تستمر عائدات السندات الأمريكية في الصعود رغم خفض الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي كان من شأنه أن يأخذ بزمام العائدات على هذه الأوراق المالية السيادية في الاتجاه الهابط لما يحدثه من قناعة لدى المستثمرين باقتراب الدولار الأمريكي وأصوله من الخروج من سباق أصول العائد المرتفع.
ويبدو أن السبب الرئيسي في مخالفة عائدات السندات الحكومية توقعات الأسواق بارتفاع شديد منذ خفض الفائدة يرجع إلى أن الأسواق كانت تثمن قرار الفيدرالي إلى حدٍ كبيرٍ، مما جعله غير مفاجئ للأسواق على الإطلاق أن يخفض البنك المركزي المعدلات بواقع 50 نقطة أساس.
وقد يستمر الاتجاه الصاعد لهذه العائدات لنفس السبب في الفترة المقبلة، إذ ظهرت تصريحات خرجت من أروقة الفيدرالي منذ اتخاذ القرار بالخفض الأول في أربع سنوات لمعدلات الفائدة عززت تكهنات تشير إلى إمكانية أن يكرر الفيدرالي الحفض بقوة مماثلة ويزيل 50 نقطة أساس أخرى من المعدلات الرئيسية.
وقال أوستان جلوسبي، عضو مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي ، الإثنين إن العام المقبل قد يشهد “خفض الفائدة عدة مرات إذا استمرت للأوضاع الاقتصادية كما هي في الوقت الراهن”.
وأضاف أنه ليس من المهم الآن مناقشة ما “إذا كان الخفض المقبل ٢٥ أو ٥٠ نقطة أساس، إنما الأهم هو إلى أي مدى سوف يستمر البنك المركزي في الخفض”.
وأكد أيضا أن ثمة إجماع على المسار المستقبلي للفائدة الفيدرالية عكسته توقعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة والتقدير آت الاقتصادية الرسمية الصادرة عن الفيدرالي الأسبوع الماضي.
سير عكس اتجاه التضخم
سجل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة، المؤشر الأكثر مصداقية واعتمادية لدى الفيدرالي، 2.8% في الربع الثاني من هذا العام مقابل نفس المستويات التي سجلتها القراءة السابقة للربع الأول من 2024 والتي أشارت إليها التوقعات أيضًا.
كانت هذه البيانات بمثابة تعزيز لموقف الفيدرالي الذي أدى إلى تصاعد تكهنات بخفض كبير للفائدة في الفترة المقبلة بعد البداية القوية التي استهل بها البنك المركزي الدورة الجديدة من التيسير الكمي بخفض الفائدة للمرة الأولى في أربع سنوات الأسبوع الماضي. لذا سادت في الأسواق تكهنات بأن الخفض المقبل للفائدة قد يكون بمقدار 50 نقطة أساس أيضًا.
وهناك علاقة عكسية بين توقعات خفض الفائدة وعائدات سندات الخزانة الأمريكية المعيارية – لأجل عشر سنوات – وهو ما يشير إلى أن تصاعد تلك التوقعات من شأنه أن يخفض العائدات بينما يعمل تراجع التوقعات بخفض الفائدة على ارتفاع العائدات.
رغم ذلك، لم تتحقق هذه العلاقة الخميس، إذ ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى 3.802% مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 3.800%. وهبطت العائدات على هذا النوع من الأوراق المالية السيادية إلى أدنى المستويات في يوم التداول الخميس عند 3.793% مقابل أعلى المستويات الذي سجل 3.808%.
سوق العمل الأمريكي
يرى البعض أن ارتفاع العائدات رغم التوقعات القوية بالمزيد من الخفض لمعدلات الفائدة الفيدرالية يرجع إلى خطاب الفيدرالي في بيان الفائدة وتصريحات جيروم باول، رئيس مجلس محافظي البنك المركزي، الأسبوع الماضي، خاصةً فيما يتعلق بأوضاع سوق العمل وموقف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة منها.
وأعلن البنك المركزي دعمه لأوضاع سوق العمل ورغبته في ألا يشهد نمو الوظائف ونمو الأجور ومعدلات التوظيف أي تدهور في الفترة المقبلة، وهو على الأرجح ما يأتي نتيجة لحرص صناع السياسة النقدية على تفادي سقوط الاقتصاد الأمريكي في هوة الركود.
قال جيروم باول، رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء إن “لدينا تقريريْن للوظائف والتوظيف صدرا منذ الاجتماع الماضي علاوة على مراجعات بيانات التوظيف السابقة”.
وأضاف أن الفيدرالي لم يشاهد ارتفاعًا في معدل إلغاء الوظائف في الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن “الوقت المناسب لدعم سوق العمل يكون عندما يظهر السوق قويًا. فالمزيد من التراجع في أعداد فرص العمل المتاحة سوف يُترجم مباشرة إلى ارتفاع في معدل البطالة”.
وتابع: “الاقتصاد الأمريكي في وضع جيد ونستهدف من قرارنا أن نبقي عليه كذلك. كما أننا لم نعلن أننا ’أنجزنا مهمتنا‘ فيما يتعلق بالتضخم، لكننا أظهرنا نتائج مشجعة في هذا الصدد”.
وعززت تصريحات باول فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية البيانات التي ظهرت الخميس، إذ سجلت قراءة الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من هذا العام في الولايات المتحدة 3.00% مقابل القراءة السابقة التي سجلت نفس الرقم، وهو ما جاء متوافقًا مع توقعات الأسواق. وألقى ذلك الضوء على أن الاقتصاد الأمريكي مستمر في الحفاظ على معدل نمو جيد في الفترة الأخيرة.