أظهرت نتائج انتخابات فرنسا المبكرة، التي أُجريت الأحد الماضي، تقدم اليمين المتشدد في البلاد بقيادة حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه مارين لوبان المنافسة الأولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الماضية. ولا شك أن فوز هذا التيار السياسي من شأنه أن يثير الكثير من المخاوف حيال المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد، وما يمكن أن يستجد على المشهد من تطورات قد تضر بالاقتصاد ومن ثم تلحق أضراراً بأسواق المال، وهو ما نحاول إلقاء المزيد من الضوء عليه في هذا التقرير.
وحصد الحزب المعارض حوالي 34% من إجمالي أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي دعا إليها الرئيس ماكرون عقب هزيمة تحالفه في انتخابات البرلمان الأوروبي لصالح تحالف اليمين المتشدد. وجاء تقدم الحزب الذي تقوده لوبان – التي نافست على انتخابات الرئاسة الفرنسية في 2018 – بعد حوالي 50 سنة من تأسيسه على يد والدها جان ماري لوبان. بذلك تصدر التجمع الوطني – الجبهة الوطنية سابقًأ – الأحزاب المتنافسة على أغلبية الجمعية الوطنية الفرنسية بعد أن تفوق على تحالف اليسار، الذي حصل على 28% من الأصوات وحزب النهضة الذي يرأسه ماكرون، والذي حصل على 20% فقط من الأصوات، مما أخرجه من المنافسة في الجولة الثانية من هذه الانتخابات.
ولم يُحسم أمر الأغلبية المطلقة لليمين المتشدد الفرنسي بعد رغم النجاح غير المسبوق في تاريخ حزب التجمع الوطني، وهو ما دفع الحزب إلى مناشدة الناخبين الفرنسيين لمنحه الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية من خلال التصويت في إطار الجولة الثانية من الانتخابات. وقال جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني البالغ من العمر 28 سنة: “الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي تُجرى الأحد المقبل ستكون الأكثر حسمًا في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة”.
الأسواق تحتفل
كان رد الفعل المباشر لليورو والأسهم الأوروبية تجاه نتائج الجولة الأولى من انتخابات فرنسا المبكرة سلبيًا للغاية نظرا لما تتمتع به سياسات اليمين المتشدد من سمعة سيئة في إدارة الملف الاقتصادي، وهو ما انعكس سلبًا على الأسواق بصفة عامة.
لكن سرعان ما استوعب المستثمرون في الأسواق أن الأغلبية المطلقة لم تُحسم بعد للتيار السياسي المتشدد، وهي القناعة التي امتدت إلى التفكير في احتمالات التوصل إلى صفقة حزبية سياسية قد تضمن استمرارًا – ولو مؤقتًا – للسياسات الاقتصادية المعتدلة التي يتبناها الوسط الفرنسي.
وختم اليورو تعاملات الاثنين في الاتجاه الصاعد بدفعة من تطورات على صعيد المشهد السياسي في فرنسا أثارت تكهنات بإمكانية نجاة الاقتصاد الأوروبي من أيدي اليمين المتشدد في البلاد.
وارتفع اليورو/ دولار إلى 1.0725 مقابل الإغلاق اليومي الماضي الذي سجل 1.0711. وهبط الزوج إلى أدنى مستوى له في يوم التداول الجاري عند 1.0715 مقابل أعلى المستويات الذي سجل 1.0776.
وكشفت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية المبكرة عن إمكانية ألا ينجح التجمع الوطني الفرنسي اليميني المتشدد من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان، وهو ما يبعث على الارتياح في ضوء المخاوف حيال إمكانية أن تؤدي سياسات هذا التوجه إلى إعاقة اقتصاد فرنسا عن التقدم.
وكانت التوقعات التي سبقت ظهور نتائج الجولة الأولى تشير إلى إمكانية الوصول إلى سيناريو “البرلمان المعلق” أو فوز حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان.
وقادت أسهم البنوك ارتفاع الأسهم الفرنسية في إطار موجة صاعدة اجتاحت أسواق الأسهم الأوروبية بصفة عامة مقابل تراجع للسندات الحكومية الفرنسية والأوروبية بصفة عامة، إذ بدأ المستثمرون في التخلي عنها الاثنين بعد فوز اليمين المتشدد في الجولة الأولى من التصويت الأحد الماضي دون حسم الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية الفرنسية.
ورغم المخاوف التي تحملها سياسات اليمين المتشدد بين طياتها – أبرزها مخاوف حيال السياسات الاقتصادية – أدى ظهور نتيجة الانتخابات إلى التخفيف من حدة حالة انعدام اليقين التي كانت تسيطر على الأسواق قبل الجولة الأولى.
وقد نشاهد المزيد من التقدم للعملة الأوروبية الموحدة وبورصات أوروبا في الفترة المقبلة – على الأقل حتى إجراء الجولة الثانية من هذه الانتخابات التي من المقرر أن تُجرى في السابع من يوليو الجاري – وذلك أملًا في ألا تمتد أيدي اليمين المتشدد إلى السياسات الاقتصادية من خلال صفقة سياسية بين الأحزاب ينتظرها المراقبون.
سيناريوهات متوقعة
ومع تراجع احتمال قيام “الجبهة الجمهورية” التي كانت تتشكل تقليديا في الماضي بمواجهة التجمّع الوطني في فرنسا، بات من المطروح أن يحصل حزب جوردان بارديلا ومارين لوبن على أغلبية نسبية قوية أو حتى أغلبية مطلقة الأحد المقبل.
غير أنّ سيناريو قيام جمعية وطنية معطّلة بدون إمكانية تشكيل تحالفات تحظى بالغالبية بين الكتل الثلاث الرئيسية، يبقى ماثلاً أيضاً، وهو سيناريو من شأنه أن يغرق فرنسا في المجهول.
في مطلق الأحوال، خسر ماكرون رهانه على حلّ الجمعية الوطنية بعد هزيمة كتلته في الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو.