نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية تقريرا تحليليا هذا الأسبوع عن أسباب تصدر كوريا الشمالية قائمة الدول الأكثر ممارسة للسرقة الإلكترونية والقرصنة عبر الإنترنت. واستند التقرير إلى أن بيونجيانج كانت وراء أكبر عملي سرقة عملات مشفرة في التاريخ هذا العام؛ وهي سرقة عملات مشفرة من واحدة من أكبر شركات تطوير ألعاب الفيديو على مستوى العالم، والتي تصدر عملة مشفرة خاصة بها وتجري تعاملات بالبيتكوين وغيرها من العملات المشفرة الهامة.
وأِشار كريستيان دايفيز وسكوت تشيبولينا، اللذان كتبا تقرير فاينانشال تايمز، إلى أنه في وقت سابق من العام الجاري، تعرضت شركة آكسي إنفينيتي الفيتنامية، مطورة لعبة البوكيمون التي حققت انتشارا عالميا غير مسبوق منذ عدة سنوات، لسرقة إلكترونية هائلة على يد جماعة قرصنة إلكترونية من كوريا الشمالية. وأشارت التقارير إلى أن هذه السرقة الإلكترونية هي الأكبر في التاريخ، إذ تقدر المبالغ التي حصلت عليها بوينغيانغ من هذه العملية بحوالى 620 مليون دولار.
ودقت هذه عملية القرصنة العملاقة هذه ناقوس الخطر لدى دول العالم المتقدم، إذ كشفت تلك السرقة لدول الغرب مدى ضعفها في مواجهة ترسانة الأسلحة الإلكترونية لتي تطورها كوريا الشمالية منذ عشرات السنوات، وأصبح من الواضح دون أدنى شك أن تلك الدول ليس لديها القدرة الكافية على حماية أًولها الرقمية.
كما اتضح من خلال هذا النشاط غير الشرعي أن تلك الدولة التي تخضع لعقوبات اقتصادية دولية لابد أن تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام والتركيز بصفتها إحدى أكثر دول العالم رعاية للسرقة الإلكترونية، خاصة سرقة العملات المشفرة.
وقال التقرير إن “لجنة مراقبة تنفيذ العقوبات الاقتصادية الدولية التابعة للأمم المتحدة ذكرت في تقرير أن كوريا الشمالية تمول برامجها السرية للصواريخ الباليستية من السرقة الإلكترونية”.
ووسط تأكيدات التقارير الأممية، ينبغي أن يبدأ العالم في النظر إلى كوريا الشمالية على أنها عضو في نادي الكبار للجريمة الإلكترونية الذي ترجح قوى الغرب أنه يضم الصين، وروسيا، وإيران.
وقال الكاتبان إن مؤسسة تشايناليسيز، المتخصصة في تحليل العملات المشفرة، قدرت المبالغ التي حصلت عليها بيونغيانغ من السطو الإلكتروني بحوالى مليار دولار منذ بداية عام 2022.
جهد عشرات السنوات
كما ألقت القوة والتطور الكبير الذي انطوت عليه سرقة آكسي إنفينيتي الضوء على ضعف الولايات المتحدة وحلفائها وعدم قدرتهم على مواجهة عمليات السرقة التي تتعرض لها كميات هائلة من العملات المشفرة على نطاق واسع برعاية كوريا الشمالية، وفقا المقال.
ورجحت آن نيوبرغر، نائبة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الإلكتروني، في تقرير صدر في يوليو/ تموز الماضي، أن كوريا الشمالية حصلت على حوالى “ثلث تمويلات البرامج الصاروخية التي تشغلها من عمليات قرصنة إلكترونية”، حسب المقال.
كما يرجح أن النظام الذي طورته بيونغيانغ لسرقة العملات المشفرة ليس وليد اليوم، إذ تعكف كوريا الشمالية على تطوير نظام إلكتروني قوي يمارس القرصنة عبر الإنترنت منذ عشرات السنوات، وهو ما يتوقع أن يكون وصل به إلى مستوى فائق من التطور التكنولوجي الذي يحصنه ضد محاولات الغرب النيل منه، وفقا المقال.
ولا تقل سرقة مئات الملايين من الدولارات من الشركة الفيتنامية المنتجة للعبة البوكيمون سلبية عن انهيار شركة “إف تي إكس” الذي تسبب في هزة عنيفة لأسواق العملات المشفرة، إذ ألقت تلك السرقة الضوء على قدر هائل من الغموض والغرابة يكتنف عالم الأصول الرقمية علاوة على مدى عنف التقلبات ومدى هشاشة القواعد الحاكمة للتعاملات في تلك الأسواق.
ويشير الكاتبان إلى أن ذلك يرجح أن الإجراءات التي اتخذتها قوى الغرب لاسترداد تلك الأموال الطائلة لم تسفر إلا عن استرداد 30 مليون دولار فقط بعد عمل مضن قام به تحالف من جهات إنفاذ القانون في الغرب. وتضمن تلك الجهود، على سبيل المثال، إعلان وزارة الخزانة الأمريكية أن “خلاطات التشفير، وهي شركات مسؤولة عن دمج مبالغ كبيرة من عملات مشفرة مختلفة حتى لا يمكن اقتفاء أثرها، تساعد كوريا الشمالية على غسل الأموال”.