يُعد الذهب من أفضل الاستثمارات المالية على مستوى العالم، خاصة في أوقات تقلبات الأسواق – كالتي نشاهدها في الوقت الراهن – لما ينطوي عليه التداول فيه على قدر كبير من الأمان مقابل مخاطرة متناهية الصغر وأحيانا لا تكون موجودة على الإطلاق أثناء التداول فيه سواء من خلال بيع وشراء الذهب الحقيقي أو التداول في عقود المعدن النفيس بأنواعها المتوافرة في الأسواق عبر المنصات الإلكترونية المختلفة. لذلك يعتبر الذهب من أهم أصول الملاذ الآمن على مستوى العالم وهو ما يلجأ إليه المستثمرون في أسواق المال للتحوط ضد التحركات العنيفة في الأسواق. ويأتي الذهب أيضًا بين أهم الأصول المالية التي تستخدم في الادخار مع أنه لا يدر عائدات تمكن ملاكه من تفادي تآكل قيمة أموالهم بسبب التضخم.
الاستثمار الآمن
يوفر الذهب ميزة الاستثمار الآمن لكل من يضخ فيه رؤوس الأموال أو يستخدمه كوسيلة للادخار ومخزن للقيمة. فالذهب في المقام الأول يتمتع بميزة فريدة تجعله في مقدمة أصول الملاذ الآمن التي تساعد على تفادي تقلبات السوق الشديدة في أوقات الأزمات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء العالم. كما يتمتع المعدن النفيس بأنه وسيلة آمنة للادخار، إذ يُعد من بين أفضل أشكال المدخرات. ورغم أنه أصل من الأصول التي لا تدر عائدات، يُعد الذهب من أفضل مخازن القيمة للأموال، إذ يساعد على تفادي تآكل رؤوس الأموال بسبب التضخم. لذلك تُعتبر أوقات ارتفاع التضخم من أفضل الأوقات لشراء الذهب من أجل الحفاظ على قيمة الأموال.
قبل التداول في الذهب …
هناك عدة عوامل ينبغي مراعاتها قبل البدء في تداول عقود الذهب بكافة أنواعها؛ إذ تُراعى معنويات الأسواق، وهل تسيطر شهية المخاطرة أم تجنب المخاطرة على المستثمرين في أسواق المال. فإذا كانت شهية المخاطرة لها الغلبة، يُفضل التمهل في اتخاذ قرار ضخ استثمارات في الذهب بينما الوقت الأفضل على الإطلاق لشراء الذهب والاستثمار في عقوده هو سيطرة تجنب المخاطرة على الأسواق بسبب اقتراب الأسواق من تقلبات حادة في حركة سعر الأصول المتداولة. وهنك علاقة عكسية بين الذهب والدولار الأمريكي في أغلب الأحيان، وهو ما يلقي الضوء على أهمية متابعة تحركات العملة الأمريكية قبل التداول في الذهب. وهناك أيضًا البيانات الاقتصادية وعوامل أخرى فنية تتعلق بحركة السعر في الأسواق علاوة على قرارات البنوك المركزية ومستجدات السياسة النقدية.
أدوات التداول في الذهب
هناك عدة أدوات يمكن من خلالها الاستثمار في الذهب لكل منها مميزات يمكن الاستفادة منه لتحقيق أقصى فائدة ممكنة؛ لدينا التداول في عقود المعدن النفيس الفورية والآجلة وغيرها من أنواع العقود، وشراء الذهب الحقيقي، وشراء أسهم شركات تعدين وتجارة الذهب، وشراء الذهب من صناديق الاستثمار المتداولة. وينبغي على المتاجرين في الذهب أن يعملوا على تنويع محافظهم الاستثمارية في الذهب على أن تتضمن الأنواع الأربعة التي أشرنا إليها. فعندما يحقق المتداولون هذا التنويع، من المرجح أن يتمكنوا في هذه الحالة من الاستفادة من المزايا التي تقدمها جميع أشكال الاستثمار في المعدن النفيس. أما الفائدة الثانية للتنويع فتتمثل في إمكانية تحقيق أرباح دون توقف مع ارتفاع أي من هذه الأصول سواء العقود الآجلة أو الفورية أو الذهب الحقيقي أو أسهم شركات الذهب.
استراتيجيات التداول في الذهب
قبل الاستثمار في الذهب، ينبغي وضع استراتيجية تداول تعتمد بصفة أساسية على عدة عناصر رئيسية؛ أولها التنويع بين الأشكال المختلفة لأصول الذهب التي يتم التداول فيها من عقود آجلة وعقود فورية وعقود خيارات حتى يتمكن المتاجر من التحوط ضد أي تقلبات قد تظهرها حركة سعر أي نوع منها. كما يُنصح بوضع حد أقصى لحجم الصفقات في كل مرة يتم فيها التداول مع وضع أوامر جني أرباح ووقف خسائر عند المستويات التي يحددها التحليل الفني. وهناك أيضًا ضرورة لمتابعة حركة سعر الدولار الأمريكي والبيانات الاقتصادية والتحليل الأساسي للأصول المتداولة في الأسواق. وبالنسبة للمبتدئين، ينبغي الاكتفاء بمكاسب قليلة في كل صفقة وألا ينجرف المتداول وراء تعويض الخسائر بالدخول في صفقات غير محسوبة.
مميزات وعيوب أدوات التداول
هناك مميزات لكل أداة من أدوات التداول في الذهب، لذا لا يمكن تحديد أيها أفضل؛ التداول في الذهب الحقيقي، أم العقود الفورية، أم العقود الآجلة، أو في صناديق الاستثمار المتداولة بالذهب، أو أسهم شركات الذهب؟ لذا نوضح فيما يلي أهم المميزات التي تنطوي عليها كل طريقة من هذه الطرق. فإذا كان هدف المستثمر الامتلاك المباشر للمعدن النفيس، فعليه شراء الذهب الحقيقي. وإذا رغب في الاستثمار برأس مال بسيط اعتمادا على رافعة مالية، فينبغي الاتجاه إلى العقود الآجلة للذهب. وحال اختيار وسيلة توفر سيولة أكثر وتكلفة تخزين أقل، فهناك صناديق الاستثمار المتداولة. وإذا كان الهدف التداول في بيئة شديدة الارتباط بحركة السعر، فهناك أسهم شركات الذهب.
السيولة
المتاجرة في الذهب عبر صناديق الاستثمار المتداولة هي الطريق التي تحقق أكبر قدر من السيولة للمستثمرين مقارنة بباقي طرق التداول في المعدن النفيس. يلي تلك الصناديق من حيث ما توفره من سيولة المتاجرة في الذهب الحقيقي، وتتحقق تلك السيولة من خلال شراء كميات صغيرة من الذهب وبيع كميات مماثلة في شكل عملات ذهبية وسبائك. أما بالنسبة لبيع أو شراء كميات كبيرة فيحتاج إلى وقت طويل، وهو ما يقلل من السيولة المتوافرة. أما تداول أسهم شركات الذهب، فيزفر سيولة متواضعة للمستثمرين في الأسواق أو أقل من متواضعة في أوقات تقلبات السوق والتذبذب المرتفع في أسواق الأسهم العالمية، مما قد يجعلها أقل جاذبية للبعض.
منصات التداول
هناك الكثير من منصات التداول الإلكترونية التي توفر خدمات التداول في عقود الذهب بأنواعها، كما أن هناك شركات تبيع الذهب الحقيقي في شكل العملات الذهبية والسبائك التقليدية. وفي حالة شراء الذهب الحقيقي، هناك شركات موثوقة يمكن أن تبيع المعدن النفيس بشك آمن علاوة على توفير سبل تحزين آمنة لممتلكاتك بعد الشراء مقابل رسوم تخزين. أما التداول الإلكتروني في عقود الذهب بأنواعها، فيتم عن طريق منصات التداول الإلكترونية التي توفرها شركات الوساطة المالية للتداول في أغلب الأصول والمشتقات المالية. ويتم شراء وبيع العقود الفورية للذهب (ٍSpot Gold) بنفس سعر وقت الشراء أو البيع بينما تُشترى العقود الآجلة للذهب بسعر الذهب في تاريخ متفق عليه. أما عقود الخيارات، فيتم شراؤها وبيعها بسعر متفق عليه في تاريخ متفق عليه. ويتم التداول في الذهب عبر صناديق الاستثمار المتداولة تماما بنفس الطريقة التي يتم التداول بها في الأسهم، وهي عبارة عن سلة من الأصول المالية التي قد تحتوي على ذهب حقيقي، وعقود آجلة للذهب.
تكلفة التداول
هناك تكلفة للتداول في الذهب تختلف مع كل طريقة تداول، فشركات الذهب التي تجري تعاملاتها عبر الإنترنت تفرض زيادة في الأسعار على ما تشتريه وما تبيعه من الذهب الحقيقي. وإذا فضلت تحزين الذهب الحقيقي لدى الشركة التي اشتريت منها، في هذه الحالة سوف تخضع لرسوم تخزين آمن. كما يوصى بالتأمين على ممتلكات المستثمرين في الذهب الحقيقي ضد السرقة أو الضياع لأي سبب كان، وهو بالطبع ليس إجباريًا بل يتم باختيار المستثمر، ويترتب على التأمين تكلفة إضافية. وعند اختيار التداول الإلكتروني في عقود الذهب المختلفة، تفرض شركات الوساطة تكلفة في شكل نسبة مئوية من قيمة كل صفقة. وأحيانا ما تعفي بعض هذه الشركات المستثمرين من تكلفة أو رسوم التداول. وهناك أيضًا تكلفة قد تنتج عن فروق الأسعار علاوة على تكلفة الهامش التي يشترط الإبقاء عليها في حساب المتداول عند استخدام الرافعة المالية.
عوامل تتحكم في حركة السعر
تساعد الاضطرابات الجيوسياسية في المناطق الهامة حول العالم على ارتفاع أسعار الذهب، إذ تحدث تلك الاضطرابات حالة من الهلع في الأسواق، مما يؤدي إلى تراجع كبير في شهية المخاطرة وتقلبات في أسواق المال. ومن الطبيعي وقت تلك التقلبات أن يكون الذهب هو الملاذ الآمن المثالي للتحوط ضد أي انهيار محتمل في قيمة أصول المخاطرة. وتتمتع قرارات الفائدة من البنوك المركزية الرئيسية – خاصة بنك الاحتياطي الفيدرالي – بقدرة كبيرة في التأثير على الأسعار العالمية للذهب؛ فكلما رفع الفيدرالي الفائدة أو أبقى عليها عند مستويات مرتفعة كان ذلك ضارًا بالمعدن النفيس نظرًا لأن تلك القرارات من شأنها أن تصب في صالح الدولار الأمريكي، وهو ما يعني أن العملة سترتفع ومن ثم سيهبط الذهب بسبب العلاقة العكسية بين العملة الأمريكية والمعدن النفيس. وتتضمن علاقة الذهب بالدولار الأمريكي أيضًا إمكانية تأثر المعدن النفيس بتقلبات العملات العالمية بصفة عامة بسبب العلاقات القوية بين سلة العملات الرئيسية.
البنوك المركزية والذهب
تلعب البنوك المركزية في دول الاقتصادات الرئيسية دورًا بالغ الأهمية في حركة سعر الذهب وتشكيل ملامح الاتجاه الذي يتخذه المعدن الثمين، إذ تعتبر البنوك المركزية من أكبر المشترين للذهب بهدف الاحتفاظ به كاحتياطيات نقدية أو احتياطيات نقد أجنبي، مما يجعلها مفتاحًا أساسيًا من مفاتيح الطلب على الذهب. وعند زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، لا ينتج عن ذلك زيادة في الطلب فقط، إنما تزداد الثقة في المعدن النفيس أيضًا. ورغم أن السلطات النقدية في دول الاقتصادات الرئيسية حول العالم قد تتخذ القرار في بعض الأحيان ببيع كميات قليلة من الذهب، إلا أنها تميل أكثر إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة منه، مما قد يؤدي إلى تراجع المعروض منه ومن ثم ارتفاع الأسعار.
الذهب وسلع أخرى
هناك فروق بين الذهب وباقي السلع العالمية الرئيسية مثل النفط والنحاس والفضة وغيرها من السلع، وتتلخص هذه الفروق في أن التداول في المعدن النفيس ينطوي على مخاطرة أقل من التداول في السلع الأخرى فهو من أصول الملاذ الآمن وعلاقته ضعيفة بأصول المخاطرة مثل الأسهم العالمية. كما يتمتع الذهب بحركة سعر تميل إلى الاستقرار في أغلب الأحيان وبعيدة إلى حدٍ كبيرٍ عن التذبذب الحاد كما أنها تستفيد من تقلبات السوق. من جهة أخرى، معروف عن الذهب أنه من الأصول التي تدر عائدات قليلة جدًا وأحيانا لا تكون هناك مكاسب على الإطلاق. لكن المعدن النفيس في نفس الوقت يتمتع بقدرة هائلة على حماية الأموال من التآكل بفعل التضخم.
حركة السعر الحالية
يبدو من الوهلة الأولى، في ضوء مستجدات الأحداث على صعيد البيانات الاقتصادية وخطاب بنك الاحتياطي الفيدرالي، أن الذهب مقبل على مكاسب كبيرة على المدى المتوسط والطويل. لكن على المدى القصير، قد يتعرض المعدن النفيس لبعض التقلبات التي تحد من مكاسبه. بصفة عامة، يلقي خطاب الفيدرالي في المرحلة الراهنة الضوء على ميل لدى أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة – المسؤولة عن قرارات السياسة النقدية – إلى خفض الفائدة وسط توقعات بأن يبدأ الخفض في نوفمبر المقبل. ومن الطبيعي أن يؤدي خفض الفائدة الفيدرالية إلى تراجع الدولار الأمريكي ومن ثم يستفيد المعدن النفيس من ذلك بسبب العلاقة العكسية بين هذين الأصلين من أصول الملاذ الآمن.
استراتيجية الربحية
هناك استراتيجيات للتداول في الذهب من شأنها أن تؤدي إلى تعظيم الأرباح من المعدن النفيس، أبرزها الاستراتيجية التي تتضمن التداول في عقود خيارات الذهب. لكن هذه الاستراتيجية لا تتناسب مع المبتدئين نظرًا لأنها تحتاج إلى قدر من الخبرة في التداول في أسواق المال. وتتميز هذه الطريقة – التي تعتمد على بيع الذهب بسعر متفق عليه وفي تاريخ متفق عليه – بأنها تمنح المتداولين الفرصة في عقد صفقات قد تدر أرباحًا كبيرة بناء على توقعات التحركات المستقبلية للمعدن النفيس. ويمكن أيضًا اللجوء إلى استراتيجية أخرى تتضمن التداول في عقود الفروقات الذي يقوم على أساس الاستفادة من الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء. ويمكن أيضًا اللجوء إلى التداول في العقود الآجلة للذهب. بصفة عامة، يُعد التداول في عقود الذهب باختلاف أنواعها من الطرق التي من شأنها زيادة ربحية عملية المتاجرة مقارنة بالتداول في الذهب الحقيقي.