تشير المعطيات الاقتصادية حتى 8 ديسمبر 2025 إلى أن البنوك المركزية العالمية تتحرك في بيئة تنطوي على الكثير من التعقيد؛ حيث يتباطأ التضخم في مناطق معينة بينما تظل أسواق العمل مرنة بشكل غير متساوٍ. يتسم المشهد بتباين واضح: تميل بنوك مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا نحو خفض معدلات الفائدة لدعم النمو، بينما يفضل البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا سياسة التثبيت لضمان استقرار التضخم. وفي الأسواق الناشئة، تبرز روسيا وتركيا بتوجهات نحو التيسير النقدي، في حين تسبح اليابان عكس التيار باحتمالية رفع الفائدة.
تفاصيل السياسات النقدية شرقًا وغربًا:
1. الولايات المتحدة: الاحتياطي الفيدرالي (Fed)
القرار المتوقع: خفض بمقدار 25 نقطة أساس ليصل المعدل إلى 3.50% – 3.75%.
السياق: يتبنى جيروم باول نهجاً حذراً؛ فرغم تباطؤ التضخم، فإنه لا يزال فوق مستهدف 2%. يهدف الخفض إلى حماية سوق العمل من مزيد من الضعف وسط ارتفاع طفيف في معدلات البطالة، مع مراقبة السياسات المالية للإدارة الأمريكية الجديدة وتأثيراتها المحتملة على النمو.
2. منطقة اليورو: البنك المركزي الأوروبي (ECB)
القرار المتوقع: تثبيت الفائدة على الإيداع عند 2.00%.
السياق: يرى المركزي الأوروبي أن المستويات الحالية مناسبة في ظل مخاطر تضخمية مستمرة في قطاع الخدمات. وبينما يبدو سوق العمل قوياً والنمو يتجاوز التوقعات في بعض مناطق اليورو، يفضل البنك مراقبة البيانات حتى منتصف 2026 قبل اتخاذ أي خطوة تصحيحية.
3. المملكة المتحدة: بنك إنجلترا (BoE)
القرار المتوقع: خفض بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.75%.
السياق: يسود انقسام داخل لجنة السياسة النقدية؛ فبينما يركز “الصقور” على تضخم لا يزال عند 3.6%، يخشى الجانب الآخر من انكماش سوق العمل (البطالة عند 5%)، مما يجعل قرار الخفض “رجحانياً” وليس حتمياً.
4. كندا وسويسرا: سياسة التريث
كندا: توقعات بالتثبيت عند 2.25%؛ حيث ينتظر البنك وضوح الرؤية بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية وتأثيراتها على النمو الكندي الذي شهد تباطؤاً في النصف الثاني.
سويسرا: توقعات بالبقاء عند مستويات قريبة من 0.00% للحفاظ على تنافسية الصادرات وتجنب الفوائد السالبة رغم قوة الفرنك السويسري.
5. اليابان: بنك اليابان (BoJ)
القرار المتوقع: رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى 0.75%.
السياق: في خطوة استثنائية مقارنة بنظرائه، يتحرك البنك نحو التشديد النقدي مدفوعاً بنمو الأجور وضغوط التضخم المحلية، مما يعزز الثقة في تعافي الاقتصاد الياباني.
6. الأسواق الناشئة: روسيا وتركيا
روسيا: توقعات بخفض إلى 16.00% مع تباطؤ التضخم، وسط توقعات بتباطؤ حاد في النمو الاقتصادي نتيجة العقوبات والسياسات النقدية المتشددة السابقة.
تركيا: خفض متوقع ليصل إلى حدود 38.00%؛ حيث بدأ التضخم في التراجع (31% أدنى مستوى في 4 سنوات)، مما يمنح البنك المركزي مساحة لتحفيز النمو تدريجياً.
7. الصين وأستراليا ونيوزيلندا
الصين: لا يوجد في الأفق تغيير متوقع في سعر الإقراض (3.00%)؛ حيث يركز “بنك الشعب” على تحقيق توازن بين دعم الاقتصاد المتباطئ واستقرار العملة.
أستراليا: تثبيت عند 3.60% بسبب تضخم لا يزال يتجاوز التوقعات وضغوط في سوق العقارات.
نيوزيلندا: لا اجتماعات مقررة في ديسمبر، مع استقرار الأسعار عند 2.25% بعد جولات الخفض السابقة.
يعكس شهر ديسمبر 2025 تحولاً عالمياً نحو “الحذر الاستراتيجي”. فبينما تبدأ مرحلة التيسير في الاقتصادات الغربية الكبرى، تظل يقظة التضخم هي العائق الأساسي أمام تخفيضات أكثر عدوانية، مما يجعل البيانات الاقتصادية القادمة هي المحرك الوحيد للقرارات في مطلع 2026.
بناءً على التوقعات والمؤشرات المسجلة لشهر ديسمبر 2025، يمكن القول إن الأغلبية تميل نحو “التيسير الحذر” أو “التثبيت مع ميل للتيسير”، ولكن المشهد العالمي منقسم إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. معسكر التيسير (خفض الفائدة)
تميل البنوك المركزية في هذا المعسكر إلى خفض الفائدة لدعم النمو الاقتصادي ومنع الركود، خاصة مع ظهور إشارات على تباطؤ التضخم وارتفاع معدلات البطالة.
أبرز اللاعبين: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بنك إنجلترا، البنك المركزي الروسي، والبنك المركزي التركي.
الهدف: تحفيز الاقتصادات التي بدأت تشعر بضغط معدلات الفائدة المرتفعة.
2. معسكر التثبيت (الانتظار والمراقبة)
هذا المعسكر هو “عنصر الحسم”، حيث يفضل المسؤولون عدم تغيير الفائدة حالياً لضمان استقرار التضخم عند مستوياته المستهدفة، مع الاحتفاظ بمرونة الخفض في عام 2026.
أبرز اللاعبين: البنك المركزي الأوروبي، بنك كندا، بنك الاحتياطي الأسترالي، وبنك الشعب الصيني.
الهدف: تجنب حدوث صدمة تضخمية مرتدة والتأكد من استقرار أسعار الخدمات والأجور.
3. معسكر التشديد (رفع الفائدة)
يعد هذا المعسكر هو الأقلية المطلقة في ديسمبر 2025، حيث يسبح عكس التيار العالمي.
أبرز اللاعبين: بنك اليابان.
الهدف: معالجة تضخم الأجور والانتقال من سياسة الفائدة الصفرية/المنخفضة جداً إلى مستويات أكثر طبيعية.
ملخص التوجهات النقدية العالمية
تشهد نهاية عام 2025 تحولاً جذرياً مع إعلان البنوك المركزية الكبرى انتهاء عصر “الفائدة الرخيصة”، حيث استُبدلت خطط التيسير النقدي بسياسات أكثر تحفظاً نتيجة التضخم العنيد وقوة سوق العمل. فبينما يقترب الاحتياطي الفيدرالي وبنك كندا من خفضهما الأخير قبل الدخول في مرحلة توقف طويلة، تبنت البنوك في أوروبا وأستراليا وسويسرا وضعية “الانتظار والترقب” مع الحفاظ على مستويات فائدة مرتفعة نسبياً، في حين يغرد بنك اليابان وحيداً بمسار تشديد حقيقي لرفع الفائدة، مما عزز من قوة الين الياباني أمام العملات الرئيسية الأخرى التي تعاني من ضغوط التباطؤ.
يفرض هذا الواقع الجديد على الأسواق التكيف مع بيئة استثمارية تتسم بمعدلات فائدة طبيعية أعلى، ما ينعكس ضغطاً على تقييمات الأسهم ويوفر فرصاً أفضل في الأصول ثابتة الدخل. وتؤكد الخلاصة أن عصر السيولة اللامحدودة قد ولى، مما يجعل اليقظة والمتابعة المستمرة للتقلبات ضرورة قصوى لتجنب المخاطر الناتجة عن القرارات العاطفية؛ فالأسواق المتقلبة لا تمنح الأمان إلا للمستثمر الذي يلتزم بالحذر والدقة في تقييم الفرص المتاحة وسط هذه التحولات المتسارعة.
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات