شهدت سوق النفط العالمية منذ منتصف أبريل 2024 تقلبات ملحوظة، حيث ظلت الأسعار تتأرجح وظلت تتفاعل مع الضغوط الصعودية والهبوطية ومن أجل فهم هذه التقلبات، نحتاج إلى الرجوع إلى البيانات الموثوقة والبقاء على اطلاع دائم بالتطورات العالمية وأبرز العوامل التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مستويات العرض والطلب على النفط، وبدورها تؤثر على تحركات الأسعار، وفي هذا التقرير نحاول التعمق في العوامل الرئيسية الكامنة وراء تلك التقلبات والانخفاض الراهن لأسعار النفط.
الضغوط الهبوطية:
يعكس تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر، في نسخته المحدثة قبل بضعة أيام، عن صندوق النقد الدولي (طبعة أبريل 2024، ويحمل عنوان: “تقرير خاص بالسلع الأساسية”) المخاوف السابقة الصادرة قبل عام واحد، وقد أجرى التقرير مراجعةً شاملة لتوقعات النمو العالمي هبوطيًا. ويترجم هذا إلى انخفاض متوقع في مستويات إجمالي الطلب العالمي على النفط، مما شكّل بالفعل ضغطًا هبوطيًا على أسعار النفط في أبريل 2024، ولامس النفط أدنى مستوياته في سبعة أسابيع، الأربعاء، ليغلق على انخفاض تجاوز 3%، إذ انخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسليم يوليو بمقدار 2.89 دولار، أو 3.4%، عن مستوى إغلاق عقود يوليو المسجلة في يوم التداول السابق، الثلاثاء ليستقر خام برنت عند 83.24 دولار للبرميل، أي أننا أمام أكبر انخفاض يومي بالنسبة المئوية منذ أكتوبر 2023.
وانخفض خام غرب تكساس الوسيط، النفط الأمريكي، 2.93 دولار، أو 3.6%، ليتحدد سعر التسوية عند 79.00 دولار للبرميل وكانت تلك أدنى مستويات الإغلاق لكلا الخامين القياسيين منذ 12 مارس، وتركت هذه المستويات كلاهما في منطقة ذروة البيع من الناحية الفنية للمرة الأولى منذ ديسمبر 2023.
تباطؤ أم هبوط سلس؟
وقبل ساعات فقط من وقت كتابة هذا التقرير، أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة ثابتة وأشار إلى أنه لا يزال يميل نحو تخفيضات نهائية في تكاليف الاقتراض، لكنه وضع علامة حمراء على قراءات التضخم المعلنة في الآونة الأخيرة والتي جاءت مخيبة للآمال وأشار بيان السياسة النقدية الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء، إلى أن “التضخم قد تراجع” ولكن أي تأخير في خفض أسعار الفائدة قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وخفض الطلب على النفط، الأمر الذي يجدد التساؤلات حول ما إذا كان ما يحدث في الولايات المتحدة هو تباطؤ اقتصادي أم هبوط سلس.
مفاجآت سلاسل التوريد:
على عكس أبريل 2023، قوبلت تخفيضات إنتاج أوبك+ الطوعية في أبريل 2024 بزيادة في الإنتاج من الأمريكتين، وخاصة الولايات المتحدة (وكشفت البيانات الواردة من تقرير إنتاجية الحفر الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أبريل 2024 عن زيادة كبيرة في منصات الحفر النشطة مقارنة بأبريل 2023)، كما ساهمت كل من البرازيل وغيانا، بأمريكا الجنوبية في زيادة العرض، وقد أضافت عودة إيران إلى السوق المزيد من جانب العرض في أبريل 2024، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة من ليبيا التي تشير إلى أن الدولة، الواقعة في شمال أفريقيا، تخطط لزيادة إنتاجها من النفط إلى مليوني برميل يوميًا، وقد ورصدت بالفعل استثمارات تصل قيمتها إلى 17 مليار دولار لتحقيق ذلك.
التأثيرات الجيوسياسية:
لا تزال التوترات بمنطقة البحر الأحمر، على غرار أبريل 2023، تساهم في ارتفاع أسعار شحن الناقلات، وخدمات أخرى كثيرة من بينها الخدمات التأمينية في أبريل 2024 ومع ذلك، ظل التأثير على أسعار النفط الخام بحد ذاته ضئيلًا، مما يعكس التأثير الخافت الذي لوحظ خلال الأشهر الأخيرة.
الضغوط الصعودية:
علاوة المخاطر الجيوسياسية، على الرغم من أنها ليست عاملاً رئيسياً في أبريل 2024، إلا أن التوترات المستمرة في الشرق الأوسط تحمل دائمًا خطر انقطاع الإمدادات ومن الممكن أن يؤدي أي تصعيد كبير إلى ارتفاع الأسعار، ولكن مباحثات الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة ساهمت في التخفيف من هذه المخاطر التي كان من الممكن أن تطال الشرق الأوسط، أحد أهم مناطق إمدادات النفط على مستوى العالم.
وإلى حد كبير، تتجاهل أسواق النفط تداعيات التوترات في غزة والشرق الأوسط، بعد أن بدت المخاوف المرتبطة بتلك التوترات مبالغ فيها، إذ استقرت أسعار النفط عند 87 دولاراً للبرميل، قبل نحو 3 أيام وهو نفس مستواها قبل تزايد حدة الصراع خلال الأيام الماضية.
التأثير الصافي: قانون التوازن
بالنظر إلى هذه العوامل، توقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا طفيفًا في أسعار النفط لعام 2024، مع متوسط سعر خام برنت 78.60 دولارًا للبرميل (وفقًا لتقرير آفاق صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي).
ما بعد أبريل 2024:
ومن المهم أن نتذكر أن سوق النفط يتفاعل مع التطورات باستمرار وفيما يلي بعض العوامل الإضافية التي من الممكن النظر في تأثيرها على الأسعار:
إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة:
كان إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مصدرًا رئيسيًا للإمدادات الجديدة في السنوات الأخيرة. ومن الممكن أن يؤثر استمرار النمو أو التراجع في هذا القطاع على أسعار النفط العالمية، وقد تعهد البيت الأبيض بأن تظل أسعار البنزين في متناول الجميع مع اقتراب فصل الصيف.
ونرجح أن هدوء أسعار النفط الخام في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية يعود – نسبيًا – إلى ما حدث على بُعد أكثر من 7 آلاف ميلا من الشرق الأوسط؛ أي في حقول النفط الصخري بكل من منطقتي غرب تكساس وداكوتا الشمالية، إذ تترك منصات الحفر الأسواق العالمية غارقة في النفط الصخري الذي – دون شك – يرسم خريطة النفط العالمية على نحو يجب على المستثمرين فهمه، بل ومن شأنه التأثير على توازن العرض والطلب.
وأعلنت إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات النفط الخام التجارية الأمريكية ارتفعت بمقدار 7.3 مليون برميل إلى 461 مليون برميل إجماليًا الأسبوع الماضي المنتهي في 26 أبريل، وهي أعلى مستويات المخزون منذ يونيو 2023. وانخفض معدل معالجة المصافي للنفط الخام إلى البنزين والمنتجات الأخرى إلى 87.5٪، بشكل ملحوظ، بأقل من 90.7% في الفترة نفسها من العام الماضي.
وانخفض معدل تشغيل مصافي التكرير مع انخفاض الطلب على البنزين إلى أقل من 9 ملايين برميل يوميا لمدة أربعة أسابيع. وبلغ المتوسط اليومي للطلب على البنزين 8.5 مليون برميل يوميا الأسبوع الماضي، بانخفاض 1.3% عن نفس الفترة من العام الماضي.