يتعرض الدولار الأمريكي في الفترة الأخيرة لحالة من التذبذب الشديد في الفترة بسبب الاتجاهات المتضاربة للإشارات التي تصدرها البيانات الاقتصادية إلى الأوضاع الاقتصادية الراهنة في الولايات المتحدة.
وعلى مدار هذا الأسبوع الجاري، اتضح جليًا أن العملة الأمريكية تستمد اتجاهها من التطورات على صعيد أداء النشاط الاقتصادي الأمريكي، وهو ما يحدث نتيجة لارتباط البيانات الأمريكية بصلة وثيقة بالمسار المستقبلي للفائدة وتحركات بنك الاحتياطي الفيدرالي حيالها.
وشدد الفيدرالي في أكثر من مناسبة، أغلبها في بيان الفائدة الفيدرالي الذي يصدر عقب انتهاء كل اجتماع للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة وتصريحات رئيس اللجنة جيروم باول، على أن تحركاته المستقبلية على صعيد الفائدة سوف تتوقف على ما يستجد من بيانات اقتصادية.
التضخم والنمو
سجل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة هبوطًا إلى مستويات أدنى من توقعات السوق في الربع الأول من 2024، وهو ما جاء أيضًا أدنى من قراءة نفس الفترة من العام الماضي، مما يشير إلى تدهور في القراءة الفعلية. وسجل المؤشر هبوطًا إلى 1.6% مقابل القراءة المسجلة في الربع الأول من العام الماضي عند 3.4% وأدنى من التوقعات التي أشارت إلى هبوط أقل حدة إلى 2.5%، وفقا للبيانات الصادرة الخميس.
كما ألقت قراءة مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهي إحدى حلقات سلسلة من المؤشرات التي تحمل هذا الاسم والتي يعتبرها الفيدرالي الأكثر مصداقية واعتمادية في قياس التضخم في الولايات المتحدة، ارتفاعًا بـ3.4% في الربع الأول من 2024 مقابل القراءة السابقة التي سجلت 1.8%.
ويعني ذلك أن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال يرتفع، متمسكًا بمستويات بعيدة عن الهدف الرسمي للأسعار المحدد من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يثني البنك المركزي عن خفض الفائدة في وقت قريب.
وسجلت قراءة مؤشر طلبات السلع المعمرة في مارس الماضي ارتفاعًا إلى 2.6% مقابل القراءة السابقة التي سجلت ارتفاعًا أقل بحوالي 0.7%، وهو ما فاق توقعات الأسواق لنفس الفترة.
وتعني الزيادة في طلبات السلع المعمرة في الولايات المتحدة أن المستهلك الأمريكي مطمئن للأوضاع الاقتصادية الراهنة والمستقبلية، مما يدفعه إلى شراء هذه السلع ذات التكلفة المرتفعة.
واعتبرت الأسواق هذه الثقة من أهم المقومات التي قد يستند إليها الفيدرالي في التمهل قليلا قبل خفض الفائدة، مما يشير إلى إمكانية ألا تشهد الأسواق خفضًا للفائدة في يونيو المقبل، وهو ما انعكس إيجابيًا على الدولار الأمريكي.
وأشارت دفعة من البيانات ظهرت الثلاثاء الماضي إلى تباطؤ ملحوظ في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، مع انخفاض مؤشر مديري المشتريات المركب (الإصدار العالمي) الصادر عن ستاندردز آند بورس إلى 50.9 في أبريل الجاري مقابل 52.1 في مارس، مما يشير إلى ارتفاع أقل من توقعات الأسواق والقراءة السابقة، مسجلا أدنى المستويات في أربعة أشهر.
بالإضافة إلى ذلك، أظهر سوق العمل أول انكماش له منذ يونيو 2020، خاصةً في القطاع الخدمي، مما قد يشير إلى تباطؤ اتجاهات التوظيف في المرحلة الراهنة. وعلى الرغم من هذه المؤشرات، تراجعت معدلات التضخم قليلا، على الرغم من أن أسعار مستلزمات الإنتاج ظلت مرتفعة.
المسار المستقبلي للفيدرالي
تظهر أحدث التوقعات الفائدة الفيدرالية أن أغلب صناع السياسة النقدية في الفيدرالي يرون إمكانية لخفض الفائدة من قبل مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في عام 2025 – أو ثلاث مرات على الأقل حتى نهاية 2024 – أي أقل من نقطة سمئوية واحدة المتوقعة في ديسمبر الماضي في إطار التكهنات بخصوص المسار المستقبلي للفائدة.
,تتوقع الأسواق أن تظل الفائدة الفيدرالية دون تغيير في نهاية الاجتماع المبل للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في الأول من مايو. وأثارت بيانات التضخم لأوائل عام 2024 مخاوف من أن الانتقال إلى معدل تضخم سنوي قدره 2.00٪ قد يستغرق وقتًا أطول مما كان متوقعًا في السابق.
ويترقب السوق قرار الفيدرالي التماسًا لأي دلائل أو إشارات إلى التوقيت الذي قد يبدأ فيه الفيدرالي خفض الفائدة. وفي الوقت الحالي، تراهن أسواق التداول في أدوات الدخل الثابت على أن خفض الفائدة يمكن أن يبدأ في أحد اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في يوليو أو سبتمبر المقبلين.
لذا من غير المرجح أن تتحرك أسعار الفائدة في اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في يونيو المقبل أيضًا. ومعنى ذلك أن الخفض الأول لفائدة قد يتخذ القرار بشأنه بعد عام على الأقل من آخر رفع للفائدة من قبل اللجنة الفيدرالية، والذي حدث في يوليو من العام الماضي.