في لحظة تاريخية تشهدها أسواق المال العالمية، نجح الذهب في تسجيل مستويات قياسية غير مسبوقة هذا الأسبوع، حيث تجاوزت الأوقية عتبة الـ 4442 دولاراً. هذا الصعود المدوي، الذي شهد قفزة تزيد عن 2% في يوم واحد، لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتاج “عاصفة كاملة” من الاضطرابات الجيوسياسية وتحولات كبرى في المشهد الاقتصادي العالمي، ما دفع المستثمرين للهروب نحو “المعدن الأصفر” كدرع واقٍ في مواجهة عدم اليقين وضعف الدولار.
الغيوم الجيوسياسة تلبد سماء الأسواق
كان المحرك الرئيسي لهذه القفزة هو التصعيد الحاد في التوترات الدولية؛ فالأسواق تعيش حالة من الترقب والقلق بعد الإعلان عن “حصار” بحري يستهدف ناقلات النفط في أمريكا الجنوبية، ما فتح الباب أمام تكهنات واسعة حول احتمالات حدوث عمليات عسكرية. هذه التطورات، تزامناً مع تجدد الاحتكاكات في منطقة الشرق الأوسط، أعادت إحياء الطلب على الذهب كـ “ملاذ آمن”. وتاريخياً، كلما اهتز استقرار النظام العالمي، يفضل المستثمرون تدوير رؤوس أموالهم نحو الأصول التي لا تعتمد على وعود الحكومات أو الأنظمة المالية الورقية.
رياح اقتصادية تدفع “المعدن الأصفر”
بعيداً عن جبهات القتال المنتشرة حول العالم، ثمة قوى اقتصادية خفية تدعم هذا الارتفاع التاريخي؛ فقد بدأ الدولار الأمريكي رحلة تراجع جعلت الذهب أكثر جاذبية للمشترين الدوليين، وسط مراهنات متزايدة على أن البنك المركزي الأمريكي سيواصل خفض أسعار الفائدة حتى عام 2026.
وتبرز ثلاثة مؤشرات اقتصادية ترسم هذا المشهد المعقد:
تراجع التضخم: تشير البيانات الأخيرة إلى هدوء ضغوط الأسعار، رغم تحذيرات بعض الخبراء من أن التعطيلات الإدارية الحكومية قد تكون قد أعطت صورة غير دقيقة تماماً لهذه الأرقام.
توقعات الفائدة: تسعّر الأسواق حالياً تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة للعام المقبل. وبما أن الذهب أصل “غير مدر للعائد”، فإن جاذبيته تزداد بقوة عندما تتراجع الفوائد على الحسابات الادخارية والسندات.
انقسام الخبراء: يسود الانقسام داخل كواليس البنوك المركزية؛ فبينما يدفع فريق نحو خفض عدواني للفائدة لدعم النمو، يحذر فريق آخر من التسرع، خشية أن يكون تراجع التضخم مجرد سحابة صيف عابرة.
إلى أين تتجه البوصلة؟
تبدو خارطة الطريق القادمة للذهب كأنها “حبل مشدود” بين قوة الزخم الحالية وبين البيانات الاقتصادية المرتقبة. ويترقب المتداولون أسبوعاً حافلاً بالتقارير، تشمل بيانات النمو والإنتاج الصناعي، والتي ستحدد ما إذا كان هذا الأداء الصعودي سيستمر أم سيواجه ثمة عثرات.
لا يزال الاتجاه الصاعد قوياً للغاية، ويرى محللون أنه إذا ما استمر الزخم الحالي، ورغم أن عمليات جني الأرباح قد تؤدي لتراجع مؤقت، إلا أن المزيج الراهن الذي يجمع المخاطر الجيوسياسية والتحول نحو سياسات نقدية أكثر مرونة يشير إلى أن “عصر الذهب” التاريخي لم يقل كلمته الأخيرة بعد.
الذهب يتراجع وسط صعود الأسهم وتوقعات السياسات النقدية
نور تريندز أخبار وتحليل فني وأدوات تعليمية وتوصيات