لا تزال المخاوف العالمية بشأن عودة التضخم إلى مستوياته المرتفعة السابقة تفصح عن نفسها في سياق الخطاب الاحترازي الذي تتبناه البنوك المركزية الكبرى التي أعلنت، عمليًا بقرارات رسمية، عن نيتها إبقاء معدلات الفائدة “أعلى لفترة أطول”، وهو أحد الأدوات المهمة، حتى توفر البيانات الاقتصادية ما يكفي من الأدلة على الانتصار في معركة التصدي للتضخم. وكان التركيز الأكبر الأسبوع الماضي على الفيدرالي وبيانات التضخم الأمريكية.
البنوك المركزية
قال جيروم باول، رئيس اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، في المؤتمر الصحفي الذي انعقد عقب إعلان قرار الإبقاء الفائدة دون تغيير الأربعاء: “نستمر في إحراز تقدم جيد في خفض معدل التضخم، ولا زلنا ملتزمين بشدة بخفض التضخم إلى 2.00% بمرور الوقت، لكننا نؤكد على أنه ’بمرور الوقت‘”.
وأضاف: “سوف نشاهد انخفاضًا في تضخم السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض التضخم بصفة عامة إلى 2.00% بصفة مستدامة”، مؤكدا أن المخاطر التي تحيط بالاقتصاد الأمريكي لا تزال تسير في الاتجاهين.
وأشار إلى أن مؤشرات نفقات الاستهلاك الشخصي وأسعار المستهلك الصادرة في يناير الماضي تدفع الفيدرالي إلى أن يتوقع إمكانية مراجعة تلك القراءات لاحقًا وأضاف باول: “عندما نجمع بين القراءات (قراءات التضخم) التي ظهرت في يناير وفبراير الماضييْن، لا أعتقد أن الطريق قد يكون وعرًا بل أرى أن إشارات أوضح باتت تدل على انخفاض التضخم”.
لكنه أضاف: “لا أعتقد أن هذه الأرقام قد تضيف إلى ثقتنا في أن التضخم يتراجع، كما لا أعتقد أن معدلات التضخم قد تكون أعلى على المدى الطويل”.
ومع ارتفاع التضخم في عام 2022، تحرّك الاحتياطي الفيدرالي لمنع دوامة زيادة الأجور من خلال رفع أسعار الفائدة والآن، في ضوء ارتفاع معدلات البطالة، يشير البنك المركزي الأمريكي إلى استعداده لخفض أسعار الفائدة لتجنب دوامة في سوق العمل الذي تعهد بمساندته، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع التضخم إلى حد ما لفترة وجيزة من الوقت.
وللمرة الأولى خلال الانتعاش الحالي الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي، استخدم رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بيانه الافتتاحي في المؤتمر الصحفي يوم الأربعاء ليعلن أن الزيادة المفاجئة في البطالة قد تدفع بنك الفيدرالي إلى خفض الفائدة ثم كرر تلك الرسالة عدة مرات في سياق ردوده على أسئلة الصحفيين.
وأبقى بنك إنجلترا أسعار الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ 16 عاما، حتى مع انخفاض التضخم في بريطانيا إلى أبطأ وتيرة له منذ أكثر من عامين.
ويوم الخميس الماضي، قرر صناع السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني إبقاء معدل الفائدة الرئيسي عند 5.25 بالمئة للاجتماع الخامس على التوالي، بعد يوم من بيانات مهمة كشفت انخفاض معدل التضخم في بريطانيا إلى 3.4 بالمئة.
وكان قرار التثبيت متوقعًا على نطاق واسع، لكن المحللين كانوا يتتبعون عملية حصر الأصوات التي تجريها لجنة تحديد أسعار الفائدة المكونة من تسعة أشخاص لمعرفة ما إذا كان هناك إجماع حول ما إذا كانت زيادات الأسعار تحت السيطرة ومتى قد يبدأ خفض أسعار الفائدة.
وصوت ثمانية أعضاء في اللجنة لصالح الإبقاء على أسعار الفائدة دونما تغيير، مع قيام اثنين من صناع السياسة الذين صوتوا لصالح رفع أسعار الفائدة الشهر الماضي بالتخلي عن موقفهم، كما صوت أحد الأعضاء لصالح خفض أسعار الفائدة.
وأعلن أندرو بيلي، محافظ بنك إنجلترا، أن صناع السياسة أبقوا أسعار الفائدة “لأننا بحاجة إلى التأكد من أن التضخم سيتراجع إلى هدفنا البالغ 2% وسيظل عند هذا المستوى”، مضيفًا “لم نصل بعد إلى النقطة التي يمكننا من خلالها خفض أسعار الفائدة، لكن الأمور تتحرك في الاتجاه الصحيح”.
قرار غير متوقع – بنك سويسرا
خفض بنك سويسرا معدل الفائدة الرئيسية، الخميس، بواقع 25 نقطة أساس إلى 1.50% في اجتماع مارس 2024، وهو الخفض الأول للفائدة السويسرية منذ تسع سنوات.
وبهذا التحرك المفاجىء، أصبح بنك سويسرا أول بنك مركزي يخفض الفائدة وسط توقعات قيام المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي بالخطوة نفسها في يونيو المقبل.
وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تراجع معدل التضخم السويسري إلى 1.2% في فبراير الماضي، ليظل مستقرًا داخل النطاق المستهدف من قِبل المركزي السويسري عند 0-2% للشهر التاسع على التوالي.
وتوقع البنك أن يستقر معدل التضخم السنوي عند 1.4% خلال العام الجاري 2024، و1.2% خلال العام المقبل 2025 و1.1% في 2026، كما توقع أن يظل النمو الاقتصادي معتدلًا خلال الأرباع المقبلة وسط تكهنات باستقرار معدل النمو حول 1% خلال العام الجاري.
بنك اليابان
تراجع الين الياباني مقابل منافسه الأمريكي، الثلاثاء، صوب حاجز 150.00، ليهبط إلى أدنى مستوياته في أسبوعين تقريبًا بعد أن رفع بنك اليابان معدل الفائدة لأول مرة منذ ثمانية أعوام في ضوء ارتفاع مستويات الأجور والتضخم على حدٍ سواء.
وارتفع زوج الدولار/ين بنسبة 0.80% إلى مستوى 150.33 ين من مستوى افتتاح تعاملات اليوم الجاري عند 149.14 ين. وصعد الزوج لأعلى مستوياته خلال الجلسة عند 150.48 ين من أدنى مستوياته عند 148.97 ين.
وقام المركزي الياباني خلال اجتماع مارس برفع معدل الفائدة على المدى القصير إلى 0.1% مقابل -0.1%، تماشيًا مع توقعات السوق، كما أعلن عن وقف سياسة التحكم في منحنى العائد التي تضع سقفًا لعائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عشر سنوات عند 0.1%.
المركزي الأوروبي يدلي بدلوه
كما حاول البنك المركزي الأوروبي تبديد، أو بالأحرى تخفيف، التكهنات بشأن سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة، يوم الأربعاء الماضي حتى مع اعترافه بالبيانات المشجعة حول تباطؤ ارتفاع الأسعار والأجور.
وقد أعرب العديد من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي عن دعمهم للخفض الأول لتكاليف الاقتراض من أعلى مستوياتها القياسية الحالية، على الأرجح في يونيو المقبل، مع تركز المناقشات الداخلية بين صنّاع السياسة النقدية بمنطقة اليورو الآن على عدد التخفيضات الإضافية التي قد يتبعها.
لكن رئيسة البنك كريستين لاجارد قالت إن البنك المركزي الأوروبي لا يمكنه الالتزام بعدد معين من تخفيضات أسعار الفائدة حتى بعد أن يبدأ في خفض تكاليف الاقتراض، ولفتت لاجارد إلى أن قرارات المركزي يجب أن تظل معتمدة على البيانات ولكل اجتماع على حدة، والاستجابة للمعلومات الجديدة عند ورودها وقالت في مؤتمر في فرانكفورت: “هذا يعني أنه حتى بعد التخفيض الأول لسعر الفائدة، لا يمكننا الالتزام مسبقًا بمسار سعر معين”، وأكد فيليب لين، كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي، مرددا أصداء تصريحات لاجارد، أنه وزملاؤه سوف “يقومون بمعايرة المستوى المناسب لأسعار الفائدة لفترة طويلة قادمة”.
العملات المشفرة
في أسبوع التداول المنصرم، سجلت صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة تخارجًا قياسيًا وشهدت العملة المشفرة الأكثر شهرة تحولًا هبوطيًا، وواجهت ثاني أكبر عملة مشفرة، الإيثيريم قضايا تنظيمية.
وتصدّرَ “دو كوون”، مؤسس “تيرافورم لابس” عناوين الأخبار، بعد أن رفضت محكمة في الجبل الأسود استئناف دو كوون ضد تسليمه إلى كوريا الجنوبية وتتطلع السلطات الأمريكية أيضًا إلى استئناف قرار التسليم وسط خطط لإطلاق سراح مؤسس تيرا من السجن، فقد أنهى فترة عقوبته بتهمة حيازة وثائق غير قانونية.
وامتد الاتجاه الهبوطي الذي بدأ في الأسبوع السابق إلى هذا الأسبوع، حيث شهد السوق تماسكًا هبوطيًا مستمرًا وشدّدت بيتفينكس، وهي بورصة للعملات المشفرة تملكها وتديرها شركة آيفينكس المسجلة في جزر فيرجن البريطانية، على أن المستثمرين التقليديين، الذين دخل معظمهم إلى السوق من خلال صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة، يتوخون المزيد من الحذر.
وخسرت القيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة 140 مليار دولار هذا الأسبوع، حيث قادت عملة البيتكوين الانخفاض بانخفاض الأسعار بنسبة 4٪ هذا الأسبوع وأنهت العملة المشفرة الرائدة الأسبوع حول مستوى سعر 65000 دولار.
وعلى الرغم من الاتجاه الهبوطي، ظل قادة الصناعة محتفظين بتفاؤلهم وتوقع ريتشارد تنج، الرئيس التنفيذي لشركة بينانس، أن تتجاوز عملة البيتكوين عتبة 80 ألف دولار، وبالإضافة إلى ذلك، كشفت مايكروستراتيجي في 19 مارس أنها اشترت 9,245 بيتكوين إضافية، مما يدل على تفاؤلها بشأن هذا الأصل المشفر الأكثر أهمية في العالم.
كان الأسبوع الماضي بالغ الصعوبة بالنسبة لصناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين، فلم تتمكن من جذب تدفقات قوية يومًا بعد يوم. ونتيجة لذلك، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين الفورية تدفقات يومية متتالية كل يوم في الأسبوع الماضي، مما يشير إلى أن معنويات الأسواق الصعودية بين المتداولين المؤسسيين قد تتضاءل بالفعل.
ويبدو أن هذا قد انعكس على سعر البيتكوين، حيث لامست العملة المشفرة مستوى منخفض بلغ 61,370 دولارًا خلال الأسبوع.
وارتفع اهتمام المستثمرين بصناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين الفورية بشكل كبير طوال شهر فبراير وأوائل مارس الجاري وسط الاتجاه الصعودي لعملة البيتكوين، مما دفع سعرها إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 73,737 دولارًا.
وأدى هذا الحد الأقصى من اهتمام المستثمرين إلى قيام صناديق الاستثمار المتداولة بوضع سجلات تداول جديدة للصناديق المتداولة في البورصة في الولايات المتحدة ومع ذلك، سجلت صناديق الاستثمار المتداولة هذه الآن رقما قياسيا سلبيا لخمسة أيام متتالية من التدفقات الخارجة.
السؤال الملح الآن، “هل تتعافى البيتكوين مرة ثانية؟”، وهل العملة المشفرة الأوسع انتشارًا على مستوى العالم قادرة على تحقيق انتعاش قوي واستعادة أعلى مستوى لها على الإطلاق فوق 73000 دولار.
وقد يؤدي استمرار التدفقات الخارجة من صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين الفورية إلى التأثير بشكل أكبر على سعر البيتكوين، ومن المثير للاهتمام أن ضعف التدفقات لم يكن له علاقة بانخفاض نشاط التداول، حيث ظل حجم التداول كبيرًا طوال الأسبوع.
وتشير البيانات إلى أن حجم التداول التراكمي لصناديق الاستثمار المتداولة العشرة يبلغ الآن 164 مليار دولار بعد أن شهد حجم تداول بقيمة 22.71 مليار دولار في الأسبوع الماضي.
بعد أسبوع من التخارج اللافت، من المتوقع أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد الخطوة الرئيسية التالية في سعر البيتكوين. على الرغم من الأسبوع القاسي، لا يزال لدى البيتكوين فرصة للانتعاش مرة أخرى إلى 73000 دولار، أو ربما أعلى، خاصة مع اقتراب حدث التنصيف التالي في أبريل المقبل.
حركة السعر
ختمت الأسهم العالمية تعاملات الأسبوع الماضي في الاتجاه الصاعد بعد أن أكد الفيدرالي أنه أحرز الكثير من التقدم على صعيد إخماد نيران التضخم بعد معركة استمرت لحوالي عامين مع ارتفاع الأسعار.
وحققت بعض مؤشرات الأسهم العالمية ارتفاعا إلى مستويات قياسية جديدة، إذ ارتفع داو جونز الصناعي وستاندردز آند بورس500 إلى مستويات قياسية جديد. وحقق المؤشران مكاسب أسبوعية بحوالي 2.00% و2.3% على الترتيب، مما يشير إلى أقوى أداء أسبوعي منذ ديسمبر الماضي.
كما حقق الذهب رقما قياسيًا غير مسبوق الأسبوع الماضي، إذ ارتفع إلى 2222 دولار للأونصة مقابل أدنى المستويات الذي سجل 2146 دولار للأونصة، وهو ما جاء بسبب ضعف نسبي أصاب العملة الأمريكي وتراجع في عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات على أساس أسبوعي لتتخلى عن 4.200%.
الأسبوع المقبل
تظهر الأسبوع المقبل بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي، القراءات الأكثر مصداقية واعتمادية لدى بنك الاحتياطي، والتي من شأنها أن تلقي المزيد من الضوء على المسار المستقبلي للفائدة الفيدرالية.
وتأتي هذه الدفعة من بيانات التضخم الأمريكية بعد ظهور مؤشرات أسعار المستهلك ومؤشرات أسعار المنتجين التي ألقت الضوء على عودة تضخم الأسعار إلى الارتفاع على كافة المستويات، وهو ما بدأ ينشر قناعة في الأسواق بأن الفيدرالي قد يتمهل قبل خفض الفائدة.
وتظهر أيضا بيانات ثقة المستهلك الأمريكي التي تلقي الضوء على مدى رضا المستهلكين في الولايات المتحدة عن أداء الاقتصاد الأمريكي على صعيد الأوضاع الراهنة والمستقبلية.
وتنتظر الأسواق أيضًا تقارير أرباح عدد من الشركات الهامة، أبرزها جيمستوب وكارنيفال هايلايت، وهي التقارير التي من شأنها أن تحدث أثرًا كبيرًا في أسواق المال.