شهد الأسبوع الماضي إعادة تشكيل دراماتيكية للمشهد المالي العالمي، جاء أبرز أحدائها متمثلا في تراجع حاد للدولار الأمريكي، وصعود ملحوظ لليورو، وتباين ملحوظ في حظوظ الجنيه الإسترليني ومؤشر فوتسي 100. وغذت مجموعة من البيانات الاقتصادية، والتحولات في السياسات، وعدم اليقين المحيط بالتوترات والحرب التجارية تقلبات غير مسبوقة في أسواق العملات والأسهم.
أبرزت أحداث الأسبوع الترابط بين الأسواق المالية العالمية والتأثير الكبير للبيانات الاقتصادية، والتحولات في السياسات، وعدم اليقين التجاري. ومن المنتظر أن تراقب الأسواق عن كثب المؤشرات الاقتصادية القادمة وقرارات السياسة للحصول على مزيد من المؤشرات حول اتجاه الأسواق العالمية.
هبوط تاريخي للدولار:
عانى مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) من أسوأ أداء أسبوعي له منذ أكثر من عام، حيث انخفض بأكثر من 3.5%. كان هذا الانخفاض الدراماتيكي مدفوعًا بمجموعة من العوامل: البيانات الاقتصادية الأمريكية المخيبة للآمال، وتطور توقعات سياسة الاحتياطي الفيدرالي، وتجدد المخاوف التجارية.
وجاء تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر فبراير أقل من توقعات السوق، وكشف عن سوق عمل أضعف من المتوقع. أفاد مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS) يوم الجمعة أن الوظائف غير الزراعية (NFP) في الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 151,000 وظيفة في فبراير. جاءت هذه القراءة بعد زيادة قدرها 125,000 وظيفة (تم تعديلها من 143,000) تم تسجيلها في يناير، وجاءت أقل من توقعات السوق البالغة 160,000 وظيفة. ارتفع معدل البطالة بشكل طفيف إلى 4.1% من 4% في يناير، بينما انخفض معدل المشاركة إلى 62.4% من 62.6% في نفس الفترة. أخيرًا، ارتفع التضخم السنوي للأجور، كما تم قياسه بالتغير في متوسط الأجر بالساعة، إلى 4% من 3.9% (تم تعديله من 4.1%).
كما ارتفع معدل البطالة بشكل طفيف وتباطأ نمو الأجور، مما عزز المخاوف بشأن تباطؤ اقتصادي محتمل. عززت هذه الأرقام توقعات السوق بخفض أسعار الفائدة الوشيكة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
بالإضافة إلى معاناة الدولار، أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى عدة تخفيضات لأسعار الفائدة في عام 2025، وتشير أداة CME FedWatch الآن إلى احتمال متزايد لخفض في يونيو. ومع ذلك، حذر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من أن عدم اليقين في السياسة يعقد قدرة البنك المركزي على التنقل في المشهد الاقتصادي.
علاوة على ذلك، ساهمت تلميحات الرئيس ترامب بفرض تعريفات جديدة على كندا في عدم اليقين التجاري الجديد، مما ساهم في الشعور بالنفور من المخاطرة وتكثيف تدفقات رأس المال الخارجة من الدولار.
صعود ملحوظ لليورو:
في تناقض صارخ، شهد اليورو أفضل أداء أسبوعي له مقابل الدولار منذ 16 عامًا. كان هذا الصعود مدفوعًا بشكل أساسي بالإصلاحات المالية الجريئة في ألمانيا، والتي أشارت إلى تحول كبير في السياسة الاقتصادية الأوروبية. جذب قرار ألمانيا بالتخلي عن القيود المالية لصالح زيادة الإنفاق لتحفيز النمو اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين.
كما ساهم في صعود اليورو موقف البنك المركزي الأوروبي المتشدد بشأن أسعار الفائدة وارتفاع عوائد السندات الأوروبية بعد اقتراح الإنفاق الألماني. وفي الوقت نفسه، “فقد الدولار شعبيته” وسط عدم اليقين التجاري الأمريكي.
وصف بعض الاقتصاديين الأسبوع بأنه “لحظة فاصلة”، تشير إلى نهاية “استثنائية الدولار والنمو الأمريكي”. وقام المستثمرون بنشاط باستغلال أداء زوج اليورو/الدولار”، متوقعين مزيدًا من الزخم الصعودي.
صعود الجنيه، تراجع مؤشر فوتسي 100:
شهد الجنيه الإسترليني أيضًا ارتفاعًا كبيرًا، وحقق أفضل أداء أسبوعي له منذ نوفمبر 2022. كان هذا الارتفاع مدفوعًا بتراجع الدولار الأمريكي، على الرغم من أنه لم يستفد بقدر اليورو من الدفعة المتجددة للإنفاق الدفاعي الأوروبي.
شهد الأسبوع تحولًا تاريخيًا في تسعير السندات الأوروبية، مما أثر على السندات الحكومية، التي شهدت ارتفاع عائدها القياسي بأكبر قدر منذ يناير. على الرغم من الانتعاش الطفيف، إلا أن هذا يضيف إلى تحديات الحكومة في موازنة الاقتراض والإنفاق. تشير المحاضر الصادرة عن اجتماع حديث إلى التزام وزارة الخزانة بالقواعد المالية.
على العكس من ذلك، شهد مؤشر فوتسي 100 أسوأ أداء أسبوعي له هذا العام، وفقد بعض جاذبيته كاستثمار ذي قيمة مقارنة بنظيراته الأوروبية. بينما أغلق المؤشر دون تغيير نسبيًا، إلا أن انخفاضه الأسبوعي الإجمالي يعكس تحولًا في معنويات المستثمرين، حيث أثبتت الأسواق الأوروبية أنها أكثر جاذبية.
ردود فعل السوق الأوسع والنظرة المستقبلية:
أدى ضعف الدولار إلى ردود فعل في الأسواق الأخرى. تعززت عملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري، ووصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أشهر. وفي آسيا، ظل اليوان الخارجي مستقرًا على الرغم من البيانات التجارية الصينية المثيرة للقلق، وشهد الدولار الأسترالي الحساس للمخاطر انخفاضًا طفيفًا.
وعلى صعيد سوق العملات المشفرة، شهد البيتكوين انخفاضًا مؤقتًا بعد أنباء عن أمر تنفيذي من الرئيس ترامب بشأن احتياطي استراتيجي للبيتكوين. ومع ذلك، يُعزى هذا الانخفاض إلى عدم وجود مشتريات إلزامية للبيتكوين داخل الأمر.
أسبوع رابح للنفط والذهب:
شهدت أسعار النفط ارتفاعًا يوميًا يوم الجمعة، حيث ارتفع خام غرب تكساس الوسيط (WTI) لتسليم أبريل بمقدار 68 سنتًا، أو 1%، ليستقر عند 67.04 دولارًا للبرميل. وارتفع خام برنت لشهر مايو، المعيار العالمي، بمقدار 90 سنتًا، أو 1.3%، إلى 70.36 دولارًا للبرميل. كان هذا الارتفاع اليومي مدفوعًا بتقارير عن خطط الولايات المتحدة لإعادة ملء احتياطي البترول الاستراتيجي (SPR)، مع تقارير تشير إلى أكثر من 300 مليون برميل مخصصة لـ SPR، وتعديلات محتملة من قبل أوبك + للإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، تخطط الولايات المتحدة لطلب ما يصل إلى 20 مليار دولار لإعادة ملء SPR، وفقًا لوزير الطاقة كريس رايت.
ومع ذلك، على الرغم من مكاسب يوم الجمعة، أنهى خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأسبوع على انخفاض. شهد خام غرب تكساس الوسيط انخفاضًا أسبوعيًا بنسبة 3.9%، مسجلاً سابع خسارة أسبوعية متتالية، وهي أطول سلسلة من هذا القبيل منذ ديسمبر 2023. وانخفض خام برنت بنسبة 3.4% للأسبوع. استقر الغاز الطبيعي لتسليم أبريل عند 4.40 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مرتفعًا بنسبة 2.3% يوم الجمعة لينتهي مرتفعًا بنسبة 14.7% للأسبوع. كان الانخفاض الأسبوعي مدفوعًا بشكل أساسي بالمخاوف من أن التعريفات من المرجح أن تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد والطلب على الطاقة.
شهدت أسعار الذهب انتعاشًا هذا الأسبوع، عاكسةً بذلك تراجع الأسبوع الماضي، وأعادت إشعال المعنويات الصعودية بين المشاركين في السوق. بعد أن بدأ الأسبوع عند 2,858 دولارًا للأوقية، سرعان ما أسس الذهب الفوري مستوى دعم حول 2,860 دولارًا قبل أن يصعد بثبات. دفع ارتفاع ملحوظ مساء الثلاثاء أسعار الذهب إلى ما فوق 2,900 دولار، حيث لامس المعدن لفترة وجيزة 2,927 دولارًا. حافظ الذهب طوال بقية الأسبوع على نطاق تداول ضيق نسبيًا بين 2,900 دولار و2,926 دولارًا، ليغلق في النهاية عند 2,911 دولارًا للأوقية يوم الجمعة.
وشهد سوق الذهب أيضًا عودة قوية للمعنويات الصعودية، حيث توقع ثلثا خبراء الصناعة والمتداولين الأفراد ارتفاع أسعار الذهب في الأسبوع المقبل. أشار المحللون إلى عوامل مختلفة تساهم في هذا التفاؤل، بما في ذلك حالات عدم اليقين الاقتصادي، والمخاوف المستمرة بشأن التضخم، وعدم الاستقرار الجيوسياسي المستمر. سلط العديد من الخبراء الضوء على مرونة الذهب في مواجهة تقلبات السوق الأخيرة وتوقعوا دفعة متجددة نحو أعلى مستوياته على الإطلاق، مع اقتراح البعض حتى احتمال اختبار مستوى 3,000 دولار للأوقية.
الأسبوع المقبل:
من المقرر أن يكون الأسبوع من 10 إلى 14 مارس 2025 فترة محورية للأسواق المالية العالمية، مع تركز إصدارات البيانات الاقتصادية الرئيسية ونشاط البنوك المركزية. الأهم بين هذه الأحداث هو إصدار بيانات التضخم الأمريكية، التي تشمل مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ومؤشر أسعار المنتجين (PPI). هذه الأرقام حاسمة في تقييم الضغوط التضخمية داخل الاقتصاد الأمريكي وستؤثر بشكل كبير على قرارات السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. سيكون التركيز أيضًا على إجراءات البنوك المركزية، حيث من المتوقع أن يولد قرار سعر الفائدة لبنك كندا حركة كبيرة في السوق، مما يؤثر بشكل خاص على الدولار الكندي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم التدقيق في تصريحات وخطابات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي للحصول على رؤى حول مسار السياسة النقدية الأمريكية.
بالإضافة إلى التضخم وأنشطة البنوك المركزية، من المتوقع أن تصدر مجموعة من المؤشرات الاقتصادية وتقدم توجيهات إضافية للسوق مثل بيانات الناتج المحلي الإجمالي الياباني المرتقبة للحصول على لمحة عن الصحة الاقتصادية لليابان، بينما ينتظر المستثمرون قراءة مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن تقدم بيانات الناتج المحلي الإجمالي الشهري في المملكة المتحدة نظرة مستندة إلى البيانات حول اقتصاد المملكة المتحدة.
ومن المتوقع أن يراقب المستثمرون – كموضوع أساسي مهم – رد فعل السوق على التعريفات التي تم تنفيذها مؤخرًا، حيث تعمل البيانات من تقارير مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين وثقة المستهلك كمؤشرات رئيسية لتأثيرها الاقتصادي. على وجه التحديد، يسلط التقويم الضوء على يوم الاثنين 10 مارس، مع إصدار التقدير النهائي للناتج المحلي الإجمالي الياباني؛ الأربعاء 12 مارس، الذي يشهد إصدار مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي واجتماع بنك كندا؛ الخميس 13 مارس، مع إصدار مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي؛ والجمعة 14 مارس، مع مؤشر ثقة المستهلك لجامعة ميشيغان.
وفي حين أن هذه هي الأحداث المتوقعة، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن التقويمات الاقتصادية عرضة للتغيير، ويمكن أن تحدث تطورات غير متوقعة دائمًا. لذلك، يوصى بشدة بالمراقبة المستمرة لمصادر الأخبار المالية الموثوقة على مدار الأسبوع.