شهد خام غرب تكساس الوسيط (WTI) انهيارًا حادًا دون مستوى 60 دولارًا للبرميل، في تراجع يومي مذهل محا أسابيع من التفاؤل الحذر في أسواق الطاقة العالمية. فقد هبطت الأسعار بنسبة 4%، وهو أكبر انخفاض منذ يونيو، بعدما أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشعال التوتر التجاري مع الصين ملوّحًا بفرض رسوم جمركية جديدة. ما بدأ كمواجهة اقتصادية محدودة تحوّل الآن إلى خطر يهدد النمو العالمي، ويضع أسواق الطاقة والأصول عالية المخاطر في حالة تأهب.
لم يعد النفط يتحرك استجابة لتغريدات أو تصريحات عابرة، بل لتزايد القناعة بأن التقلبات السياسية باتت عاملًا اقتصاديًا مؤثرًا بحد ذاته. فعندما يصدر عدم اليقين عن دولة كبرى منتجة مثل الولايات المتحدة، تمتد تداعياته إلى ما هو أبعد من التجارة، لتصيب ثقة الأعمال والاستثمار في البنية التحتية للطاقة وتوازن العرض والطلب العالمي.
الرسوم الجمركية والمعادن النادرة والمخاطر الإستراتيجية
جاءت تهديدات ترامب الأخيرة بفرض رسوم شاملة على الواردات الصينية بالتزامن مع خطوات بكين المضادة، التي شملت تشديد القيود على تصدير المعادن النادرة، وهي عناصر أساسية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع. وتمثل هذه الخطوة تصعيدًا كبيرًا في المواجهة الاقتصادية بين القوتين، ما يعقّد جهود استئناف المفاوضات التجارية المنتظرة في قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC).
وتقرأ الأسواق هذه التطورات على أنها أكثر من مجرد مناوشات دبلوماسية. فاستمرار النزاع الجمركي يهدد بتباطؤ الإنتاج الصناعي في آسيا والولايات المتحدة معًا. وبالنسبة لأسواق الطاقة، يعني ذلك تراجعًا متوقعًا في الطلب، في وقت يعاني فيه المنتجون—وخاصة قطاع النفط الصخري الأمريكي—من ارتفاع الإنتاج وتآكل هوامش الربح. باختصار، إن لعبة شد الحبل السياسية تعيد صياغة معادلة المخاطر في سوق النفط.
الخلفية الاقتصادية الأوسع
تأتي هذه التوترات في لحظة هشّة بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي ما زال حساسًا لأي صدمات سياسية. فقد أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن السياسة النقدية وحدها لا تستطيع تعويض الاضطرابات الهيكلية أو الجيوسياسية، فيما شددت وزيرة الخزانة جانيت يلين على أن استقرار سلاسل الإمداد شرط أساسي للنمو المستدام. وعندما تهدد القرارات السياسية هذه الأسس، لا تكفي بيانات التوظيف الإيجابية أو استقرار التضخم لحماية الأسواق من التقلب.
في ظل هذه البيئة، يجد المتعاملون والمستثمرون في الطاقة أنفسهم أمام عالم تتحكم فيه العناوين السياسية أكثر من الأساسيات الاقتصادية كالعرض والطلب والمخزونات. فامتزاج الضبابية السياسية الأمريكية بالإجراءات الصينية المضادة وتباطؤ التجارة العالمية، يخلق حالة يصبح فيها التقلب هو القاعدة لا الاستثناء.
إلى أين تتجه أسواق الطاقة؟
السؤال الحاسم الآن هو: هل تستطيع أسواق الطاقة العالمية التكيف مع هذا “الوضع الطبيعي الجديد” من المخاطر السياسية؟ فاستمرار المواجهة بين واشنطن وبكين سيضعف ثقة المستهلكين ويضغط على سلاسل الإمداد ويُبقي أسعار النفط تحت ضغوط مستمرة. أما أي انفراجة دبلوماسية فستوفر راحة مؤقتة فقط، ما لم تُرفق بضمانات هيكلية لاستقرار التجارة والتعاون في مجال الطاقة.
وبينما تحاول الحكومات الموازنة بين مصالحها الوطنية، يظل سوق النفط المؤشر الأبرز على ثقة المستثمرين في مستقبل الاقتصاد العالمي. فالانخفاض الأخير إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل ليس مجرد حركة سعرية، بل جرس إنذار. وحتى تهدأ التوترات الجيوسياسية وتتضح السياسات الاقتصادية، سيظل الحذر هو الخيار الأكثر عقلانية أمام المتعاملين وصانعي القرار في طريق مليء بالمخاطر والتقلبات.

النفط