أدى الصراع بين إسرائيل وإيران، الذي اندلع بضربات في 13 يونيو 2025، إلى إغراق شركات الطيران في فوضى. وثمة عوامل بما في ذلك إغلاق المجالات الجوية، وارتفاع تكاليف الوقود، وانهيار الأسهم، قد أدت مجتمعةً إلى تدمير الإيرادات، بينما تستفيد قطاعات الطاقة والدفاع من ذات الأزمة. تكشف هذه الأزمة عن حقيقة قاسية مؤداها أن الصدمات الجيوسياسية يمكن أن تصيب حركة السفر العالمي بالشلل بين عشية وضحاها. وينصب تركيز هذا التقرير على كيفية انهيار أسهم وإيرادات شركات الطيران، علاوة على التكاليف الإضافية الباهظة التي تتكبدها، والخطوات العاجلة لتحقيق بعض التعافي الذي تشتد الحاجة إليه.
توقف السفر الجوي بسبب الفوضى
أُغلقت المجالات الجوية فوق إسرائيل وإيران والعراق والأردن وسوريا، مما أدى إلى توقف آلاف الرحلات. وتوقف مطار بن جوريون في تل أبيب عن العمل، مما أجبر شركات مثل “العال” على إلغاء الرحلات ونقل الطائرات مؤقتًا إلى ملجأ آمن. وأوقفت شركات كبرى مثل طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية رحلاتها إلى طهران وبغداد، وإربيل وبيروت بعضها حتى أغسطس 2025. وأُعلن عن تعليق 1800 رحلة أوروبية، مع إلغاء 650 منها. كما أدت إعادة توجيه الرحلات عبر السعودية ومصر إلى زيادة تكاليف الوقود بنسبة 15-20%، وتفاقمت الأزمة التي تواجهها الخطوط الجوية بارتفاع أسعار خام برنت بنسبة 7% إلى 74.23 دولارًا للبرميل. ويعكس هذا وضعًا مشابهًا لاضطرابات 2024 بين إسرائيل ولبنان، لكنه يضرب الصناعة بقوة أكبر، ما أدى إلى خنق قناة مهمة من قنوات الانتقال والاتصال العالمي.
انهيار الأسهم والإيرادات
تعرضت أسهم وإيرادات شركات الطيران لتراجع لافت، وأضرار لا لبس فيها، إذ انخفضت أسهم طيران العربية بنسبة 10%، وهو الأسوأ منذ 2008، مع توقعات بانخفاض الإيرادات بنسبة 15% حتى يوليو 2025 بسبب تعطل الرحلات في الشرق الأوسط. كما تراجعت أسهم “إنترجلوب أفييشن” بنسبة 5.62%، متوقعة انخفاضًا في الإيرادات بنسبة 5-8% في الربع الثاني من 2025، علاوة على تكاليف إضافية أسبوعية بقيمة 2 مليون دولار بسبب تغيير المسارات والتحويلات. وانخفضت أسهم لوفتهانزا الألمانية بنحو 5%، متوقعة خسارة إيرادات بقيمة 200 مليون يورو من
تعليق رحلات تل أبيب وطهران.
وبالمثل؛ تراجعت أسهم أمريكان إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز بنسبة 4.9% و4.4% على الترتيب، وتواجه كل منهما خسائر تتراوح بين 300 و500 مليون دولار بسبب الإلغاءات وارتفاع تكاليف الوقود، التي تستحوذ على 30-35% من النفقات. وخفضت المنظمة الدولية للنقل الجوي، IATA، توقعاتها لأرباح شركات الطيران العالمية لعام 2025 إلى 36 مليار دولار، من 36.6 مليون دولار في ديسمبر 2024، مشيرة إلى انخفاض الطلب وارتفاع التكاليف. في المقابل، استفادت أسهم شركات الطاقة مثل إكسون موبيل (ارتفعت 2.2%) وشركات الدفاع مثل لوكهيد مارتن (ارتفعت 3%) من الأزمة، مما يكشف عن انقسام حاد في السوق بين قطاعات تتكبد الخسائر وأخرى رابحة .
تكاليف مدمرة وتداعيات واسعة
تمتد الخسائر المالية إلى ما هو أبعد من الأسهم. ارتفعت تكاليف الوقود، التي تشكل 30-40% من ميزانيات شركات الطيران، وسط ارتفاع أسعار النفط، مما تسبب في خسائر يومية للشركات الأوروبية تصل إلى 10 ملايين يورو بسبب إعادة التوجيه. واجهت كانتاس تكاليف إضافية يومية بقيمة 1.2 مليون دولار أسترالي، مما أجبرها على رفع أسعار التذاكر بنسبة 5-10%. توقعت الخطوط الجوية القطرية خسارة إيرادات بقيمة 150 مليون دولار حتى يوليو، بينما أبلغت طيران الإمارات عن انخفاض الحجوزات الإقليمية بنسبة 12%. ويرى فريق من الخبراء أن شركات الطيران يمكنها امتصاص هذه التكاليف عبر زيادة الأسعار، لكن انخفاض الطلب – بنسبة 5% على الطرق عبر الأطلسي – يشير إلى سيناريو أكثر قتامة. وتضيف التكاليف البيئية المزيد من الضرر: زادت إعادة التوجيه من انبعاثات الكربون بنسبة 15% للرحلات بين أوروبا وآسيا و12% للطرق الأسترالية، مما يعرقل أهداف الاستدامة. وتهدد هذه الضغوط ربحية الشركات على المدى الطويل وتؤثر بطبيعة الحال على مستوى ثقة المستهلكين.
ماذا بعد؟
تسعى شركات الطيران إلى التحرك بسرعة لوقف الخسائر. ويوفر التحوط ضد تكاليف الوقود وتحسين الطرق ارتياحًا قصير الأجل، لكن الإجراءات الكبرى لا تزال ضرورية. ويرى الخبراء أنه على الحكومات الآن إعطاء الأولوية لإعادة فتح المجالات الجوية بأمان لخفض تكاليف تغيير المسارات والتحويلات. ويعتقد أن التوسع في استخدام وقود الطيران المستدام، رغم تكلفته العالية، قد يحد من الانبعاثات ويخفف من الإجراءات والتدقيق التنظيمي. إذا دفع التوتر أسعار النفط إلى 100-130 دولارًا للبرميل، ففي مثل هذا السيناريو قد تواجه شركات الطيران خسائر أعمق، بينما قد ترتفع أسهم الطاقة والدفاع على نحو أكبر. ولا شك في أن التهدئة هي طوق النجاة – وبدونها، قد يواجه القطاع خطر هبوط تحطمي طويل الأمد، مع بقاء الإيرادات والأسهم منخفضة على مدار أشهر.
