أنهت تعاملات الأسبوع الماضي لصالح الأسهم العالمية والدولار الأمريكي على حساب الذ-هب وسط توافر ما يؤيد احتمالات تحقيق بنك الاحتياطي الفيدرالي سيناريو “الهبوط المرن”، وهو ما اتضح من خلال البيانات الأمريكية التي حملتها المفكرة الاقتصادية إلى الأسواق في فترة التداول المنتهية في 26 يناير 2023.
وكان لليورو والدولار الكندي قصصاً مختلفة على مدار الأسبوع الماضي، إذ أبقى البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا على معدل الفائدة دون تغيير خطاب سلبي صدره البنكان المركزيان إلى الأسواق فيما يتعلق بالمسار المستقبلي للاقتصاد في منطقة اليورو وكندا.
وراح الذهب ضحية للارتفاع الكبير الذي حققه الدولار الأمريكي بعد ظهور دفعات من البيانات الاقتصادية الأمريكية التي أثارت قدرا من التفاؤل في الأسواق.
وتوافرت عدة عوامل كان شأنها دفع العقود الآجلة للنفط في اتجاه تحقيق مكاسب أسبوعي كبيرة بعد الصعود بحوالي 7.00% في الأسبوع المنتهي في 26 يناير 2024.
البيانات الاقتصادية
سجل مؤشر أسعار الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الأخير من العام الماضي ارتفاعا بـ1.5%، وهو ما جاء أقل من القراءة المسجلة في الربع الثالث من 2023.
ورغم أن القراءة الفعلية جاءت أقل من سابقتها، إلا أنها تؤكد أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في منطقة النمو وأنه تمكن من تفادي الانكماش في نهاية العام الماضي.
وسجل مؤشر مطالبات إعانات البطالة الأسبوعية ارتفاعا بـ214 ألف مطالبة في الأسبوع المنتهي في 19 يناير الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 189 ألف مطالبة، وهو ما جاء أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت إلى 200 ألف وظيفة.
كما ارتفع إجمالي عدد المستفيدين من إعانات البطالة في الولايات المتحدة إلى 1.833 مليون مستفيدا في الأسبوع المنتهي في 12 يناير الجاري مقابل القراءة السابقة التي سجلت 1.806 مليون مستفيدا، وهو ما تجاوز توقعات الأسواق التي أشارت إلى 1.828 مليون مستفيدا.
وكانت دفعة المؤشرات الأكثر أهمية التي ظهرت الأسبوع الماضي هي بيانات التضخم، إذ سجلت قراءة أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة – الذي يُعد المؤشر الأكثر مصداقية واعتمادية بالنسبة للفيدرالي بين مؤشرات التضخم – بـ1.7% في الربع الأخير من العام الماضي مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعا بـ2.6%.
ولم تشهد قراءة مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة في الربع الماضي أي تغيير، مستقرا عند 2.00%، وهو نفس الرقم الذي توقعته الأسواق.
وأثارت هذه الدفعات من البيانات تكهنات بأن الفيدرالي لن يكون في عجلة من أمره عند دراسة البدء في خفض الفائدة، إذ يبدو أنه يقترب من تحقيق سيناريو “الهبوط المرن” الذي يتضمن تحقيق هدف خفض التضخم دون دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة من الركود.
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي في الولايات المتحدة – شهري ديسمبر 2023 – المصدر: Tradingeconomics
الأسهم العالمية والدولار الأمريكي
أنهى مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة العملات الرئيسية تعاملات الأسبوع المنتهي في 26 يناير 2024 في الاتجاه الصاعد مستفيدا من دفعات البيانات التي زادت الثقة في أداء الاقتصاد في الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة.
واعتمد الدولار الأمريكي في الصعود على مكانته كعملة أكبر اقتصادات العالم الذي يحقق أداء قويا في الفترة الأخيرة أكسبت العملة الكثير من النقاط في الأشهر القليلة الماضية.
وكانت البيانات الأكثر تأثيرا على العملة الأمريكية هي بيانات النمو التي ركز عليها ثيران الدولار الذين رأوا أن استمرار الاقتصاد الأمريكي في تحقيق المزيد من النمو يُعد دليلا على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفه الأهم في المرحلة الراهنة، وهي خفض التضخم، وهو ما قد يوفر متسعا أمام البنك المركزي قد يساعده على عدم التعجل في خفض الفائدة، وهو ما يصب في صالح العملة الأمريكية.
كما استفادت الأسهم المسجلة في بورصة نيويورك من سيناريو “الهبوط المرن” الذي يتضمن إمكانية نجاح الفيدرالي في خفض الفائدة دون الدخول بالاقتصاد الأمريكي في حالة من الركود.
وحققت مؤشر داو جونز الصناعي ارتفاعا بحوالي 0.2% في حين خسر ستاندردز آند بورس500، وناسداك للصناعات التكنولوجية الثقيلة تراجعا بأقل من 0.1% و0.4% على الترتيب.
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي باستثناء أسعار الغذاء والطاقة في الولايات المتحدة – شهري ديسمبر 2023 – المصدر: Tradingeconomics
لليورو قصة مختلفة
أنهى اليورو تعاملات الأسبوع الماضي في الاتجاه الهابط رغم إبقاء البنك المركزي الأوروبي معدل الفائدة دون تغيير في اجتماع يناير الجاري ورغم ميل البنك المركزي إلى التقليل من أهمية التوقعات التي تصاعدت في الفترة الأخيرة باقترابه من البدء في خفض الفائدة.
ورغم استمرار الفائدة الأوروبية من مستويات مرتفعة تاريخية وترجيح البنك المركزي كفة الإبقاء على تلك المعدلات المرتفعة دون تغيير في الفترة المقبلة، لم تتمكن العملة الأوروبية من الصعود.
وجاءت الخسائر الأسبوعية لليورو نتيجة لقدر كبير من السلبية الذي أشاعته في الأسواق تصريحات كريستين لاجارد، رئيسة مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، التي تحدثت عن المسار المستقبلي للاقتصاد في منطقة اليورو وعلاقته بقرار الفائدة في المرحلة المقبلة.
وقالت لاجارد، في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب إعلان قرار تثبيت الفائدة الأوروبية: “التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط تزيد من مخاطر صعود للتضخم”.
وأضافت: “قد يتراجع التضخم بسرعة أكبر إذا تطورت أسعار الطاقة بما يتماشى مع الانخفاض الأخير”، لكنها أكدت أنه “كان هناك إجماع على طاولة الاجتماع على أنه من السابق لأوانه الحديث عن خفض أسعار الفائدة”.
وتوقعت أن تعكس البيانات المرتقبة “توقف الاقتصاد عن النمو في الربع الرابع من العام الماضي”، مرجحة أن سلسلة مؤشرات مديري عكست أن هناك بعض إشارات التعافي التي قد تظهر في الفترة المقبلة.
وكان للدولار الكندي قصة مشابهة، إذ تراجع رغم الإبقاء على معدل الفائدة الكندية دون تغيير، وذلك بسبب السلبية التي تضمنا محتوى بيان الفائدة الصادر عن البنك المركزي.
مؤشر أسعار المستهلك السنوي لمنطقة اليورو ديسمبر 2023 – المصدر: Tradingeconomics
النفط
ختمت العقود الآجلة للنفط تعاملات الأسبوع الماضي بمكاسب كبيرة بلغت حوالي 0.7% بعد التراجع الحاد في المخزونات الأمريكية الذي يعده كثيرون إشارة إلى تعافي الطلب لدى أكبر اقتصادات العالم.
يضاف إلى ذلك بعض العوامل ذات الصلة باتجاهات المخاطرة في أسواق المال العالمية، أبرزها البيانات الاقتصادية التي ظهرت منها دفعات إيجابية أثناء تعاملات الحميس.
وألقت تلك البيانات الضوء على ما يرجح كفة سيناريو “الهبوط المرن” الذي يتضمن أن ينجح الفيدرالي في خفض التضخم دون أن يدخل الاقتصاد الأمريكي في ركود.
وتراجعت مخزونات النفط الأمريكية بـ9.2 مليون برميل الأسبوع الماضي، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، وهو ما فاق توقعات السوق التي أشارت إلى هبوط أقل حدة بـ2.2 مليون برميل.
وأشار تقرير المخزونات أيضا إلى هبوط معدل إنتاج النفط في الولايات المتحدة من أعلى المستويات القياسية عند 13.3 مليون برميل يوميا إلى أدنى المستويات في خمسة أشهر عند 12.3 مليون برميل الأسبوع الماضي.
وقال مسؤولون بمواقع الإنتاج بولاية داكوتا الأمريكية، ثالث أكبر ولاية إنتاجا للنفط في الولايات المتحدة، إن الأمر قد يستغرق شهرا على الأقل حتى يتعافى الإنتاج في حقول النفط في الولاية.
وعلى صعيد تقارير الأرباح الصادرة الأسبوع الماضي، فاقت أرباح بروكتر آند جامبل لمنتجات الأسرة التوقعات في الربع الثاني من العام المالي 2023، لكن إيرادات الشركة جاءت أقل بقليل مما أشارت إليه توقعات الأسواق. كما تجاوزت أرباح جونسون آند جونسون لمنتجات الأسرة أيضا التوقعات، لكن ليس إلى حدٍ كبيرٍ.
الأسبوع المقبل
مع إعلان خمس من شركات التكنولوجيا الكبرى عن نتائجها وأرباحها بين الثلاثاء والخميس المقبلين، يقترب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من تحقيق أرقام قياسية، ثم يعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قراره بشأن سعر الفائدة، الأربعاء، وبعد ذلك يعقد رئيسه جيروم باول مؤتمرًا صحفيًا لمناقشة مستقبل السياسة المالية الأمريكية؛ ومع اقتراب محافظي البنوك المركزية من تيسير السياسة النقدية وزيادة قيمة عمالقة التكنولوجيا مثل مايكروسوفت، أصبحت المخاطر في سوق الأسهم أعلى من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من انخفاض أسهم شركة تيسلا الذي أدى إلى محو أكثر من 200 مليار دولار من القيمة السوقية في شهر واحد فقط، إلا أن الشركات التكنولوجية السبعة الكبار التي تضم تسلا، لامست مؤخرًا مستوى قياسيًا بلغ 29٪ من مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
ومن المتوقع أن تعلن ميكروسوفت وألفابيت أرباحهما يوم الثلاثاء بعد إغلاق الأسواق، وتجدر الإشارة إلى أن الشركتين في وضع جيد يتيح لهما الاستفادة من طفرة الذكاء الاصطناعي بعد استثمارهما بكثافة في هذا المجال على مدار سنوات، إذ يراهن المستثمرون على أن الذكاء الاصطناعي سيبدأ قريبًا في تعزيز نمو الأرباح والمبيعات.
ومن المتوقع أن يبقي اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي لشهر يناير على أسعار الفائدة دون تغيير للاجتماع الرابع على التوالي، وسيظل قرار المركزي الأمريكي وتعليقات مسؤوليه في بؤرة اهتمام المستثمرين اعتبارًا من يوم الأربعاء، مع التركيز بصفة خاصة على ما يصرح به جيروم باول والسلطات المالية الأخرى حول موعد التيسير المرتقب.
وثمة عامل جذب كبير آخر في يوم الخميس، مع إعلان شركة آبل تقارير أرباحها في فترة ما بعد الظهر جنبًا إلى جنب مع منصات ميتا المالكة لواتسآب وفيسبوك وإنستجرام، ومن المتوقع أن تعلن الشركة المصنعة لجهاز آيفون عن أول زيادة في المبيعات خلال أربعة أرباع، لكنها لا تزال تعاني من المخاوف بشأن نمو الإيرادات. ونظراً لأن غالبية أسهم الشركات الكبرى يتم تداولها عند مستويات قياسية، فهناك مخاوف من أن المستثمرين قد يكون أمامهم عدد صغير من الشركات، وهو ما قد يمثل مشكلة إذا جاءت النتائج الفصلية أقل من التوقعات.