يتمتع تقرير الوظائف الأمريكية هذا الشهر بأهمية استثنائية لأنه ببساطة يمثل الدفعة الأولى من بيانات التوظيف الأمريكية التي تصدر عقب خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة للمرة الأولى في أربع سنوات انشغل خلالها البنك المركزي خلالها بتحقيق استقرار الأسعار ومقاومة التضخم باستخدام رفع الفائدة كسلاح أساسي في حربه ضد ارتفاع الأسعار.
تصدر في وقت لاحق اليوم الجمعة بيانات التوظيف الأمريكية الأهم على مدار الشهر وسط توقعات بتراجع كبير في نمو الوظائف في الولايات المتحدة مع ثبات في معدل البطالة إضافة إلى تراجع محدود في نمو الأجور.
وفي الجمعة الأولى من كل شهر تصدر بيانات التوظيف، في مقدمتها مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية الأمريكية، والذي يضبط إيقاع الأسواق على مدار الشهر بعد أن يلقي الضوء على أوضاع سوق العمل الأمريكي الذي يرسم صورة واضحة لأداء أكبر اقتصادات العالم.
وتشير أغلب التوقعات في الأسواق إلى إمكانية إضافة الاقتصاد الأمريكي 140000 وظيفة في أغسطس الماضي، مما يشير إلى تراجع في نمو الوظائف مقارنة بالقراءة السابقة التي سجلت 142000 وظيفة.
كما تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع نمو الأجور على أساس شهري بواقع 0.3% مقابل القراءة السابقة لمؤشر متوسط الكسب في الساعة التي سجلت 0.4%. وعلى أساس سنوي، لا يتوقع أن يكون هناك تغيير في نمو الأجور، إذ يرجح أن يسجل المؤشر نفس المستوى المسجل الشهر السابق عند 3.8%.
الفيدرالي وسوق العمل
دأب الفيدرالي في الفترة الماضية، حتى اتخاذ القرار بالخفض الأول للفائدة في أربع سنوات في اجتماع سبتمبر الماضي، على الحديث عن تحسن أوضاع سوق العملة على أنه أحد العوامل السلبية التي من شأنها أن تحد من نجاحه في إخضاع التضخم في الولايات المتحدة وخفضه إلى هدف البنك المركزي المحدد بـ2.00%.
لكن عقب إعلان خفض الفائدة استخدم الفيدرالي لغة جديدة في الحديث عن أوضاع سوق العمل الأمريكي – سواء في بيان الفائدة أو في تصريحات رئيس مجلس محافظي البنك المركزي جيروم باول – تضمنت ضرورة دعم سوق العمل وضمان تحسن أوضاعه على كافة المستويات التي تتضمن بين أوضاع أخرى نمو الوظائف ونمو الأجور ومعدل البطالة.
أكد جيروم باول، رئيس مجلس محافظي الفيدرالي في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب خفض الفائدة بـ50 نقطة أساس في سبتمبر الماضي: “سوف نتخذ قراراتنا وفقا لما يستجد على الساحة، فأوضاع سوق العمل تظهر تماسكًا بينما نعتزم أن نبقي عليه في هذه الحالة. ويمكننا أن نقول ذلك أيضًا عن حالة الاقتصاد ككل”.
وأشار إلى أن الفيدرالي لم يشاهد ارتفاعًا في معدل إلغاء الوظائف في الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن “الوقت المناسب لدعم سوق العمل يكون عندما يظهر السوق قويًا. فالمزيد من التراجع في أعداد فرص العمل المتاحة سوف يُترجم مباشرة إلى ارتفاع في معدل البطالة”.
سيناريوهات بيانات التوظيف
نتوقع اثنين من السيناريوهات المتوقعة لبيانات التوظيف الأمريكية؛ أحدهما إيجابي بينما يشير الآخر إلى احتمالات سلبية البيانات الأمريكية الأهم على مدار الشهر.
وتستند تلك السيناريوهات إلى عدد من مؤشرات التوظيف الأولية التي من خلالها نستطيع رسم صورة واضحة لما قد تكون عليه بيانات التوظيف الأمريكية.
السيناريو الإيجابي
يدعم سيناريو تحسن بيانات التوظيف الأمريكية بعض المؤشرات الأولية التي نشير إليها فيما يلي
أظهرت قراءة مؤشر إجمالي عدد المستفيدين من إعانات البطالة الأمريكية تراجعًا إلى 1.826 مليون مستفيدًا في الأسبوع المنتهي في 20 سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعًا إلى 1.827 مليون مستفيدًا.
وهبطت قراءة مؤشر متوسط مطالبات إعانات البطالة الأسبوع لأربع أسابيع إلى 224000 مطالبة في الأسبوع المنتهي في 27 سبتمبر الماضي مقابل المتوسط المسجل في الأسبوع السابق عند 225000 مطالبة.
وتراجع مشر تشالنجر لإلغاء الوظائف الأمريكية إلى 75891 وظيفة تم إلغاؤها في سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 75891 وظيفة ملغاة الشهر السابق.
وارتفعت قراءة مؤشر التغير في توظيف القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة الصادر عن إدارة المعالجة الإلكترونية للبيانات (ADP) إلى 143000 وظيفة في سبتمبر الماضي مقابل القراءة المسجلة الشهر السابق عند 103000 وظيفة بغد المراجعة، وفقا للبيانات الصادرة الأربعاء الماضي.
ارتفع مؤشر فرص العمل JOLTS إلى 8.04 مليون فرصة عمل في أغسطس الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 7.711 مليون فرصة عمل، وهو ما جاء أدنى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 7.655 مليون فرصة عمل، وفقًا للبيانات الصادرة الثلاثاء الماضي أيضًا.
وارتفع مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميتشيجان الأمريكية في سبتمبر الماضي إلى 70.1 نقطة مقابل القراءة السابقة التي سجلت 69 نقطة، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى 69.3 نقطة.
السيناريو السلبي
يدعم سيناريو تدهور بيانات التوظيف الأمريكية بعض المؤشرات الأولية التي نشير إليها فيما يلي
سجلت مطالبات إعانات البطالة الأسبوعية في الولايات المتحدة الخميس ارتفاعًا إلى 225000 مطالبة في الأسبوع المنتهي في 27 سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 219000 مطالبة، وهو ما تجاوز التوقعات التي أشارت إلى 220000 مطالبة.
وتضمنت بيانات الخميس أيضًا تراجع مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات الخدمي الأمريكي الصادر عن معهد دراسات الإمدادات (ISM) إلى 48.1 نقطة في سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 50.2 نقطة، وهو ما جاء أقل من توقعات الأسواق التي أشارت إلى47 نقطة.
وتراجع مكون التوظيف في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الأمريكي الصادر عن معهد دراسات الإمدادات (ISM) الثلاثاء الماضي إلى 43.9 نقطة في سبتمبر الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 46 نقطة، وهو ما جاء أقل من توقعات الأسواق التي أشارت إلى47 نقطة.
بناء على ما سبق، نرى أن كفة العوامل الإيجابية ترجح مقارنة بالعوامل التي ترجح سيناريو الهبوط، مما قد يأتي ببيانات توظيف مخالفة لتوقعات الأسواق بتسجيل أرقام إيجابية.
على ذلك لدينا اثنين من السيناريوهات لحركة سعر السوق في الحالتين؛ الأول يقتضي ارتفاع الأسهم الأمريكية وغيرها من أصول المخاطرة مع الذهب إذا جاءت البيانات إيجابية على غرار ما حدث الشهر الماضي، وذلك لأن البيانات في هذه الحالة قد تدعم سيناريو “الهبوط المرن” الذي يتضمن نجاح الفيدرالي في خفض التضخم دون إحداث تدهور في الأوضاع الاقتصادية – خاصة أوضاع سوق العمل الأمريكي – إلى حدٍ يقرب الاقتصاد من الركود.
أما إذا تحقق السيناريو السلبي – الذي يسيطر على توقعات الأسواق في الفترة الأخيرة – بتسجيل البيانات أرقامًا سلبية، فقد نرى حركة السعر في الاتجاه المعاكس الذي يشير إلى ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل هبوط أصول المخاطرة في مقدمتها الأسهم الأمريكية.