رغم الهبوط الذي يظهره النفط في الفترة الأخيرة، هناك بعض عوامل الدعم التي تظهر في الأفق من شأنها أن تساعد الأسعار العالمية على التعافي مرة ثانية. ويتضمن ذلك عوامل ذات صلة بالطلب العالمي، وأخرى بالتوترات الجيوسياسية، وعوامل أخرى تتعلق بالأوضاع الاقتصادية
وخسرت العقود الآجلة للنفط الأمريكي حوالي 1.5% في ختام جلسة الأربعاء استمرارًا للأثر السلبي الذي خلفه خفض منظمة أوبك تقديراتها للطلب العالمي على النفط في الاثنين الماضي ليكون الطلب أقل على مدار الفترة المتبقية من هذا العام.
وظهرت في الأيام القليلة الماضية دفعات هامة من البيانات الاقتصادية ألقت الضوء على تباطؤ في نمو الأسعار على عدة مستويات في الولايات المتحدة في يوليو الماضي، وهو ما كان له صدى هام في أسعار النفط العالمية.
تقديرات الطلب العالمي
تراجع النفط بنوعيها الثلاثاء بعد خمس جلسات من الصعود على التوالي، وهو الهبوط الذي جاء الثلاثاء الماضي بسبب اتجاه أوبك إلى خفض تقديراتها للطلب العالمي على النفط في 2024، وهو ما يلقي الضوء على الهبوط للجلسة الثانية على التوالي الأربعاء.
وظهرت توقعات الاثنين الماضي بأن أوبك قد تغير تقديراتها – الأكثر تفاؤلًا حتى الآن – للطلب العالمي على النفط بسبب مخاوف تباطؤ واردات النفط الصينية.
وجاء خفض منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها من كبار منتجي النفط على مستوى العالم، مجموعة أوبك+، تقديراتها للطلب على النفط في 2024 وسط مساعي أعضاء المجموعة إلى زيادة الإنتاج في أكتوبر المقبل.
التوترات الجيوسياسية
واصلت العقود الآجلة للنفط بنوعيها الصعود لخمس جلسات تداول على التوالي، كانت آخرها الاثنين الماضي بدفعة من مستجدات على صعيد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وأعلنت الخارجية الأمريكية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة سوف ترسل غواصة مزودة بصواريخ موجهة إلى الشرق الأوسط تحسبًا للهجوم المحتمل على إسرائيل من إيران وحلفائها.
وشهد هذا الأسبوع أيضًا حالة من الشد والجذب بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت على صعيد الصفقة المحتملة لوقف إطلاق النار في غزة مقابل تحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وهي الخلافات التي قد تؤخر التوصل إلى هذا الاتفاق.
كما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى تقارير تتضمن توقعات بأن إيران قد ترد قريبًا على مقتل إسماعيل هنية، الرئيس الرحل للمكتب السياسي لحركة حماس، على أراضيها، وهو ما يزيد من مخاوف التوترات الجيوسياسية.
بيانات التضخم الأمريكية
وتقع الأسعار العالمية للنفط على علاقة وثيقة بمعدلات التضخم لدى أكبر اقتصادات العالم – اقتصاد الولايات المتحدة – وذلك لأن مستويات التضخم تُعد من أهم محددات المسار المستقبلي للسياسة النقدية للفيدرالي الذي يضبط إيقاع الشأن النقدي والمالي على مستوى العالم.
وأشارت الدفعات الأحدث من بيانات التضخم الأمريكية إلى أن هناك تباطؤ في نمو الأسعار في الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، وهو ما يمهد الطريق أمام البنك المركزي للبدء في خفض الفائدة. ويؤدي خفض الفائدة إلى توفير انخفاض تكلفة الاقتراض، وهو ما يوفر بيئة مثالية للشركات تتمكن في إطارها من الاقتراض بفائدة أقل ومن ثم تتعاظم أرباحها وتشهد حالة من الرواج من شأنها أن تزيد من الطلب على النفط لتلبية احتياجات نمو الشركات وتوسعها.
وسجلت القراءة الشهرية لمؤشر أسعار المستهلك الأمريكي ارتفاع بـ0.2% في يوليو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعًا قل بـ0.1%، وهو ما توافق مع توقعات السوق.
لكن القراءة السنوية والأهم والأكثر تعبيرا عن واقع نمو الأسعار في البلاد سجلت ارتفاعًا بـ2.9% في يوليو الماضي مقابل القراءة المسجلة الشهر السابق عند 3.00%، وأدنى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى نفس الرقم المسجل في القراءة السابقة.
وأثارت هذه البيانات تكهنات باقتراب الفيدرالي من خفض الفائدة وسط توقعات بالبدء في خفضها في سبتمبر المقبل نظرا لاقتراب التضخم من هدف البنك المركزي المحدد بـ2.00%.
وهو ما جاء بعد يوم واحد من تسجيل القراءة الشهرية لمؤشر أسعار المنتجين الأمريكيين ارتفاعًا بـ0.1% في يوليو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت 0.2%، وهو ما جاء متوافقَا مع توقعات السوق التي أشارت إلى نفس الرقم.
وتراجعت القراءة السنوية للمؤشر أيضًا إلى 2.2% في يوليو الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعًا بـ2.7%، وهو ما جاء أقل من توقعات السوق التي أشارت إلى ارتفاع بـ2.3%.
وأثارت هذه البيانات تفاؤلًا في الأسواق أدى إلى ارتفاع مستويات الأسهم الأمريكية تزامناً مع هبوط الدولار الأمريكي الذي ينتظر أن تتراجع العائدات عليه وعلى أصوله.
المخزونات الأمريكية
تراجعت المخزونات الأمريكية في الأسبوع المنتهي في التاسع من أغسطس الجاري إلى حدٍ كبيرٍ، مما كان من شأنه أن يدفع بالأسعار العالمية في الاتجاه الصاعد لولا غياب التطورات على صعيد الصراع في الشرق الأوسط التي حرمت الخام الأسود من أفضل محفزات الصعود في الفترة الأخيرة.
وسجلت مخزونات النفط الأمريكية ارتفاعًا إلى 1.357 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في التاسع من الشهر الجاري مقابل القراءة المسجلة الأسبوع السابق التي سجلت هبوطًا بواقع 3.728- مليون، وهو ما جاء أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى احتمال الهبوط بـ2.00- مليون برميل.
لكن تقرير المخزونات الصادر عن المعهد الأمريكي للدراسات النفطية الثلاثاء الماضي أشار إلى تراجع في المخزون من النفط ومشتقاته بواقع 5.2 مليون برميل في نفس الفترة.
ومن شأن أي تراجع في مخزونات النفط الأمريكية أن يصب في صالح الأسعار العالمية للنفط نظرا لما ينطوي عليه من إشارات إلى تحسن الطلب على الخام الأسود لدى أكبر اقتصادات العالم.