تتجه أنظار المستثمرين حول العالم نحو محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) المقرر صدوره يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025، حيث يترقب الجميع كشف النقاب عن تفاصيل المناقشات التي جرت في اجتماع لجنة السياسة النقدية الذي اختتم أعماله بتاريخ 17 سبتمبر الماضي، والذي شهد خفضًا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 4.00% – 4.25%. ويتوقع أن لا يكتفي المحضر بتوثيق ما جرى من مناقشات صانعي السياسة، بل يرسم ملامح المرحلة المقبلة لمسار السياسة النقدية، في وقت تعاني فيه الأسواق من غياب البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق الحكومي المستمر في الولايات المتحدة منذ أول أكتوبر الجاري.
وتُسعر الأسواق خفضًا جديدًا للفائدة بنسبة 96%، وفقًا لأداة مراقبة الفائدة من بورصة شيكاغو (CME FedWatch Tool)، ما يعكس قناعة واسعة بأن الفيدرالي يتجه نحو دورة تيسير تدريجية. ويترقب المستثمرون والمتداولون خفضًا إضافيًا بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع 28 – 29 أكتوبر، وسط مؤشرات على تباطؤ نمو الوظائف وارتفاع البطالة، ما يهدد بدخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود.
وتسبب الإغلاق الحكومي بشكل مباشر في تعطيل صدور بيانات حيوية مثل معدل البطالة والرواتب غير الزراعية ومؤشر أسعار المستهلكين، مما دفع الفيدرالي إلى الاعتماد على مؤشرات بديلة. هذا التعطيل زاد من أهمية المحضر المنتظر، الذي بات المصدر الوحيد لفهم توجهات البنك المركزي في ظل الغموض الراهن.
تجدر الإشارة إلى تصريحات مسؤولي الفيدرالي الأخيرة أظهرت تباينًا واضحًا في الرؤى، فعلى سبيل المثال؛ حذّر أوستان جولسبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، من التسرع في التيسير النقدي، قائلاً: “أنا متردد بشأن تحميل الكثير من خفض الفائدة مقدمًا والاعتماد فقط على زوال التضخم”، أما جيف شميد، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، فقد أكد أنه سيتبع نهجًا يعتمد على البيانات، رغم تعطلها، وقال: “سأراقب مؤشرات بديلة لسوق العمل والأسعار”.
وفي المقابل، دعا ستيفن ميران، عضو مجلس المحافظين المُعين من الرئيس ترامب، إلى خفض حاد في الفائدة، معتبرًا أن سياسات الهجرة ستقلل من الطلب على الإسكان وتخفض تضخم الإيجارات، وبوضوح تفاعلت الأسواق مع هذه التصريحات، حيث سجلت الأصول المالية تحركات لافتة:
– قفزت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي متجاوزة 3985 دولارًا للأونصة، مدفوعًا بتوقعات خفض الفائدة وزيادة الطلب على الملاذات الآمنة.
– ارتفع الدولار الأمريكي إلى 98.60 نقطة، مدعومًا بتصريحات مائلة إلى التشديد من بعض مسؤولي الفيدرالي، رغم انخفاض عوائد السندات.
– تراجعت الأسهم الأمريكية بشكل طفيف، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.2%، وسط تباين في أداء القطاعات، مع مكاسب في التكنولوجيا وخسائر في البنوك والطاقة.
– ارتفع النفط بنسبة 0.3%، ليصل خام برنت إلى 65.71 دولارًا للبرميل، مدعومًا بتوقعات زيادة الطلب إذا اتجه الفيدرالي نحو التيسير، وارتفع خام غرب تكساس الأمريكي بنسبة 0.57 ليسجل 62.04 دولارًا للبرميل.
ويراقب لمحللون عن كثب لغة المحضر، إذ أن التركيز على عبارات مثل “مخاطر تراجع التوظيف بشكل ملحوظ” سيعزز التوقعات بخفض الفائدة، ويدفع الأسهم للصعود والدولار للتراجع. أما إذا أشار المحضر إلى أن التضخم “لا يزال مرتفعًا” أو “يقترب من الهدف”، فقد يُفسر ذلك على أنه ميل نحو تشديد مثبل للسياسة النقدية، ما يدعم الدولار ويمثل ضغطًا على الذهب والأسهم.
ويتزامن صدور المحضر مع إعلان بيانات مخزونات النفط من إدارة معلومات الطاقة (EIA)، مما يضاعف تأثيره على أسواق الطاقة. فالميل إلى التيسير قد يعزز الطلب على النفط، بينما تشير بعض التحليلات إلى أن خفض سبتمبر قد يكون بداية دورة تيسير طويلة، وليس مجرد خطوة واحدة.
في ظل التفويض المزدوج للفيدرالي (دعم التوظيف واستقرار الأسعار)، يبقى التضخم فوق 2% رغم انخفاضه من ذروة 2022، ما يثير مخاوف من الإفراط في التيسير، وسط تحذيرات من تبني التشديد مجددًا اعتبارًا من أوائل 2026. كما أن التوترات الجيوسياسية ومشكلات سلاسل التوريد تضيف مزيدًا من التعقيد أمام صانعي القرار.
تجدر الإشارة إلى أن تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول، المنتظرة يوم الأربعاء، قد تعزز أو تعدّل تأثير المحضر على الأسواق. فالنبرة المائلة للتيسير قد تدفع الذهب والأسهم للصعود، بينما النبرة الأكثر ميلا للتشديد من المتوقع أن تعزز الدولار وتزيد من العزوف عن المخاطرة.
