في أعقاب اختتام أعمال قمة الناتو في لاهاي اليوم الأربعاء الموافق 25 يونيو، برزت مجددًا أهمية الميزانيات الدفاعية، وحقيقة أنها قد تمثل في المستقبل القريب ضغوطًا إضافية على اقتصادات الدول المعنية بعد أن تعهد الحلفاء برفع إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، مقارنة بالهدف السابق البالغ 2%. ودفعت مطالبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة الحلفاء لتقديم مساهمات عادلة في الإنفاق، بينما زادت التهديدات الروسية من الحاجة إلى هذا التعهد.
ويثير هذا التعهد تساؤلاً ملحًا: هل ستستطيع منطقة اليورو تحمل هذا العبء المالي دون التسبب بأزمة؟ تشير الأرقام إلى أن الطريق إلى تحقيق ذلك أمر صعب، إذ تتطلب الزيادة مليارات إضافية، وتضغط على الخدمات العامة، وتثير توترات سياسية. ولكن مقتضيات الأمن الجماعي تستلزم اتخاذ خطوات جريئة، وتوضح السطور التالية لماذا يهدد هذا التعهد بدفع الاقتصادات إلى حدود قد تفوق احتمالها، وتستعرض تداعيات ذلك.
نطاق هدف الـ 5%
يخصص الهدف 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي لتمويل القوات والأسلحة، و1.5% لتعزيز الأمن السيبراني واللوجستيات. يمثل هذا ارتفاعًا كبيرًا من المستويات الحالية. يخطط رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر للوصول إلى 4.1% بحلول 2027 و5% بحلول 2035، مما يتطلب تخصيص 30 مليار جنيه إسترليني إضافية سنويًا. يواجه اقتصاد المملكة المتحدة بعد البريكست ضغوطًا بسبب هذا الإنفاق، بينما تتنافس احتياجات الرعاية الصحية والتعليم على الموارد. تلتزم دول منطقة اليورو بقواعد الاتحاد الأوروبي التي تحد من العجز، فتواجه عقبات مماثلة. توازن ألمانيا وفرنسا بين زيادة الإنفاق الدفاعي والحفاظ على الرفاهية الاجتماعية التي تنعم بها البدان. ومن جانبه، رفض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الهدف، وحصل على إعفاء، معتبرًا أنه يتعارض مع ميزانية بلاده الاجتماعية. ويزيد سعي المملكة المتحدة لشراء مقاتلات إف-35بي القادرة على حمل أسلحة نووية، بتكلفة مليارات، من الضغوط المالية على الحلفاء مجتمعين.
المخاطر السياسية والتكاليف الاقتصادية
يثير تعهد الحلفاء توترات سياسية كبيرة؛ إذ يجبر المملكة المتحدة على تحويل الأموال إلى الدفاع، بما في ذلك تمويل شراء المقاتلات إف-35بي، مما قد يغضب الجمهور بينما تتنافس المستشفيات والمدارس على ذات التمويل. تعبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مخاوف من أن تخصيص 100 مليار جنيه إسترليني سنويًا بحلول 2035، أي ضعف الميزانية الحالية، قد يهمل أهداف مكافحة الفقر والمناخ. وتواجه دول منطقة اليورو قيود اقتراض الاتحاد الأوروبي، مما يجبرها على اتخاذ خيارات صعبة.
حددت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغاريتا روبلز نسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، مؤكدة أنها تلبي احتياجات الناتو دون المساس بالبرامج الاجتماعية. تدعم جورجيا ميلوني من إيطاليا وبارت دي ويفر من بلجيكا زيادة تدريجية إلى 3.5% بحلول 2035، محذرين من ردود فعل الناخبين. يهدد ترامب بتقليص دعم الولايات المتحدة إذا تخلفت الدول عن الأهداف، مما يزيد من مخاطر انقسام الناتو.
التوترات والمناورات الدبلوماسية
حصل الناتو بنجاح على تعهد أغلبية الحلفاء بزيادة الإنفاق إلى 5%، لكن ظهرت انقسامات بين الأعضاء. حصلت إسبانيا على إعفاء بعد معارضة سانشيز، مما يعكس شكوكًا أوسع في منطقة اليورو. انتقد ترامب إسبانيا، وطالب جميع الحلفاء بالالتزام، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تنفق 3.19% من ناتجها المحلي الإجمالي. يثير هذا خلافًا مع إيمانويل ماكرون من فرنسا، خاصة وسط نزاعات التعريفات الأمريكية. خفف أمين عام الناتو مارك روته من تلك التوترات، إذ عمد إلى تعديل لغة البيان الصادر عن القمة من “نحن نلتزم” إلى “الحلفاء يلتزمون” لاستيعاب إسبانيا. ودعت دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا التي تنفق 4.7% من ناتجها المحلي الإجمالي، إلى تسريع الجداول الزمنية، وفي الأثناء، عارضت الدول الغربية هذا الاقتراح، مفضلة التمسك بموعد 2035. تبرز هذه الخلافات صعوبة مواءمة الميزانيات الوطنية مع أهداف الحلف.
ماذا يحمل المستقبل للميزانيات الدفاعية؟
يتطلب تحقيق الهدف ابتكارًا ماليًا واستراتيجيًا. تدرس المملكة المتحدة رفع الضرائب أو تقليص الإنفاق العام، لكن كلا الخيارين قد يثيران ردود فعل سلبية. تستكشف دول منطقة اليورو تمويلًا دفاعيًا مشتركًا عبر الاتحاد الأوروبي أو شراء معدات مشتركة، مثل دعم إف-35، لكن الدول المتحفظة تعارض ذلك. ويوفر النهج التدريجي مع مراجعة في 2029 قدرًا من المرونة التي تشتد الحاجة إليها، لكن التأخير قد يضعف قدرات الردع. كما توفر التقنيات الناشئة، مثل الأنظمة الدفاعية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فرصة لتحسين الإنفاق، لكنها تتطلب استثمارات أولية. تزداد المخاطر: يشجع الفشل في تحقيق الهدف الأعداء، بينما يزعزع الإنفاق المفرط استقرار الاقتصادات. يعتمد النجاح بحلول 2035 على الجمع بين الحذر المالي والابتكار الاستراتيجي، مما يضمن تعزيز الأمن دون إثقال كاهل الاقتصادات.
