كان الأسبوع الماضي حافلًا بالأحداث الهامة التي جعلت منه أحد أهم أسابيع التداول منذ بداية 2024 لما شهده من تطورات على صعيد المشهد الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم، علاوة على تحركات البنوك المركزية التي عكست بعض التردد لدى السلطات النقدية في المضي قدما نحو تغيير اتجاه الفائدة في وقت قريب. وكان اللاعب الأكثر أهمية في الأسواق الأسبوع الماضي هو الذهب الذي استمر في تحقيق أرقامًا قياسية على مدار تلك الفترة.
وشهدت الأسواق ظهور بيانات اقتصادية هامة تضمنت مؤشرات القطاع الخدمي، الذي يسيطر على الجزء الأكبر من الاقتصاد علاوة على بيانات التضخم الأمريكية على صعيد أسعار المستهلك التي لها أثر كبير في قرار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وأصدر البنك المركزي أيضًا نتائج اجتماعه الماضي التي كشف فيها عن ميل إلى أن يكون لدى السلطات النقدية ثقة أكبر في أن التضخم على المسار الصحيح نحو الهدف الرسمي المحدد ب2.00%.
كما أعلن البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا قرارات الفائدة، ورجح البنكان المركزيان الرئيسيان أنه لا يزال من المبكر الحديث عن خفض الفائدة بسبب استمرار إرسال التضخم إشارات إلى إمكانية المزيد من الارتفاع.
الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى
أعرب الفيدرالي عن مخاوفه حيال أن يكون “التضخم لم يهبط بما فيه الكفاية”، لكن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لا يزالون يتوقعون البدء في خفض الفائدة في وقت ما هذا العام، وفقا لنتائج اجتماع مارس الماضي.
وأجمع أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة على ضرورة الحفاظ على اللغة التي يعتمد عليها خطاب البنك المركزي في الفترة الأخيرة، مؤكدين أنه لن يكون هناك “خفض للفائدة قبل أن يكون هناك قدر أكبر من الثقة في أن التضخم يسير بخطى ثابتة نحو هدف البنك المركزي”.
وأشار المشاركون في اجتماع مارس الماضي إلى أن هناك حالة من انعدام اليقين بشأن استمرار ارتفاع التضخم، معربين عن مخاوفهم حيال ما عكسته البيانات التي ظهرت في الفترة الأخيرة، والتي قالوا إنها “لم تزد من ثقتهم في أن التضخم يتجه بشكل مستدام نحو 2.00%”.
وشهد الاجتماع الماضي للفيدرالي مناقشة مطولة كشفت عن قناعة بين المشاركين بأن التوترات الجيوسياسية وارتفاع الأسعار العالمية للنفط وغيرها من العوامل، مثل التحول إلى سياسة التيسير الكمي، قد تؤدي إلى المزيد من ارتفاع التضخم في الفترة المقبلة.
وأشار بعض المشاركين إلى أن الارتفاعات الأخيرة في التضخم كانت واسعة النطاق نسبيًا، وبالتالي لا ينبغي اعتبارها مجرد انحرافات إحصائية، حسبما جاء في نتائج الاجتماع الماضي. لكن جيروم باول، رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، رجح أن الارتفاع في معدل التضخم على مدار الشهرين السابقين ربما كان لأسباب “موسمية”.
وأبقى البنك المركزي الأوروبي على معدل الفائدة دون تغيير في اجتماع إبريل وفقا لتوقعات السوق. بذلك تظل معدلات الفائدة على عمليات التمويل الرئيسية، والإقراض، والإيداعات عند 4.50%، و4.75%، و4.00% على الترتيب.
وقال بيان الفائدة الأوروبية: “تستمر الأوضاع النقدية على درجة كبيرة من التشديد كما تؤثر معدلات الفائدة المرتفعة سلبًا على معدل الطلب، وهو ما من شأنه أن يساعد على خفض التضخم”، وهو البيان الصادر عن البنك المركزي الأوروبي الخميس الماضي عقب انتهاء اجتماع إبريل الجاري.
وفيما يتعلق بالمسار المستقبلي للسياسة النقدية، قال المركزي الأوروبي إنه سوف “يبقي على الفائدة عند المستويات القياسية الحالية طالما كان ذلك ضروريًا للسيطرة على التضخم”، لكنه أشار إلى أن القرارات المستقبلية سوف تستند إلى البيانات التي يتوالى ظهورها في الفترة المقبلة.
ولم يعلن البنك المركزي عن الالتزام بأي خطة محددة أو نهج بعينه في التعامل مع معدلات الفائدة في المستقبل.
وأشار البيان إلى أن خفض تدريجي لممتلكات البنك المركزي من الأصول التي تم شراؤها بموجب برنامج شراء الأصول وبرنامج الشراء الطارئ أثناء الجائحة، مؤكدا على استمرار “عمليات إعادة الاستثمار للأوراق المالية المستحقة بموجب برنامج شراء الأصول طوال عام 2024”.
وأعلن أيضًا عن توقف عمليات إعادة الاستثمار الخاصة ببرنامج برنامج الشراء الطارئ أثناء الجائحة في نهاية 2024، مع خطة لخفض متوسط قدره 7.5 مليار يورو شهريًا في النصف الثاني من العام.
كما أبقى بنك كندا على معدل الفائدة عند نفس المستويات التي يتبناها منذ وقت طويل الأربعاء ليستقر المعدل الرئيسي عند 5.00% للشهر السادس على التوالي.
وأشار بيان الفائدة الصادر عن البنك المركزي إلى رفع تقديرات النمو في كندا عام 2024 علاوة على الإشارة إلى توقعات بإمكانية تحقيق هدف التضخم في 2025.
وشدد البيان على أن البنك المركزي يريد المزيد من الأدلة على أن إحراز المزيد من التقدم على صعيد خفض أسعار المستهلك باستثناء أسعار الغذاء والطاقة. وأكد أيضًا على أنه لا يزال من السابق لأوانه الإقدام على أي محاولة للتحول إلى التيسير الكمي في الوقت الراهن.
وأكد بنك كندا على ضرورة التحلي بالصبر أثناء التعامل مع السياسة النقدية نظرا لأن معدلات الفائدة المرتفعة تحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تظهر آثارها على التضخم.
البيانات الاقتصادية
وفقًا لتقرير مكتب إحصاء العمالة الأمريكي الصادر الأربعاء الماضي، ارتفع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى 3.5٪ في مارس من القراءة السابقة 3.2٪ المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي، كما يتضح من التغيرات في مؤشر أسعار المستهلكين وجاءت هذه النتيجة أعلى من توقعات السوق البالغة 3.4%.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي السنوي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، بنسبة 3.8% في نفس الفترة، وهو ما يتوافق مع الزيادة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي. وعلى أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.4%، مقارنة بتقديرات المحللين البالغة 0.3%.
وكانت هذه هي البيانات الأهم على الإطلاق على مدار تعاملات الأسبوع الماضي نظرا لما لها من تأثير على قرارات السياسة النقدية التي يصدرها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
النفط وتوترات الشرق الأوسط
أفادت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر إيرانية، أن إيران أطلقت موجة من الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل خلال هجومها الليلة، وهو ما يأتي في إطار صراع بدأت عناوين الأخبار تتناقله بين إيران وإسرائيل.
من جهتها نقلت وكالة أنباء الإيرانية عن مصدر مطلع أن الدفعة الأولى من الصواريخ الباليستية الإيرانية أُطلقت على أهداف “في عمق الأراضي المحتلة” وفق البيان.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز ذكرت عن مسؤولين إسرائيليين أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتوقع استهداف الجولان وقواعد عسكرية في النقب.
وأعلنت قناة سي ان ان الاميركية عن مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل مازالت تراقب التحركات الإيرانية تحسبا لأنواع إضافية من الهجمات.
وقالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في رسالة عبر منصة إكس: “هذا نزاع بين إيران والنظام الإسرائيلي المارق، ويجب على الولايات المتحدة البقاء في منأى منه”.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية على لسان مسؤول إسرائيلي إن بلاده سوف تصدر “ردًا قويًا” على الهجوم الإيراني غير المسبوق.
وذكرت وسائل إعلام أمريكية السبت أن القوات الأمريكية أسقطت طائرات مسيرة أطلقتها إيران ضد إسرائيل.
وذكرت شبكتا “سي إن إن” و”إيه بي سي” أن الدفاع الجوي الاميركي اعترض العديد من المسيرات التي أطلقتها إيران، من دون أن تحددا عدد الطائرات التي تم إسقاطها ولا هوية الأراضي التي تمت هذه العملية في أجوائها.
كما نقلت وكالة أنباء رويترز عن مصدرين أمنيين في المنطقة ن الطائرات الأردنية أسقطت عشرات الطائرات المسيرة الإيرانية التي كانت تحلق عبر شمال ووسط الأردن متجهة إلى إسرائيل.
وقالت المصادر إن الطائرات المسيرة أسقطت في الجو على الجانب الأردني من غور الأردن وكانت متجهة نحو القدس. وتم اعتراض مسيرات أخرى بالقرب من الحدود العراقية السورية..
كانت تلك التوترات هي التي وصلت بالنفط إلى مستويات قياسية بسبب التهديدات المحتملة للطريق التجاري الذي يأخذ صادرت النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى باقي أنحاء العالم بسبب التوترات في الشرق الأوسط.
وقبل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، كانت حماس قد أعلنت أن المفاوضات التي تنعقد في القاهرة لم تحرز تقدمًا علاوة على إعلان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن تاريخ اجتياح رفح قد تم تحديده، وهي التطورات التي أدت إلى استعادة النفط زخم الصعود.
الذهب يسجل رقما قياسيًا جديدًا
واصل الذهب الصعود الأسبوع الماضي، مسجلًا مستوى قياسي جديد غير مسبوق وسط استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية. ويبدو أن الاتجاه الصاعد القوي لم يتأثر بتراجع توقعات خفض الفائدة من قبل الفيدرالي في وقت قريب، وهي التكهنات التي أثارتها نتائج اجتماع الفيدرالي الصادرة الأربعاء الماضي.
وحقق الذهب ارتفاعا إلى مستوى غير مسبوق الأسبوع الماضي أعلى من 2430 دولار للأونصة. لكن حالة من التشبع الشرائي واجهت المعدن النفيس أثناء محاولة استكمال الصعود إلى مستويات أعلى.
لذا تعرض الذهب لعمليات بيع من أجل جني الأرباح لتحقيق مكاسب من الارتفاعات القياسية الجديدة، وهو ما أدى إلى إغلاق تعاملات العقود الفورية للذهب عند مستويات أقل نهاية الأسبوع الماضي عند 2343 دولار.
ولا يزال المستثمرون يشعرون بالقلق إزاء المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن الصراعات في الشرق الأوسط، والتي كانت بدورها عاملًا رئيسيًا في تغذية الزخم الإيجابي المستمر وبصرف النظر عن ذلك، فإن التوقعات بأن البنوك المركزية الكبرى ستخفض أسعار الفائدة هذا العام تقدم دعمًا إضافيًا للمعدن الثمين.
الأسبوع المقبل
تنتظر الأسواق دفعات من البيانات الاقتصادية الهامة التي من شأنها التأثير في حركة سعر الأصول المتداولة، أبرزها مبيعات التجزئة الأمريكية، ومؤشرات التصنيع وسوق العمل والإسكان ومؤشرات أخرى لقياس أداء إجمالي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.
كما يدلي عدد من أعضاء مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي بتصريحات يلتمس المستثمرون خلالها إشارات قد تكون مفيدة في التنبؤ بالمسار المستقبلي للسياسة النقدية للبنك المركزي.
وتصدر مجموعة من الشركات الكبرى المدرجة في مؤشرات الأسهم العالمية تقارير أرباحها عن الربع الأول من 2023، أبرزها نتفليكس، وجولدمان ساكس، وأميركان إكسبريس، ويونايتد هيلث جروب.
وعلى رأس قائمة الأحداث الهامة يقع “تنصيف البيتكوين”، وهو أهم حدث على الإطلاق في أسواق العملات المشفرة هذا العام نظرا لأن هذا الإجراء لا يتكرر إلا كل أربع سنوات.
وتنصيف البيتكوين هو خفض مكافآت العاملين في قطاع التعدين في العملات الرقمية – وهي المكافآت التي تكون عبارة عن وحدات من العملة المشفرة الأكثر انتشارًا على مستوى العالم تُضاف إلى شبكات البلوكتشاين المشغلة لمنصات التداول الخاصة بهذا النوع من الأصول – ومعنى خفض هذه المكافآت أن المعروض من البيتكوين سوف يكون أقل، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
ورغم المكاسب المحتملة للعملات المشفرة، يتوقع أن تصل خسائر العاملين في قطاع تعدين البيتكوين إلى حوالي عشرة مليارات دولار سنويًا، لذا يُرجح أن هذا الإجراء قد يحدد من يستمر في السوق ومن يخرج منها في الفترة المقبلة.