يترقب المستثمرون في أسواق المال قرار البنك المركزي الأوروبي بشأن الفائدة في اجتماعه المقرر يوم الخميس 11 سبتمبر 2025.
وتنتشر في الأسواق توقعات على نطاق واسع بأن البنك المركزي قد يُبقي على المعدلات الحالية للفائدة دون تغيير، وذلك للمرة الثانية على التوالي منذ أن بدأ دورة التيسير الكمي الحالية في يونيو 2024.
يأتي ذلك وسط استقرار معدلات التضخم واقترابها من الهدف الرسمي المحدد من قبل لجنة السياسة النقدية بـ2.00%.
كما يستغل البنك المركزي في قراره المتوقع باستمرار العمل بالمعدلات الحالية للفائدة تراجع التوترات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقب التوصل إلى اتفاق تجاري بين الجانبين، مما يقلل من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات نقدية إضافية في الوقت الراهن.
وأشارت نتائج استطلاع أجرته وكالة أنباء رويترز إلى أن 66 من أصل 69 اقتصاديًا شاركوا في المسح يرون أن البنك المركزي الأوروبي قد يُبقي على أسعار الفائدة كما هي.

كما يرى 40 منهم أن هذا المستوى سيظل ثابتًا حتى نهاية هذا العام، وهي التوقعات التي تعكس تغيرًا ملحوظًا في معنويات السوق، خاصة إذا ما قورنت بتوقعات منتصف يوليو الماضي، إذ كانت أغلبية الاقتصاديين تتوقع خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر الجاري.
أما التوقعات الرسمية فتشير إلى أن المستثمرين يتوقعون خفضًا واحدًا في ديسمبر المقبل، إذ تُثمن الأسواق استقرار الفائدة الأوروبية عند 1.8% بحلول نهاية العام الجاري.
معدلات التضخم
على صعيد الأوضاع الاقتصادية، تشير بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي (Eurostat) إلى أن معدل التضخم في منطقة اليورو بلغ 2.1% في أغسطس الماضي، وهو ما يتماشى مع هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2.00%.
أما التضخم باستثناء أسعار الغذاء والطاقة، فتراجع إلى 2.3%، وهو أقل قليلًا من التوقعات السابقة.
وتعزز هذه الأرقام موقف البنك المركزي في التريث وعدم التسرع في اتخاذ قرارات جديدة بشأن الفائدة، خاصة في ظل غياب مؤشرات على تسارع التضخم أو تدهور النمو الاقتصادي.

مؤشر أسعار المستهلك الأوروبي – سنوي – المصدر: tradingeconomics
وفي اجتماع سبتمبر، سيقدم موظفو البنك المركزي الأوروبي أيضًا توقعاتهم الفصلية الجديدة بشأن التضخم والنمو الاقتصادي.
وتشير التوقعات السابقة الصادرة في يونيو الماضي إلى أن التضخم قد يسجل 2.00% في 2025، و1.6% في 2026، و2.00% في 2027.
وعلى صعيد النمو الاقتصادي، توقع البنك أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 0.9% في 2025، و1.1% في 2026، و1.3% في 2027.
تُظهر هذه الأرقام أن الاقتصاد الأوروبي يتخذ مسارًا معتدلًا دون الحاجة إلى تحفيز إضافي أو تشديد كمي.
من جهة أخرى، يُرجح أن دورة خفض الفائدة قد تكون وصلت إلى نهايتها.
انعدام يقين سياسي
على الصعيد السياسي، تشكل الاضطرابات في فرنسا عاملًا إضافيًا يزيد من انعدام اليقين.
وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو عزمه طرح خطة لتقليص العجز المالي للتصويت على الثقة في البرلمان. وقد أدى ذلك إلى عمليات بيع في سوق السندات الفرنسية، مما زاد من توتر الأسواق قبيل اجتماع البنك المركزي الأوروبي.
ودعا بايرو إلى تصويت ثقة في حكومته في إطار محاولة لكسب المزيد من التأييد لخطة التقشف وخفض الإنفاق على نطاق واسع التي تبنتها حكومته.
وبالفعل أُجري التصويت وسُحبت الثقة من الحكومة الفرنسية، مما يستلزم استقالة الحكومة، على رأسها بايرو.
واختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيباستيان ليكورني لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما أزال الكثير من انعدام اليقين السياسي ويتيح الفرصة أمام المركزي الأوروبي بأن يتحرك على صعيد السياسة النقدية بارتياح دون الخضوع لضغوط التطورات السلبية التي كانت تستجد على المشهد السياسي في البلاد.

الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو – في الفترة من 1996 إلى 2024 – المصدر: statista.com
ورغم هذه التطورات، من غير المرجح أن يتدخل البنك المركزي الأوروبي بشكل مباشر، إذ أن السياسة النقدية لا تُستخدم لمعالجة مشكلات السياسة العامة.
في المجمل، يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يتجه نحو تثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، مدفوعًا باستقرار التضخم وتوازن النمو الاقتصادي، إلى جانب تراجع المخاطر التجارية.
ومع ذلك، فإن الأسواق ستبقى في حالة ترقب لتصريحات رئيسة البنك كريستين لاجارد، التي قد تقدم إشارات مهمة حول توجهات السياسة النقدية في الأشهر المقبلة.
يُضاف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا، والتي تشغل الاتحاد الأوروبي إلى حدٍ كبيرٍ نظرًا لتشابك المصالح الأوروبية في المنطقة، خاصة مع أوكرانيا التي توفر لأوروبا جزء كبيرًا من احتياجاتها من الطاقة.
ووصفت الحكومة البولندية هذا الانتهاك بأنه “عمل عدائي”، مما أثار مخاوف من اتساع نطاق الصراع في المنطقة، وأدى إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق الأوروبية.