نور تريندز / مستجدات أسواق / أسواق الأسهم العالمية / من البنتاجون إلى وول ستريت: كيف أصاب الإغلاق الحكومي في واشنطن تدفق أموال الشركات بالشلل

من البنتاجون إلى وول ستريت: كيف أصاب الإغلاق الحكومي في واشنطن تدفق أموال الشركات بالشلل

لم يعد الإغلاق الحكومي الأمريكي مجرد اضطراب بيروقراطي مؤقت، بل تحول إلى أزمة مؤسسية واقتصادية كاملة النطاق، تهدد الأرباح وكشوف الرواتب وثقة المستثمرين عبر قطاعات متعددة. ومع توقف التمويل الفيدرالي، تجمدت عقود وأجور وقيم سوقية بعشرات المليارات من الدولارات، ما كشف عن مدى اعتماد الشركات الأمريكية العميق على الإنفاق الحكومي.

ووفقًا لتقديرات اقتصادية داخلية، يكلف الإغلاق الاقتصادي حوالي 15 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي أسبوعيًا،، ويخفض ما بين 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية من النمو على المستوى الوطني أسبوعيًا، وقد تم تسريح نحو 900,000 موظف فيدرالي مؤقتًا، بينما يواصل 700,000 آخرون العمل دون أجر. لكن نقطة الضغط الحقيقية تقع على القطاع الخاص، حيث يراقب المقاولون والمتعاقدون الحكوميون والمصنعون والمستثمرون إيراداتهم وأسعار أسهمهم وهي تنزلق هبوطيًا أمام أعينهم.

وتقع صناعات الدفاع والفضاء في بؤرة هذا التباطؤ الاقتصادي، إذ تستمد شركات عملاقة مثل لوكهيد مارتن، وبوينج، ونورثروب جرومان، و”آر تي إكس”، و”إل 3 هاريس تكنولوجيز” ما يتراوح بين 60% و 75% من إيراداتها من عقود حكومية أمريكية. ومع توقف المشتريات وتأخر سداد الدفعات المهمة، تباطأ الإنتاج بنسبة تصل إلى 30%، مما كلف القطاع ما يقدر بـ 10-12 مليار دولار من الإيرادات التي لم يتم تحصيلها، فإذا تجاوز الإغلاق أربعة أسابيع؛ قد تتكبد لوكهيد مارتن وحدها خسارة فصلية تناهز 1.8 مليار دولار، بينما تواجه بوينج تأخيرات في التسليم وتراكمًا في قوائم الموردين عبر قسمها الدفاعي.

وفي قطاع التكنولوجيا والاستشارات، تُفيد شركات مثل “بوز ألين هاميلتون”، و”إس إيه آي سي”، وليدوس، و”سي جي آي فيدرال” بتعليق المشاريع وتعطيل فرق العمل. فقد تم إيقاف ما يقرب من ثلث عملها الحكومي القابل للفوترة، وهو ما يُترجم إلى إيرادات مؤجلة تتراوح بين 400-500 مليون دولار لكل شركة في هذا الربع. وحذرت ليدوس من أن ما يصل إلى 6,000 موظف قد يواجهون تسريحًا مؤقتًا إذا استمر الإغلاق، بينما تستعد بوز ألين هاميلتون لتباطؤ في عقود الأمن السيبراني والبيانات الفيدرالية.

كما يشعر مقاولو ومتعاقدو مشاريع البنية التحتية واللوجستيات والطاقة بضغوط مماثلة. تجدر الإشارة إلى أن المشاريع التي تزيد قيمتها عن 20 مليار دولار تحت إشراف وزارتي النقل والطاقة معلقة في الوقت الراهن، مما ترك الشركات الهندسية مثل “إي كوم” و”جاكوبس سوليوشنز” تواجه موظفين عاطلين وتكاليف متصاعدة. أما موردو الطاقة المتجددة الأصغر، الذين يعتمدون بشكل كبير على الإعانات والمناقصات الفيدرالية، فيقومون بحرق احتياطاتهم النقدية للحفاظ على استمرار صرف الأجور وكشوف المرتبات والعمليات أثناء انتظار استئناف التمويل.

لكن التأثير على كشوف المرتبات لدى الشركات بات واسع النطاق: يواجه أكثر من مليون موظف في القطاع الخاص مرتبطين بعقود فيدرالية ساعات عمل مخفضة أو تأخرًا في الدفع أو تسريحًا مؤقتًا. ومع تجميد الرواتب وارتفاع التكاليف العامة، تتقلص الهوامش عبر الصناعات. لجأت بعض الشركات إلى صرف قروض قصيرة الأجل أو خطوط ائتمان داخلية لدعم مدفوعات الموظفين، مما يزيد من التعرض للديون والمخاطر المالية.

وعكست سوق الأسهم بالفعل هذا الضيق المؤسسي. انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز للدفاع والفضاء بنسبة 4.2% منذ بدء الإغلاق، بينما شهد كبار المقاولين في مجال تكنولوجيا المعلومات الحكومية تراجعًا في القيمة السوقية يتراوح بين 3% و 6%. يقوم المستثمرون المؤسسيون، وخاصة أولئك الذين يديرون صناديق المؤشرات وصناديق التقاعد المعرضة لموردي الحكومة، بتقليص مراكزهم وسط مخاوف من جمود مطول.

تتم مراجعة توقعات أرباح الشركات في الاتجاه الهبوطي عبر كافة الولايات، كما يتوقع المحللون الآن انخفاضًا بنسبة 0.4-0.6% في إجمالي أرباح الشركات للربع الرابع، وهو ما يعادل تخفيضًا بقيمة 15-20 مليار دولار عبر أسهم مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وفي حال استمرار الإغلاق طوال الربع، قد تتجاوز خسائر الأعمال الإجمالية 60-70 مليار دولار، ما يماثل اضطرابات مستوى بداية الجائحة.

ويبدو أن الأمر قد تجاوز مواجهة مجرد مواجهة سياسية بين الحزبين؛ فقد تحول إلى خنق اقتصادي للميزانيات العمومية للشركات وعوائد المستثمرين ومصداقية السوق. وتمتد تداعيات الأزمة إلى ما وراء واشنطن، وتهز مجالس الإدارات، وتمارس المزيد من الضغوط على تدفقات رأس المال، وتؤدي إلى تآكل الثقة التي تغذي القيادة الاقتصادية لأمريكا. وفي النهاية، قد لا تكون الخسارة الحقيقية للإغلاق هي الكفاءة الحكومية، بل الاستقرار المؤسسي بحد ذاته.

تحقق أيضا

الاقتصاد الفرنسي، الناتج المحلي

الأزمة السياسية في فرنسا تكشف عن جذور مالية واقتصادية

فاجأ رئيس الوزراء الفرنسي المكلف سيباستيان ليكورنو الجميع بإعلان استقالته، وهو ما عرض أسواق المال …