزها مؤشرات التضخم في أسعار المستهلكين. وصدرت تصريحات من قبل عدد من الزعماء الأوروبيين تهم الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مالك موقع “X” للتواصل الاجتماعي وشركة تيسلا العملاقة للسيارات الكهربائية، بأنه يمارس بعض الأنشطة التي ستهدف التدخل في انتخابات ألمانيا، أكبر اقتصادات منطقة اليورو.
وتستمر وسائل إعلام عالمية كبرى في عرض محتوى يتضمن تكهنات بما يمكن أن يفعله فريق ترامب في المستقبل القريب على صعيد السياسات الاقتصادية والسياسية، خاصة التعريفة الجمركية الإضافية التي تعتزم الإدارة الجديدة تطبيقها على الواردات الأمريكية من مختلف دول العالم.
وفيما يتعلق بالمشهد السياسي أيضًا، تقدم رئيس وزراء كندا جاستن ترودو باستقالته بسبب خلافات داخلية بينه وبين قياديين في حزبه. ولا يزال هناك بعض الوقت أمام كندا حتى يتم اختيار قيادة جديدة للحزب الحاكم والحكومة، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى تدهور الأصول الكندية بسبب انعدام اليقين.
التعريفة الجمركية
ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرًا أشار إلى أن مساعدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب يدرسون خطط التعريفات الجمركية الشاملة لتغطي الواردات الأساسية فقط، وهو المخطط – الذي حال تنفيذه – قد يخفف من وطأة القيود التجارية لإدارة ترامب على التجارة العالمية بسبب ما يمكن أن يحدث من تراجع في الضغوط التضخمية إلى حدودٍ أقل من المتوقع.
وكان لهذه الأنباء صدى إيجابيًا على تعاملات أصول المخاطرة في أسواق المال العالمية، أهمها الأسهم الأمريكية وغيرها من الأصول التي تستفيد من التفاؤل لدى المستثمرين. لكن سرعان ما زال هذا الأثر بعد ظهور تقارير سلبية تتناول نفس القضية.
ونشرت شبكة “سي إن إن” الإخبارية تقريرًا ألقى الضوء على أنه قد تكون هناك محاولات من فريق ترامب للتعجيل بوضع التعريفة الجمركية الإضافية في حيز التنفيذ قبل أي شيء آخر من سياسات ترامب الاقتصادية والتجارية.
وذكرت “سي إن إن” أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يدرس في الوقت الحالي إعلان حالة طوارئ وطنية اقتصادية من أجل البدء في العمل بالتعريفة الجمركية الإضافية التي يخطط هو وفريقه لفرضها في الفترة المقبلة.
ومن المعروف أن التعريفة الجمركية من أهم السياسات الاقتصادية التضخمية لإدارة ترامب، والتي تعتزم الإدارة الجديدة اتباعها في الفترة المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن هذه التعريفات والقيود التجارية من شأنها أن ترفع تكلفة المنتجات والسلع التي تستوردها الولايات المتحدة، وهي الزيادة التي تُمرر إلى المستهلك في الولايات المتحدة، ومن ثم يرتفع التضخم.
نتائج اجتماع الفيدرالي
قالت نتائج اجتماع الفيدرالي الصادرة الأربعاء إن “المسؤولين في الفيدرالي يضعون في حساباتهم التغيرات المحتملة على صعيد السياسات التجارية وسياسات الهجرة، وذلك أثناء مشاركتهم في إعداد التقديرات الاقتصادية”.
وحذر بعضهم من أن “السياسات التجارية للرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تجعل من الصعب التعامل مع قراءات التضخم في الفترة المقبلة”. كما رأى صناع السياسة النقدية في الفيدرالي أن هناك ضرورة لاتباع منهج حذر في ربع السنة المقبل.
وتوقع صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى حدٍ ما مع ارتفاع معدل البطالة قليلًا عن التوقعات الأساسية السابقة بعد النظر إلى دفعات البيانات الصادرة في الفترة الأحيرة علاوة على احتمالات التغييرات السياسية المحتملة من الإدارة القادمة للولايات المتحدة.
وأضافت النتائج: “أشارت المعلومات المتاحة وقت الاجتماع إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي استمر في الزيادة بوتيرة قوية في 2024. كما تحسنت أوضاع سوق العمل منذ أوائل العام الماضي، لكن معدل البطالة ظل منخفضًا. وكان معدل التضخم في أسعار المستهلك أقل من مستوياته قبل عام لكنه لا يزال مرتفعًا إلى حد ما”.
بيانات التوظيف الأمريكية
سجل مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة (NFP) ارتفاعًا بـ256000 وظيفة في ديسمبر الماضي مقابل القراءة المسجلة الشهر السابق عند 212000 وظيفة التي روجعت من القراءة الأصلية التي سجلت 227000 وظيفة، وفقا للبيانات الصادرة عن معهد إحصائيات العمالة الأمريكي. في نفس الوقت، شهد نمو الأجور والبطالة تراجعًا في ديسمبر الماضي.
وفاقت القراءة الفعلية لديسمبر الماضي توقعات الأسواق التي أشارت إلى إمكانية تسجيل زيادة في نمو الوظائف الأمريكية بواقع 166000 وظيفة.
كما سجلت قراءة مؤشر متوسط الكسب في الساعة، الأكثر مصداقية في قياس نمو الأجور الأمريكية، ارتفاعًا بـ0.3% في ديسمبر الماضي، وهو ما جاء أدنى من القراءة السابقة التي ارتفعت بـ0.4%. لكن هذا التراجع جاء متوافقًا مع توقعات السوق، وفقًا للقراءة الشهرية للمؤشر.
وارتفعت القراءة السنوية للمؤشر بـ3.9% الشهر الماضي مقابل القراءة الصادرة في نفس الشهر من العام الماضي التي سجلت ارتفاعًا أكبر بـ4.00%، وهو جاء أدنى من توقعات الأسواق.
وكان وقع هذه البيانات سلبيًا على الأسواق، إذ أدى النمو الحاد في الوظائف الأمريكية إلى ظهور تكهنات بأن التحسن الحاد في نمو الوظائف الأمريكية كان صادمًا للأسواق نظرا لشدته وتجاوزه حدود التوقعات بشكل كبير، مما اثار تكهنات بإمكانية توقف الفيدرالي عن خفض الفائدة حتى نهاية هذا العام.
استقالة ترودو
أعلن جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، الثلاثاء أنه سيستقيل من منصبه كرئيس لوزراء كندا وزعيم للحزب الليبرالي في البلاد بعد أسابيع من الضغوط المتزايدة للتنحي.
وتأتي الاستقالة لتنهي مرحلة هامة من حياة ترودو المهنية في عالم السياسة بدأ في 2015 عندما أعاد الليبراليين إلى السلطة بعد غيابهم عنها وابتعادهم عن مسرح العمل السياسي في كندا لسنوات.
وأكد ترودو إنه سيظل على رأس الحزب لحين اختيار زعيم ليبرالي جديد، وهو ما يجعل الأنظار تتجه إلى المرشحين لخلافة رئيس الوزراء المستقيل في منصبه، وكيف تدير الحكومة الحالية البلاد لحين الانتهاء من الانتخابات الفيدرالية.
وأكد رئيس الوزراء المستقبل إن الحاكم العام للبلاد قبل طلبه تعليق البرلمان – الذي يعني وقف جميع الإجراءات التي يقوم بها من مناقشات وتصويت دون أن حل المجالس النيابية. ويعني اللجوء إلى ذلك، أو ما يُعرف “بالبرلمان المؤجل” أن تتوقف جميع أعمال البرلمان. ورغم أنه إجراء روتيني، إلا أن الحكومات تستخدمه لكسب الوقت أثناء الأزمات السياسية. وتتوقف جميع أعمال البرلمان الكندي، أو بالأحرى يتم تجميد أعمال البرلمان، حتى 24 مارس المقبل.
وسبق لإدارة ترودو نفسها أن لجأت إلى هذا الإجراء في أغسطس 2020 عندما واجهت حكومته فضيحة أخلاقية بشأن تعلمها مع عقد ضخم أبرمته مع إحدى المؤسسات الخيرية.
ومن المتوقع أن تحاول الكتلة الليبرالية إيجاد زعيم جديد لها بحلول نهاية فترة التمديد ولا تزال الكتلة البرلمانية الحاكمة في البلاد تفتقر إلى رؤية واضحة عن كيفية اختيار قائد جديد للبلاد، وهو ما قد يزيد من انعدام اليقين حيال مستقبل المشهد السياسي في البلاد. وقد ينعكس ذلك سلبًا على أسواق المال والأصول المتداولة فيها، خاصة الدولار الكندي.
العملات المشفرة
ختمت العملات المشفرة الرئيسية تعاملات الأسبوع الماضي في الاتجاه الهابط متأثرة بأحد أهم التحركات على صعيد عملة واعدة منها علاوة على الارتفاع الكبير للدولار الأمريكي استنادًا إلى بيانات التوظيف الأمريكية.
وتكبدت الدوجكوين خسائر بحوالي 12.00% من قيمتها الأسبوع المنتهي في العاشر من يناير الجاري مقارنةً بالإغلاق الأسبوعي الماضي.
وواصلت ملة الدوجكوين الهبوط منذ حتى ختام تعاملات الأسبوع الماضي بعد أن دخلت في حركة عرضية تسبت في خسائر بحوالي 3.00% للعملة التي يدعمها الملياردير مالك تيسلا والعضو في إدارة ترامب إيلون ماسك، وذلك بعد أن وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماسك اتهامات صريحة بالتدخل في الانتخابات الألمانية.
ووجه ماكرون اتهامات لماسك تتضمن أنه يستخدم موقع “إكس” للتواصل الاجتماعي، تويتر سابقًا، المملوك له في التدخل من أجل التأثير في نتائج الانتخابات في ألمانيا، أكبر اقتصادات منطقة اليورو، وهي الاتهامات التي أثرت كثيرًا على أداء الدوجكوين.
على صعيد متصل، خسرت البيتكوين حوالي 4.00% من قيمتها الأسبوع الماضي بسبب ارتفاع الدولار الأمريكي عقب بيانات التوظيف التي ألقت الضوء على أن هناك إمكانية للتوقف عن خفض الفائدة الفيدرالية هذا العام، وهو ما يلعب لصالح العملة الأمريكية ويولد المزيد من الضغط على العملة المشفرة الأكثر أهمية في أسواق الأصول الرقمية.
رد فعل الأسواق
أنهى الدولار الأمريكي تعاملات الأسبوع الماضي بصعود كبير بعد أن أحسن استغلال التقارير عن إمكانية التعجيل بالعمل بالتعريفات الجمركية الإضافية الجديدة بموجب إعلان محتمل للطوارئ الاقتصادية علاوة على استفادة العملة الأمريكية من بيانات التوظيف التي أثارت تكهنات بإمكانية أن يتوقف الفيدرالي عن خفض الفائدة هذا العام بسبب استمرار قوة سوق العمل في الولايات المتحدة.
وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية الستة، إلى 109.68 نقطة مقابل الإغلاق الأسبوعي الماضي الذي سجل 108.68 نقطة. وبلغ المؤشر أعلى مستوى له في الأسبوع الماضي عند 109.70 مقابل أدنى المستويات الذي سجل 107.84 نقطة.
في المقابل، أنهى داو جونز الصناعي تعاملات الأسبوع الماضي بهبوط بعد أن خسر حوالي 1.6% مقارنة بأداء الأسبوع السابق بضغط من نفس العوامل التي أدت إلى ارتفاع العملة الأمريكية. كما خسر ستاندردز آند بورس500 حوالي 72 نقطة أو 1.6% مع خسائر ناسداك للصناعات التكنولوجية الثقيلة التي بلغت 1.7% أو 400 نقطة.
وكان للذهب قصة مختلفة بعض الشيء، إذ تخلى عن علاقته العكسية بالدولار الأمريكي ليحقق مكاسب بحوالي 2.5%، مستندًا إلى تقارير تتوقع المزيد من ارتفاع معدل مشتريات البنوك المركزية توقعات بزيادة كبيرة في الطلب الصناعي على المعدن النفيس.
وتوقعت مؤسسة “آي سي آي سي آي سيكيوريتيز” أن يرتفع الذهب والفضة إلى مستويات قياسية جديدة بسبب “زيادة في مشتريات البنوك المركزية حول العالم علاوة على مخاوف الحرب التجارية المتوقعة والزيادة المحتملة في الطلب الصناعي على الذهب”.
وأشار تقرير شركة الخدمات المالية إلى أن التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا وممارسات تنويع الاحتياطيات النقدية للبنوك المركزية الرئيسية يرجح أن تكون من أهم العوامل التي هامة التي من شأنها تؤدي إلى ارتفاع الذهب.
وعلى الرغم من الصعود الذي حققته العملة الأوروبية الموحدة عقب ارتفاع التضخم في منطقة اليورو على مستوى أسعار المستهلك، أدت قوة الدولار الأمريكي والتقارير السلبية عن التعريفة الجمركية لإدارة ترامب إلى خسائر أسبوعية للعملة الأوروبية الموحدة.
وسجل التضخم السنوي الألماني ارتفاعًا بـ2.6% الشهر الماضي مقابل قراءة الشهر السابق التي سجلت 2.2%، وهو ما فاق توقعات السوق التي أشارت إلى 2.4%. وارتفع مؤشر أسعار المستهلك الألماني على أساس شهري بـ0.4% في ديسمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.2-%، وهو أيضًا ما جاء أعلى من التوقعات التي أشارت إلى 0.3%.
الأسبوع الجديد
تنتظر الأسواق في الأسبوع الجديد الكثير من الأحداث الهامة، والتي تتضمن تقارير التضخم على مستوى أسعار المستهلك في الولايات المتحدة، وبيانات مبيعات التجزئة الأمريكية علاوة على تصريحات عدد من صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
كما تشهد هذه الفترة إصدار تقارير أرباح الربع الأخير ن 2024 لعمالقة القطاع المالي، أبرزهم جيه بي مورجان تشايز، وجولدمان ساكس، وويلز فارجو، وبلاكروك، وسيتي جروب، وبنك نيويورك ميلون.